عن “ارتدادات سقوط الجدار”/ إشيب ولد أباتي
في مقال الدكتور إسلكو أحمد إزيد بيه المنشور في موقع “موريتانيا الآن”، قراءة واعية، قدم فيها رؤية واعدة ب” العمل السياسي الواعي”، وقد يكون الاستشراف من ناتج فهمه لأحداث العالم في فترتي الحرب الباردة، وما بعدها، وذلك بالنظر الى تأثير المركزية الأوروبية، وإن بإيحاء لا واعي بجرائم تلك المركزية، والاحداث التي قام بها روادها من ” الاسكندر المقدوني” الى ” جو بايدن” سواء العسكرية منها او السياسية التي جرت في مجتمعات العالم، ولعل عدم الوعي بذلك راجعا الى العمى الذي يصيب البصر، والبصيرة نتيجة الدعايات المكررة، نظرا للإدمان على قراءات الفكر الغربي الحديث، والمعاصر، والاستماع للداعية الاعلامية.. وهو ما كنا نتوقع الغطس في فخاخه انصاف المتعلمين، وليس الاكاديميين، والسياسيين من امثال دكتورنا المتنور بمواقفه..
وبالاشارة الى الاحداث المذكورة في المقال، يستوقف القارئ العنوان” ارتدادات سقوط الجدار” بين عاصمتي المانيا الشرقية، والغربية، وتوحيد الأمة في مشروع الماني، هو بداية لاستئناف النهضة الصناعية، والتقدم السريع لمشروع الأمة الالمانية بعد تدميره جراء الحرب العالمية الثانية،، لكن ما هي العوامل التي أدت الى توحيد ألمانيا في المقال؟
كان الحديث في المقال مقتصرا على سقوط الحكم الماركسي في الاتحاد السوفييتي، وذلك إيذانا بسقوط التجربة الاشتراكية وفكرها التحرري اللذين شاركا في تشكيل الوعي المعاصر منذ الثورة البلشفية في روسيا القيصرية(1917م)، والثورة الفلاحية والثقافية في الصين (1949م)..
والدكتور لم يأت بالجديد عن المتداول في الدعاية الليبرالية عن انتصار الغرب الامبريالي، وتناقض ذلك عند ارجاع عوامل سقوط الاشتراكية السوفييتية الى عوامل داخلية، بما ينفي دور العوامل الخارجية، ولم تقدم حجة موضوعية لاسباب انتصار الغرب،علما بفشل تجاربه السياسية الليبرالية التي سقطت عديد المرات بتلك الأزمات العديدة، إن اقتصاديا، أو سياسيا من حيث سقوط انظمتها السياسية في الانتخابات، وهو سقوط للتجارب الليبرالية أكثر منه سقوطا للحكومات السياسية..
أما الذي غاب عن تفكير الدكتور في مقاله، فهو الاشارة على الأقل الى العلاقة بين التطورات التنموية في التجارب السياسية للمجتمعات التي ذكرها في آسيا وأمريكا الجنوبية، وحادث السقوط بين شطري ألمانيا..عدا التركيز على وحدة الزمن ـ ما بعد الحرب الباردة ـ التي مزق دائرتها، تلك الاحداث التي صنعتها القوى الحية في مختلف المجتمعات التي سلبها الدكتور صنعها لاحداثها الوطنية، ليسند الاحداث الى قوى خفية ترجع الى مركز الزلزال للأحداث بعد سقوط الجدار في القارة العجوز..!
ولعل القارئ الموريتاني والعربي عموما، يطالب الدكتور الذي خرج بمقاله عن دائرة الوعي الاعلامي المرتبط بتقديم النشاط السياسي لنظام الحكم، إن دعاية، أو تقييما لا يقدم في اغلبه رؤي توعوية، أكثر من تقديم الكتاب أنفسهم قابلية التفاعل مع الواقع السياسي بما يترجمه المثل العربي ” إياك أعني واسمعي ياجارة “..
قلنا إن القارئ الموريتاني، والعربي عموما، ربما فاجأه التقييم التالي: ” إن التجربة السياسة العربية الحديثة، لم تفرز أية من مقومات المعاصرة : التعددية السياسية، أو حرية المبادرة الاقتصادية، أو هما معا”، وهذا التقييم للمعاصرة ليبرالي المذهب، ويوضح الى أي حد كان الدكتور متأثرا بالفكر الغربي، والأحداث القدرية للأنظمة الاستعمارية، وهذا التصور ينسجم مع الدائرة التي وضع للاحداث الدولية، بمركزها ” سقوط الجدار”، الذي استولد التطورات السياسية تباعا خلال ثلاثين سنة ب” البيكار” في القطر المتسع، اتساع الكرة الارضية..
والسؤال الأولي الذي يواجه صاحب هذا التحليل، هو: ألم يكن هذا اختزالا لمقومات المعاصرة يا دكتور؟ وهل كان نقل التعددية السياسية، وحرية التجارة “دعه يمر، دعه يعمل”، هو ما يستنبت المعاصرة في مجتمعات متخلفة، وإذا كان ذلك رأي الدكتور في مقاله الجميل،، فأين اثر التعددية السياسية في مجتمعات قبلية، وجهوية، تقاسمت احزابها النخبة السياسية، فشيأت وعيها في بلادنا، وغيرها من البلاد الافريقية، والعربية والآسيوية التي فرض الغرب على أنظمتها اكراهات ” العولمة” الامبريالية منذ ثمانينيات القرن الماضي الى الآن، ولم يؤد ذلك الا الى تدمير الانظمة الاجتماعية، والاقتصادات المحلية، وتحويل المجتمعات القروية الرعوية والزراعية الى مجتمعات استهلاكية في مدن فاقدة لكل شروط المجتمع المديني من تخطيط حضري، الى مجتمع خدمي، انتاجي، الصناعي، وسيطرة الأوليغارشية العسكرية التابعة، كوكلاء موسميين؟
ألا يرى الدكتور، أن مقومات الحداثة، تسبق مقومات المعاصرة التي ذكرتم لقارئكم، وإذا كانت الاخيرة محصورة في التعددية السياسية، وحرية التجارة الحرة، وكان حال المجتمع، هو هذا الفقر المادي، والفكري سياسيا، فمن سيستفيد من التجارة الحرة غير اصحاب رؤوس المال من ” الكومبرادور” التابع للشركات الغربية،، والأمر لايختلف عن تبعية قيادات الاحزاب القبيلية للسفارات الغربية التي توزع الأدوار على المعارضة، ورؤساء الانظمة السياسية؟!
ولعل من المهم التذكير بأن شروط الحداثة في المجتمعات الغربية، وغيرها، ان يحصل الانتقال من القرى، والارياف، والبوادي الى المدن، ومن النشاط الزراعي الى الإنتاج الصناعي، ومن الجهل الى التعليم العام، وتقسيم العمل في مجتمع حديث، قد لايتبع بالضرورة تقسيم العمل الليبرالي، أو الاشتراكي، بل يعتمد على مقوماته الذاتية في التحرر الوطني استنادا الى دور الجيوش الوطنية في الدفاع عن الاستقلال الوطني، والانظمة السياسية الوطنية التي تضع الأولوية للسيادة، وللعدالة الاجتماعية، وضمان الصحة، والتعليم، والسكن الصحي، والعمل،، بدلا من التعددية السياسية للطبقة المتوسطة التي فرضها التطور في البناء الاجتماعي الطبقي للنظم في المجتمعات الأوروبية منذ الثورات السياسية في القرنين السابع عشر والثامن عشر.
أما ثالثة الأثافي، للدكتور، فلعلها التناقض الصريح الذي جعل الافتراضات في المقدمة، والتسلسل التحليلي، ينتهيان الى النتيجة العكسية للمنطلقات،، ذلك أن وحدة الاحداث، وانسرابها من مركزها في ” سقوط الجدار”، انتهى بالقول الى عدم التأثير الغربي تاريخيا، وجغرافيا على الاحداث في الوطن العربي، بعد أن ذكر بحقيقة أن التأثير العربي الاسلامي في أوروبا ، قابله التأثير الغربي بالكيان الصهيوني في فلسطين، لكن التراجع عن هذا التصور واستبداله بنفيه، يقدم اشارة الى سقوط القلم من يد الدكتور جراء غفوة ـ ربما ـ ثم استئنافه الكتابة بما هو مخالف لما سبق في ذات الفقرة، وذلك في الحديث عن ” نسبية الحقيقة عن تأثير التاريخي والجوار الأوروبي للعالم العربي” بما يعني صراحة أن الاستعمار الغربي بتاريخه الاستعماري، وقربه الجغرافي لم يؤثرا على المجتمعات العربية سلبا..
فهلا علم الدكتور بأن أواليات النهضة في كل من تونس ومصر على عهد محمد على باشا، عاصرتا بداية النهضة اليابانية، وان الذي اسقطهما هو الغرب الاستعماري،، وقل الشيء ذاته عن أواليات النهضة الصناعية للعراق التي تزامنت مع نهضة” كوريا الجنوبية” في سبعينيات القرن الماضي،،؟
ولعل تعاطف الدكتور مع الليبراليين العرب، يفسر الى أي حد هو يدافع عن مسيرته القصيرة مع النظام السياسي السابق التي لم تختلف عن الدور الوظيفي لليبراليين العرب التابع لأنظمة ” الاستعمار الجديد” على حد تعبير جان بول سارتر،، فعبد الله العروي الليبرالي المذهب، كان مستشارا للحسن الثاني، وارسله الى نظام ” موبوتو” في زايير لانقاذه من السقوط عبثا،،!
ولن يمنعنا ما سبق عن التساؤل حول ملامح ” العمل السياسي الواعي،،على تطوير الجيرة المعقدة مع أوروبا الى رافعة جديدة بين الفضاءات الثقافية الرئيسية”؟
ونتمنى أن يكون هذا العمل الواعي،، الذي وعد الدكتور به القراء، يستشرف المستقبل لمجتمعاتنا العربية من اجل التحرر الوطني، باعتباره المقدمة للتنمية الاجتماعية، والعلمية، والاقتصادية، والعمرانية،، وليس باحداث من صنيعة الغرب، ووكلائه لفرض التبعية القائمة على محاربة التقدم، وفرض التخلف، واسقاط الانظمة الوطنية، والقومية بالحروب الامبريالية التي لم يقل أحد قبل الدكتور بنسبية تأثيرها على الحياة العربية إن على مستوى الفرد، أوالاسرة، أو النخبة السياسية، أو المجتمع، ونظمه في الماضي القريب، او الحاضرالراهن، وعسى ألا يكون له تأثير في المستقبل العربي..
لكن كيف فهم الدكتور الفكر السياسي العربي الذي قدمه في عناوين مختصرة؟
(يتبع)