ثقافة

من روائع الحكايات والأساطير الموريتانية(22) / د. محمدو احظانا

ام الروايات
رواية اللحمة الحمراء

قال الراوي: لن أقص عليكم قصة اللحمة الحمراء حتى تحلوا لي هذه الأحجية:
حاجيتكم ما جئتكم:
” فاطمه بنت الناصر، طلعت ذالك التل تعاسر. فانحل حزامها، وانذرت عظامها؟”
أخطأ كثيرون وأجاب أحد الحاضرين؛
هل هي عصمة الخيمة؟
فقال الراوي باستحسان.
-هي ذاتها، سللتها بأوتادها”.

الفصل الأول

قيل لكم ما قيل لكم:
إن راوية خرجت من حيها لجلب الماء من بئر على بعد
ثلاثة أيام بلياليها.
وبينما الواردة تحث جمالها نحو البئر البعيدة إذ رأت لحمة حمراء ملقاة أرضا، على أثر حي ظاعن، وكانت الأرض قد بدأت تسخن، والنهار يرفع رأسه، وهي لا تستطيع أن تبرح مكانها لتحتمي بظلال إحدى الأشجار القليلة، ولا أن تسقر على حال.
فناشدت رئيس الراوية المندهشة:
-ناشدتك بثدي أمك، وبحق رزقك أن تردفني على جملك حتى تجد حيا يقبل العناية بي.
لقد نمت البارحة على ظهر جمل سيار، وسقطت هنا على أهلي ولم يشعروا بي، ومنذ السحر وأنا أسأل ربي أن يسوق إلي أحدا من عباده الصالحين ينقذني، وها أنتم.
أناخ رئيس الراوية جمله، ورفع اللحمة الحمراء إلى كفله، وانطلق بها مع راويته.

الفصل الثاني

نزلت الراوية ليلتها الأولى على حي فرفدهم بالقرى من لبن الإبل.
صاحت اللحمة الحمراء مستجدية:
-ناشدتك أيها الرئيس بثدي أمك الذي أرضعتك، وحق رزقك الذي أرسله الله هليك مع ميكائيل، أن تضعني في الإناء لحظة واحدة.
فوضعها في الإناء هنيهة ورفعها منه، فإذا بالإناء جافا وكأن عهده باللبن أمس. وإذا اللحمة الحمراء تتلمظ. فأبعدها عنه وهو يسبها لأنها حرمته وحرمت راويته من العشاء.

الفصل الثالث

انطلقت الراوية تحث جمالها تحت جنح الليل وهي تحمل معها اللحمة الحمراء، لأنها لم تجد من يؤويها من الحي. وظلت على وجهتها في يوم أصفر لم تلق خلاله أنيسا على في الأرض ولا فيوالسماء.
ولما بدأتت الدنيا تتدثر بعباءة الليل نزلت الراوية على حي فأرسل لها قرى من ثريد.
لم يكد الرسول الذي كان يحمل في جفنة كبيرة يولي حتى صاحت اللحمة الحمراء متوسلة:
-بحق ثدي أمك الذي أرضعتك الحياة، وبحق رزقك الذي رزقك الله، ضعني في الإناء لحظة يارئيس الراوية الكريم.
فمنعته مرءته أن لا يلبي طلبها الملح. ولما رفعها كان قعر الإناء يشعل النار.
فلام رئيس الراوية نفسه، وقرعه رفاقه.. فعزم على ما عزم عليه.

الفصل الرابع

حملت الراوية عباءة الليل على أكتافها، ساهرة مع النجوم الهادية حتى استحمت الدنيا من سخام الليل بضوء الشمس.

****
ظلت الراوية تسفع نواصيها طوال يومها، وتسابق عيونها إلى آكام الصحراء وجبالها وتلالها حتى حال الظلام بينها وبين تلك المعالم الصامتة، فنزلت الراوية على الحي الثالث في الليلة الثالثة.

الفصل الخامس

أسر رئيس الراوية دون أن تسمعه اللحمة الحمراء إلى أم الخيمة التي تستضيفهم ردحا من الليل:
-لانريد منكم لبنا ولا ثريدا. إنما قدرا كبيرا بها ماء مغلي، ولها غطاء محكم.
فبعثت إليهم ربة الأسرة بالقدر الموصوفة وهي تفور تكاد تميز من الحرارة. وقد رمت فيها حبات ملح طلبها رئيس الراوية.

****
لما رأت اللحمة الحمراء القدر ظنته طعاما ستأتي عليه كما فعلت باللبن والثريد فنادت رئيس الراوية بإلحاح..
فقاطعها:
-لا تستجديني فهذه هي الغاية التي وهبها الله لك على يدي. ورماها في قعر القدر وأحكم عليها غطاءه.

****
أخذت اللحمة الحمراء تصيح وتستغيث وقد جن جنونها، وهي تنطبخ، فلم يبال بها الرجل حتى أذعنت و نضجت، واتقطع ضجيجها، وفاخ بخارها الشهي الذي يشق الرأس نصفين.
عندها دعا أفراد راويته الجياع، فأخذوا سكينهم وتحلقوا حول القدر وصار كل واحد منهم يقطع ما يليه ويلتهم اللحم الطري، ثم يعطي السكين لصاحبه ليقطع مما يليه، حتى شبعوا إلى أمسكوا بأنوفهم.
وفضل عنهم للأسرة ما تتعشى به من اللحم الطري المطبوخ. واستراح الجميع من نهم اللحمة الحمراء.

****
منذ ذلك اليوم والناس يطبخون كل لحمة حمراء وجدوها. ويأكلونها إلى يومنا هذا، وتركوا -إلى الأبد- أكل اللحوم النيئة للوحوش اللاحمة.

“وربطت أنا سيور نعلي على قدمي، ورجعت عنهم إلى أهلي، أبقاني الله سالما، أحدث برواية اللحمة الحمراء، دائرا عن دائر.”

م. أحظانا


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى