كلمة مُجمَّع الإمام ناصر الدين بمناسبة عرض فلم سليمان بالْ
السيد رئيس الجمعية الموريتانة لإحياء تراث اتييرنو سليمان بالْ
السادة رؤساء الجمعيات المنظمة
أيها الأساتذة المحاضرون الكرام،
أيها السادة والسيدات الحاضرون ،
أبدأ بالقول إن جمعيتنا هذه نشأتْ للمساهمة في تعزيز اللحمة الوطنية من جهة وترسيخ العلاقات الأخوية بين الشعبيْن الشقيقين الموريتاني والسنغالي من جهة أخرى، من خلال استلهام وتمثُّل دور حركة الإمام ناصر في مدّ جسور التواصل بين سكان حوض نهر السنغال وخاصة من خلال نشر الإسلام ومناهضة ظاهرة الإسترقاق.
إنه دور رائدٌ حقا اضطلعتْ به الحركة موحدةً متماسكةً بشقيْها الزاويِّ والمغفريِّ إبتداءً من تاريخ قيامها سنة 1645م حتى سنة 1673م تاريخ اندلاع الخلاف الداخلي العابر بين تلك الأسرة الواحدة المسمَّى” شرْ ببَّ ” (1673-1677) والذي لم يفسد للود قضيةً بين المجموعتين ، بل سرعان ما استعادتا سابقَ عهدهما الأخويّ الحميم.
وبالدرجة ذاتها عرفَ الجيران في ضفتيْ نهر السنغال لاحقا مواجهات مماثلة عابرة فقدت خلالها تلك الأسرة الواحدة زعيمين عظيميْن هما : قائد ثورة فوتا اتييرنو سليمان بال ( ت 1190 هجرية /1776م) وأمير الترارزة اعلِِ الكوري بن هدِّي بن أحمدْ بن دمان (ت 1200 هجرية / 1786م) ، وفي هذه المرة كذلك فإن ذلك الخلاف العابر لم يفسد للودّ قضية بين المجموعتين بل سرعان ما عادت علاقاتهما إلى سابق عهدها الأخويّ الوديّ كما لم تكن من قبلُ.
أيها السيدات والسادة ،
قال المرحوم جمال بن الحسن عن نتائج حركة الإمام ناصر الدين “لقد أدى قيامُ الحركة فهزيمتُها إلى ربط جسور تواصل مستمر بين شعوب المنطقة وخاصة بين الشعب العربي في بلاد شنقيط وجيرانه من الشعوب المسلمة في حوض نهر السنغال”.
قلتُ: وفي هذا النطاق هنالك شخصيات علمية معروفة من إخوتنا في حوض النهر السنغالي درستْ في مناطق مختلفة في بلاد شنقيط واندمجتْ مع أهلها بالسكن والمصاهرة حتى أصبحتْ جزءاً لا يتجزأ منهُ. ولم تكنْ المنطقة الجنوبية الغربية من البلاد بمعزل عن تلك القاعدة بل كان لها منها حظ موفور إذْ احتضنت في فترات متفاوتة على سبيل المثال لا الحصر كلا من : أسرة آل صَلْ التكرورية حلفاء الإمام ناصر الدين وقد أوردها والد بن خالُنا في كتابه ” الأنساب” وذكر منها : الإمام انچايْ عبدولْ صَلْ والقاضي حبيب الله صلْ تلميذ العلامة المختار بن خالُنا وصهره ومن أحفاد هؤلاء في القاعة صديقي الوالي صَلْ صيْدو ، ومن هؤلاء كذلك الصالح المصلح اتييرْنو سليمان بالْ تلميذ العلامة محنض بن الماح بن المختار اگدَ عثمان (كما ورد في وثيقة سنغالية بحوزتنا) وهو صهر شيخ الشيوخ العارف بالله الشيخ محمد فاضل بن مامينَّ كذلك والمامي عبد القادر الفوتيُّ تلميذ غديجة بنت محمد العاقل، و دودُ سك ولد ابنُ المقداد تلميذ العلامة الأمانه بن المختار بن ألاَّ وغيرهم كثير.ودودُ سكْ هذا هو القائل:
سلّمْ على إيگيدِ إن جئتَهُ
وحيِّهِ منّي على بُعده
وقلْ له إني مُقيمٌ على
ما يعلم الرحمان من عهده
فأجابه العلامة امْحمدْ بن أحمدْ يوره بقوله :
أهلًا وسهلا بسلام أتى
من شمس ذا العصر ومن فرده
ولا يفي بالفرض من ردّه
إلاّ سلامٌ جاء من عنده.
وليس تعبيرُ ابن المقداد عن وفائه بالعهد لتلك المنطقة بأبلغ من مبدإ اختيارهِ بحرَ السريع لتأدية رسالته الصادقة المؤثرة!
ومن هنا فإنه لا يُستغرب التعاون بين جمعية اتييرنو سليمان بالْ ومجمّع الإمام ناصر الدين للثقافة والتنمية من أجل عرض فلم يستعرض حياة العالم الصالح المُصلح اتييرنو سليمان بالْ كما لا تُستغرب كذلك تلك الصلةُ الوثيقة بين الرجليْن الذيْن تسمتْ بهما الجمعيتان إذ أجمعَ المؤرخون والباحثون الأفارقة والغربيون الذين تناولوا تاريخَ الاسلام في غرب افريقيا في القرنين السابع العشر والثامن عشر ميلادي على أن ثورة اتييرنو سليمان بالْ في فوته هي امتداد لحركة الإمام ناصر الدين في نشرها الاسلام ومناهضة الاتجار بالبشر في حوض نهر السنغال وأن حركة الإمام ناصر الدين هي امتدادٌ لدولة المرابطين في دعوتها الإسلامية.
قال المرحوم جمال ولد الحسن إن من نتائج حركة الإمام ناصر الدين أنها ” حملت الإسلام المجاهد لأول مرة في هذه المنطقة منذ عهد المرابطين بعد قرون من الفراغ السياسي في الصحراء الصنهاجية”.
قلتُ: وكما واجه المرابطون في اسبانيا ملك قشْتاله ألفونسو السادس في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، فقد واجهتْ حركة الإمام ناصر الدين في فرنسا “الملك الشمْس” الويس الرابع عشر في وسط القرن السابع عشر الميلادي فأوقفتْ تجارته الاسترقاقية المزدهرة في سان لويس بالسنغال حتى قال مدير الشركة الفرنسية Louis Moreau De Chambonneau في حق أئمة الدولة الناصرية وهو شاهد عيان عاصر الأحداث :” ومنذ أن أصبحوا سادة البلاد – يعني قادة الدولة الإسلامية الجديدة – فإن “عبداً” واحدا لم يدخل إلى سفننا، وبدون “السادة” يستحيل أن تكون لنا التجارة الرابحة بكل البضائع”!
وهؤلاء السادة الذين كانت المملكة الفرنسية تعتمد عليهم في تجارة الرقيق آنذاك ليسوا سوى ملوك الدنياكوبي Denyankobé الذين كانت مواجهتهم قاسما إضافيا مشتركا بين الإمام ناصر الدين واتييرْنو سليمان بالْ إذْ كان الإمام قد واجههم من قبلُ شمال النهر كما تقول بعض المصادر التاريخية. وقد وصف العلامة محمد اليدالي ( ت 1166 هجرية) حال قومه مع أؤلئك الملوك آنذاك قائلًا:” إلاَّ أن ملوكا من السودان كانوا في أرض بعيدة وكانوا يخشون السبيَ والإغارة من أؤلئك الملوك ويرتحلون إلى بلاد بعيدة خوفا منهم ” بينما يصف شيخنا الشيخ سيدي محمدْ بن الشيخ أحمدُّ بن اسليْمان ما آل إليه الأمر فيقول في رسالة له مشهورة إلى أحد الحكام الفرنسيين متحدثا عن قومه :”فلم يزالوا كذلك حتى كان زمان ولي الله ناصر الدين (……) بايعوه وأخذوا السلاح وجاهدو واستخلصوا أرضَهم من السودان التي كانو أجلَوهم عنها منذ أزمنة بعيدة”.
ومن القواسم المشتركة بين الرجلين كذلك دعوته الإصلاحية المرتكزة على الجهاد في سبيل الله جنوبَ النهر وفق منهاج سلمي حتى أجمع المؤرخون والباحثون على أن حركة اتييرنو سليمان بال هي استمدادٌ و امتدادٌ لثورة اتييرنو سليمان بال في فوتا ..
ونذكر من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر : Barry Boubacar في كتابه مملكة والُو : حرب الطلبة في حوض نهر السنغال من منشورات IFAN و Philip D. CURTIN في دراسته بعنوان “الجهاد في غرب أفريقيا: المراحل الأولى والعلاقات المتبادلة في موريتانيا والسنغال من منشورات جامعة Cambridge البريطانية و Nehemial LEVTZION في مقاله بعنوان “مذكرات حول أصول الاسلام المجاهد في فوتا چالون من منشورات جامعة دكار”.
أما المؤرخ الكبير بوبكر باري فقد قال :”إن هناك علاقة واضحة بين ثورة التورودو وحركة الإمام ناصر الدين في أواخر القرن السابع عشر، بل تُعد هذه الثورة امتدادًا مباشرًا لتلك الحركة في أهدافها الأساسية وتجلياتها”.
وأما الباحث الآمريكي Philpe D. CURTIN فقد أوضح أن “تأثير ناصر الدين لم ينته بنهاية الحرب… وفي جنوب الصحراء ظل مفهوم الإمامة هدفا ماثلا يسعى إليه من خلال ثورات دينية”.وقد نبه إلى أن زعماء جميع الدول الإسلامية في الضفة الجنوبية قد اتخذوا لقب “الإمام” تأسيا بناصر الدين، ولو صحفوه بعد إلى “المامي” أو “اليمان” وذلك بداية من الإمام مالك سي مؤسس الدولة الإسلامية في فوتا بوندو حوالي سنة 1100 هجرية/ 1690م وهو الذي تربطه التقاليد المروية بالبيضان “شعب ناصر الدين”.
ويخلص CURTIN إلى القول :”إن ظهور هذه السلسلة من الثورات الدينية، التي بدأت بالجنوب الموريتاني واتبعت خطا متصلا في تماسها وتداخلها.. يمكن أن يكون ظاهرة متميزة في حد ذاته، وقد تكون له انعكاسات كبرى على تأويل التاريخ الديني في غرب إفريقيا”.
واسمحوا لي أنْ أختم بهذا النص الذي القديم نسبيا المستوحى من دردشة على الخاص مع أحد الأصدقاء الافتراضيين من الفلان بالسنغال علمتُ في ما بعد أنه هو مؤلف كتاب “دولة الأئمة في فوتا تورو تجربة إسلامیة على ضفاف نھر السنغال : إحدى أنجح محاولات إحیاء الدولة الإسلامیة.
وهذا هو النص :
قلتُ من أنتَ؟ قال إني فخورُ
بانتماء على ” الفُلاَنِ ” يدورُ
و عن الدين إن تسلْ إن ديني
دينُ الاسلام لُبُّه لا القشورُ
و عن الربع إن تسائل فربعي
من أصيل الربوع من ” فُوتَ تُورُو”
حيث يسقي النهرُ السخيُّ بلادا
بخصيب الوادي : خيامٌ و دورُ !
قلت مهلا فإنني بانتماءٍ
أنتميه لذي الربوع فَخورُ
فبذي الدور و الخيام مَنارٌ
و رباطٌ تُحمى لديه الثغور
هدْي ياسين لابن ياسين منه
بعد طيٍّ بذا الرباط نُشورُ
فلديْه أحيى قلوبا و كانتْ
يعتريها من قبل ذاك فتورُ
حيث أحيى قلبا ليحيى فأضحى
بعْد غيْب للقلب منه حُضورُ
أو غيابٌ في الله في القلب منه
ضاء للحبِّ و الأخوَّة نورُ
عامِرٌ قلبُ ” نجلِ عامِرَ” بلْ قلْ
” عُمَرٍ” إنه الأمير الجَسورُ
ذلك المدُّ مُنكر أنكروه
أَنُكورا لمَدِّه إذ يَثور ؟!
مدَّ مدًّا من ربِّه مُستَمدًّا
و جلا فانجلى الجَحود الكَفورُ
همَّةٌ من أئمة كشموس
ورثتها كواكب و بدور
كم قفاهُ منَّا إمامٌ جَسور
نصرَ الدين ما اعتراه قصورُ
فاقتفاه من فوتَ تُورُو هداةٌ
ليس فيهم عن الجهاد نفورُ
ما قفاه إلاَّ أبيٌّ صبورُ
ما يُولِّي القفا الأبيُّ الصَّبورُ
لا نباهي بالأصل إلاَّ أُصولا
لوصول للحكم فيه ظهورُ
ليس فينا تنابزٌ إنما الألْ
قَابُ فيها تنابز و نُفور
شُدَّ منَّا البناء فوق أساس
دعَمتْه لتيرسٍ “كَرَكُورُ”
فإذا ما اشتكى بتيرسَ عضو
فاضَ من كوركورُ ذاك الشعور
نعمةُ الله هذه فاشكروها
و لَنعمَ العبدُ الصَّبور الشَّكور
نحن شعب بالدين قد صهرته
لغة الضاد : تبرُها و الشذورُ
فإذا الدينُ بيننا قد أُقيمتْ
بِعُرَاهُ أَواصِرٌ و جُسورُ
إنما الدينُ ديننا نرتضيه
و لنا فيه غبطة و سرور
وحَّدتنا الأهدافُ ثمَّ حَدَتْنا
للمعالي هَيْنٌ إليها العُبُور
فنبذنا الألوان بِيضا و سُودا
إنَّما اللَّونُ خِدعةٌ و غُرور
و اتَّخذنا تقوى الإله بديلا
إذ عليه تَدور تلك الأمور
ما لِغير الدماء نمتاز لونا
في سجلِّ التاريخ منه سُطور
قد تروَّت سُهولُنا من دِمانا
قذفتْها نحو السُّهول الصخورُ
لا نُريق الدماءَ من غير حق
مُحكمُ الآي وِردُنا و الصدور
بلْ زرعنا في الأرض للحب بذرا
فَمُحاطٌ به على الأرض سُورُ
فاستحالت رَوْضا من الحبِّ غَضًّا
و شذاهُ منه تَفوح الزهورُ
و زهونا بالروض فيه وفاءٌ
و شفاءٌ لما حوته الصدور
و اخترقنا الآفاق ننشر عدلا
زال منه في الأرض ظُلم و جور
و جعلنا للنهر منه مَهادا
حيثُما النهرُ عانقته البُحور
مَعبرٌ إذ يَجتازه كلُّ خير
ليس إلاَّ للخير منه المرور
و إذا ما الشرور وافت فبردا
و سلاما تكون تلك الشرور
ليس فينا إلاَّ وفيٌّ بعهد
و بوعد على البلاد غَيور
نذرَ النفس للإله فدَاءً
لم يَخِبْ قطُّ عهده و النذور
فلِذي الأرض عهدُنا و برور
حُقَّ للأرض عهدُنا و ٱلبرور
ذي عُصورٌ فهل نَعودُ إليها
أم إلينا تعود تلك العصور؟!
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ..
وأستغفر الله لي ولكم وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..
ألقاها الأستاذ: محمدن ولد سيدي الملقب بدنه