آراء وتحليلات

القول المبين في عروبة لحراطين/ حسن المختار

لقــــول المـبــــيـن.. في عـروبـة “الــحراطيـــن”
لاشك أن ما عشته من حياتي في مجتمعات عربية من المشرق والمغرب أكثر بكثير مما عشته في أرض الوطن الموريتاني نفسها. وأزعم أن إخوتي في الإسلام والوطن “الحراطين” هم أكثر فئة من فئات المجتمع الموريتاني عروبة، وأعمقها تمثلاً للثقافة العربية الأصيلة المتوارثة عبر القرون -وليس ثقافة هشك بشك المستعربة الجديدة- وهم الأرسخ استلهاماً وجدانياً ورمزياً لمعنى العروبة، الذي يحتاج كثير من عرب الوقت إلى من يترجمه لهم. وتبدو عروبة الحراطين الثقافية والتاريخية جلية للعيان من اللسان العربي الدارج المحكي المتوارث عبر القرون، ومن الأسماء، والفنون الشعبية، وأنماط التفكير والتدبير، وأشكال البنيات والعلاقات والمؤسسات الاجتماعية. وكل هذه المتغيرات الاجتماعية والثقافية، المستقلة والتابعة، هي ما يتم من خلاله تحديد هوية الإنسان بالمفهوم العلمي والأنثروبولوجي، ولا تحدد هوية الإنسان بناء على لونه أو عرقه، لأن البشر كلهم في النهاية عرق واحد اختلفت ألوانه بحسب الظروف المناخية، لا أكثر.
وفوق هذا أن كل الموريتانيين هم أيضاً شعب أسمر كغيره من شعوب منطقة الساحل المختلطة- المتجلطة ديموغرافياً، التي تكونت هويتها وتجذرت عبر الفضاء الحضاري السوداني (الممتد من بورسودان وحتى نواكشوط)، متشكلة من عدة طبقات هوَوِيَّة، وتحركات تكتونية سكانية عبر القرون. وهذه هي حقيقة الطيف العربي الموريتاني، فكله شعب أسمر، وليس التمييز التقليدي بين “ييضان” و”سودان” سوى تصنيف مستورد من ثقافة مشرقية بعيدة، حيث كان هذا الفرز اللوني موجوداً في المخيال الثقافي المشرقي، بحكم التغاير القائم هناك. ولذا نتذكر مثلاً رسالة الجاحظ الشهيرة: “فخر السودان على البيضان” التي جمع فيها مفاخر السودان، ومناقبهم، وما أكثر تلك المفاخر والمناقب!
وما أريد لفت الانتباه إليه هنا هو أن التصنيف اللوني اللغوي -لا العنصري- كان موجوداً قديماً في السياق المشرقي، وهو ما أفترض أن صيغة “بيضان” و”سودان” عندنا في غرب أفريقيا مستوردة منه، ضمن سياقات تاريخية وديموغرافية ليس هذا محل التبسُّط فيها، وإن كانت أيضاً تسمية “بيضان” تحديداً اسم علَم على بعض قبائل اليمن التي ظلت تحمل هذا الاسم حتى اليوم.
والحاصل أن ثقافة إخوتنا “الحراطين” تقول بلسان فصيح فسيح: إنهم عرب اللسان، والوجدان، والأسماء، والثقافة، والتمثلات والمرويات والسرديات، والأساطير، وسوى ذلك كثير.. كثير. هذا على رغم أن أصل التسمية “لحراطين” نفسها أمازيغي وهو: “أهُرضان” وجمعها “ئُهرضانن”، وتعني الرجل الأسمر. ولا أساس من الصحة طبعاً لبعض التخريجات الإيتيمولوجية الأخرى مثل الزعم بأن تعبير “لحراطين” أصله “الحراثين”، أو أن أصل لفظ “حرطاني” هو “حر ثاني”…
نقلا من صفحة المدون حسن المختار على الفيس بوك


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى