آراء وتحليلات

كثرة الأخبار لم تعد من اختصاص الصحافة

لم تعد صناعة الخبر إلا كصناعة “الخبز” في حيزنا الاعلامي ؛ عملية مرتجلة يتابع فيها الممتهن حذو قدوته أو كبيره في العمل؛ لا تخصصا يدرس في الكليات المتخصصة في ذلك الباب ولا علما يؤخذ من أهله في المؤسسات الإعلامية، ولا غاية يهدف لها الطّموح بجهده والراغب في تقدم بلده ومنحه الصورة البراقة التي تجلب رائد الوفاء والإخلاص.

فبعد ما عرفه العالم من تقدم في عالم التواصل إثر ثورة التقنيات الحديثة أتسعت دائرة عوالم التواصل الاجتماعي؛ أصبح العالم يجلس في غرفة صغيرة بحجم علبة السجائر، يرتادها الصغير والكبير وفيها يقول المرتاد ما يشاء ويكتب ما يشاء من دون رقابة ولا حجاب وينتقد بها المرتاد ويبدي رأيه كما لو أنه في خلوته العادية.

وما إن بلغ ا”لفيسبوك ” سن الرشد وشب أخوه “اتويتر”عن الطوق، حتى استوى القاصي والداني في وصف الصورة وتحليلها و تقديمها بجسم عصري و نفخ الروح في أشلائها النائمة من جديد، و لم يعد مصدر الخبر دقيقا و لا ملازما فتبوأت الشائعة مكانها المرموقة في عناوين الأحبار، فقويت الإنتماءات وا شتد التعصب للحزب والسورة، ونمت الجهة والرأي المرتجل ، فمضى جل أهل وسائل الإتصال بدئا بالفيسبوك مرورا ب”اتوتير ” الصامت وختاما بالعزيز الساحر”واتساب ” يدوّن قصص زملائه، وحديث ثلته، ونجوى جماعته، بالحرف ويدعم ذلك بصورة كأنها ولدت مع الخبر في لحظة واحدة، فتساوى الناس في كثرة الأخبار حتى فاق بعضهم جهابذة المتنبئين وجلبة الطوارئ الماردين، ولم تعد كثرة الأخبار وتعدد المصادر من تخصص الصحافة وأهل الإعلام.

ومن المضحك أنك قد تجد في بعض الأحيان خبرا مدعما برابط يحيلك تتبعه لفياف برقة، وواد القطيف، و حين يتعبك المسير وتفقد الطريق الذي قدمت معه وتبدأ في تدبير العودة تدرك أنك ضللت وغبت تماما وابتعدت عن نيتك التي دخلت بها ذلك الوادي وولدت ليديك نية جديدة قد لا يعود صاحبها بخير.

ومن المفارقات أن الصحافة التي تمتهن “الاعلام” وتتخصص في جمع جديد الأخبار لم تعد تجد مرتعا يخص بها فالناس في عصر “مارك” صحافة من الطراز الأول، ومن الطرافة أن جماعة سألت أحد العاملين في حقل الاعلام عن جديد الساحة؟ وهم إذ ذاك يأكلون ما شكل له إحراجا! فرد عليهم وقد سألوه بالحسانة : افلان اشطاري من لخبار؟ فرد عليهم: ما طار من لخبار ماه كلت لخبار.

فعلا إنه من المخجل أن تسود الفوضى حقل الإعلام هذا الحقل النبيل الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويرزق بعض ذويه بغير “تصفاك”!

وغدت عناوين أخبارنا تشبه ما نسمعه عن الشعر في عصر الضعف حين عمد الشعراء إلى الاجترار والتخميس والمعارضة، بل وأحيانا تعود بك الذاكرة وأنت تطالع ما تكتبه مواقعنا الالكترونية؛ إلى حديث “اهل آسكر” و”اجماعت لبطوار” وغيرهما من جماعات القمر والظلام في ليالي “لفريك”.

ويبقى من الجلي أن ما يتطلبه الخبر وصناعته من حنكة وخبرة ميدانية، ومعرفة بردة فعل القراء من ناشد خبرا وباحث عن المثالب والسقطات ، ليس بالأمر الهين وليست صناعته ” تاسدبيت اور العصر”.

ديدي نجيب


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى