ثقافة

من روائع الحكايات والأساطير الموريتانية(18) / د. محمدو احظانا

(أم الروايات)
حكاية العجب والمعجب
(الجزء الثاني)

الفصل الأول
لما فصل ابن الجارية عن الأرض التي كان فيها، دخل أرضا فسيحة كأنها لا تشبه الأراضي التي يعرفها. وتراءت له من بعيد خيمة وبر تكاد تسد الأفق، فلما اقترب منها لم ير فيها سماكا، ولا وتدا ولا حبلا، ولا عمودا، فهي معلقة في الهواء، مرفوعة بلا عمد، وعلى فراشها امرأة عظيمة الصدر، غليظة الذراعين، دقيقة الساقين، يعلوها بهاء وألفة ونضرة نعيم. ومع السيدة جارية عجزاء ربلة الساقين. ضيقة الصدر، دقيقة الذراعين.
وتحت نضد الخيمة إناء به لبن رائب، وعلقت قربة مليئة ماء باردا، في جانب الخيمة بعرى خفية.
أمرت المرأة الفتى أن يريح نفسه بعد سفره المضني، حيث انتهى الخيط الأبيض الذي كان يتتبعه عند منكس الخيمة.

الفصل الثاني
نادت المرأة إناء اللبن الرائب أن يقترب منها فدنا منها على عجل، وأمرت مخواضا مرميا على النضد أن يخض اللبن الرائب بين يديها حتى يستوي، ونادت إناء شراب من الأبنوس كان منكفئا على النضد أن يدنو من صاحبه فدنى، وأمرت قدح اللبن الرائب أن يصب مافيه بإناء الشرب، وأمرت إناء الشرب أن يذهب إلى القربة. وقالت للقربة:
– القربة حلي وكاءك وصبي من مائك النمير في إناء الشرب قدر الكفاية.
ثم قالت للمخواض:
– سو المذق. فسواه، ثم قالت للإناء: اقترب من الضيف ومكنه من نفسك حتى يشرب.
ففعل.
شرب الرجل على ظمأ، ورأى إناء المروب يعود إلى حيث كان، والمخواض يعود إلى نضده، والقربة تربط وكاءها بنفسها.

****
لما اكتفى ابن الجارية من الشراب السائغ، قالت المرأة لإناء الشراب الذي عاد مافيه كما كان:
– هيا، فاقترب منها وشربت منه دون أن تمد يدها إليه، ثم أمرت الإناء أن يتحرك إلى الجارية فشربت منه حتى ارتوت.
قالت السيدة:
– يا ماء عد إلى حيث كنت، فعاد إلى القربة، وقالت للبن عد إلى حيث كنت. فعاد إلى إناء اللبن. وقالت لإناء الشرب:
– أغتسل واكفئ نفسك حيث كنت منكفئا. ففعل.

الفصل الثاني
أقبل إناء يتهادى في الهواء، و قد انشق عنه العدم، ودنى من السيدة، فقالت له:
– الضيف أولا.
ولما دنى من ابن الجارية إذا به عيشا ساخنا له قنة، وقد تسربل بالحليب الطازج، وفي قنته حفرة بها زبدة ذائبة، فأكل منه على جوع حتى شبع.

****
أمرت السيدة الإناء الذي عاد مافيه كما كان بالدنو منها، فأكلت منه حتى اكتفت، وعاد ما فيه كما كان، فأمرته السيدة أن يذهب إلى الجارية فنالت منه ما تشاء، ولما عاد ما فيه كما كان أول مرة، قالت له المرأة اكتفينا منك، فعد من حيث أتيت.

الفصل الثالث
لما أقبل الليل رأى ابن الجارية امرأة تخمش خديها النضرين بأظافر كمسامير الحديد، وهي تولول و تبكي من الألم.
ثم رأى امرأة أخرى تتعلق بملحفتها، لتستر بها نفسها، لكنها لاتكاد تلمسها حتى تشتعل النار في شعرها وذراعيها، فإذا انطفأت النار عادت من جديد لجذب ملحفتها كي تستر بها نفسها فتشتعل النار من جديد في يديها وشعرها.

****
ثم رأى رجلا بائس المحيا، مطوي القسمات، مقيدا بقيد ثقيل من حديد، وقربه سوط. وكلما انقضت ساعة انفك عنه القيد وأقبل على سيدة حسنة المنظر يجلدها بالسوط حتى يدمي جلدها.. فإذا انتهى من جلدها لبست ثيابها وأصلحت من شأنها وذهبت. لكنها تعود إلى الرجل بعد ساعة فتنفك عنه أغلاله، ويأخذ السوط ويبدأ في جلدها حتى يهده التعب.. وهكذا.

****
ثم رأى ابن الجارية فارسا ذا جواد مطهم، يأتي من وراء الأفق، وينزل عن جواده ويخلع جميع ثيابه، ويستلقي على ظهره، فيأخذ شيخ كبار غصن قتاد كأن أشواكه المعقوفة من نحاس، ويبدأ في جر غصن القتاد على بطن الفارس، فيتمزق وتتمزق أمعاؤه وهو يصيح صيحات ألم مرعبة.
وعندما ينتهي الشيخ الكبار من تعذيب الفارس يعود لما كان عليه من أبهة، ويركب جواده ويذهب إلى حيث أتى.

****
ورأى ابن الجارية في ما رأى، رجلا متماسك الأركان يدخل صبيان صغار أسياخ حديد معقوفة في فمه الفاغر، ويخرجون من بطنه كبشا أقرن، ملطخا بالدماء، ثم يتقيأ بعد ذلك ما في نطنه من صخور ملتهبة.

(انتهى الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث و الأخير.).

م. أحظانا


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى