آراء وتحليلات

حديث قد يهم وزير الثقافة / بابه ولد يعقوب ولد أربيه

علا هديرُ محركات السيارات و تسارعت ومضات بروق كهرباء اللحامين في لكصر القديم ثم اكتملت لوحة الضحى لما وضعت سعيدة بائعة المساويك والنعناع طاولتها محتكرة ظلال المنازل المتراصة بكل حميمية وفاحت في أرجاء المكان رائحة المشوي .
في هذا الوقت بالذات أقصد دكان صديقي لأحضر جولة أو جولتين من ” اصرند ”  يتبارى خلالهما صديقي ” مول البوتيك ”  مع عمه الذي لا يستطيع أن ينتظر المساء كي يلتحق بأقرانه من مدمني هذه اللعبة الذكية .
في بداية متابعتي لجولات العم وابن أخيه استهجنت حجم الوقت المضاع وبطء اللعب ، شيئا فشيئا هالني وأنا المولع بالرياضيات حجم الاحتمالات المتاح أمام كل لاعب ثم بدأت أتأمل جيدا تلك الرقعة الرملية ذات البيادق المختارة من أعواد الشجر اليابس و بعر الإبل فبدت لي وكأن قوانينها نحتت من أعراف الصحراء التي تحتفي بالأبطال وتمنحهم امتيازات لايمكن لغيرهم من الخاملين مجرد الحلم حين تعبير مقتحم خطوط العدو ” ظائما ” ، تلك الأعراف أيضا تعاقب الفاشلين تماما مثل اصرند  التي إذا ضيع أحد الاعبين فرصة للقتل تعاقبه ب ” اتسوفيل ”
معالي الوزير قد تكون مرافعتي هذه عن ” اصرند ” شطرنج الصحراء غير محترفة لكني من خلالها أقترح على معاليكم إعطاء عناية كبيرة لهذه اللعبة التي طالما تبارت فيها صفوة عقول هذا البلد مثل الدكتورين الراحلين جمال ولد الحسن ويحي ولد حامد .
معالي الوزير أليس من السهل إنشاء مسابقة لتصميم رقعة فاخرة وجنود لهذه اللعبة على أن يُرفق هذا التصميم بكتيب ثلاثي اللغات يشرح قواعدها ؟ و أن تستهدف هذه المسابقة الصناع التقليديين والفنانين التشكيليين الوطنيين ولم لا تطلب الوزارة في مسابقة لاحقة من المنهندسين الموريتانيين  تصيم نسخة ألكترونية ل ” ظامت” ؟ لنعد إلى يوميات الحي فعند الظهيرة يذهب العم و يخلو الجو لابن أخيه الذي يرتب جلسات استماعنا لول عو شاديا وعازفا لتيدنيته في إحدى جوانب الهول (الجانبة البيظه والكحله ولكنيدية )
معالي الوزير حين أخبر أصدقائي في القهوة أن أكثر ما يطربني هو لكتري ” ابياظ الجانبه البيظه ” ساعتها سأبدو غريب اللسان كأنني أحدث مواطنين من البيرو عن نقائض جرير والفرزدق !
معالي الوزير إن موسيقانا التقليدية يهددها خطر الانقراض وبالتالي من الأفضل أن تبادروا بالتعاون مع وزارة الرقمنة إلى إنشاء مكتبة سمعية بصرية شاملة لهذه الموسيقى يشرف عليها فنانون وباحثون مختصون ومهندسون بارعون ، وفي هذا الإطار يمكنكم محاولة كتابة أزوان بلغة الموسيقى العالمية وهو أمر سيخدمه ويوصله للعالمية .
معالي الوزير حين أقول” العالمية”  فإنني أدرك جيدا ما أقول فلموسيقانا قبول عند سائر الأمم ولم لا وهي تلك الخلاسية التي مزجت بين وتر زرياب المضاف في قرطبة  وبين أنين ” النيفارة  ” على ضفاف النهر و جمعت كذلك بين رقصات الفلامنغو أيام الوصل بالأندلس وبين آهات الأمهات في جزيرة غوري التي تحولت لا حقا إلى الجاز لما عبرت الأطلسي .
لنعد من جديد إلى يوميات الحي ففي أيام الزيارات الرسمية وغير الرسمية التي تقوم بها زوجة صديقي صاحب الدكان  إلى لكصر قادمة من ” الخيام ”  يكون صديقي ملزما بتشغيل التلفزيون الوطني للسيدة حرمه وهو ما يصيبنا بالغثيان نتيجة البرامج عديمة المضمون ذات الأخطاء العديدة على مستوى الصوت والصورة والمونتاج والاخراج بالاضافة للمسلسلات المعادة بطريقة تشبه التنويم المغناطيسي لدرجة أن صديقنا الميكانكي لما شاهد مسلسل الزير سالم يعاد للمرة المائة قال بكل عفوية وبمزيج من الحسانية المكسرة والفرنسية  :
(  vraiment زير سالم هازا جننتو تلفزة موريتاني )
معالي الوزير ألا تستحق الميزانيات الكبيرة المخصصة للتلفزيون الوطني تقديم برامج ومسلسلات تراعي ذوق المواطن وتحترم عقله وتهتم بمواضيع الساعة وبقضايا الرأي العام ؟؟؟؟
معالي الوزير من غير المعقول في ظل الثورة الرقمية أن تقدم أي تلفزة برامج رديئة الصورة والصوت  والاضاءة والمونتاج ، – دعك من المحتوى – ؟؟؟
أعتقد أن الحل يكمن في تكوين عمال التلفزة واكتتاب آخرين جدد بالاضافة إلى تغيير جذري في السياسة والاستراتيجيات !
ولنعد قليلا إلى عشيات الحي ففي الأوقات العادية أسهر  مع صديقي صاحب الدكان حتى وقت متأخر  نتحدث عن كل شيء ومما لا أزال أذكر من سمرنا ذاك حديثنا عن مكتبة في مدينته غنية بالمخطوطات النفيسة والنادرة .

معالي الوزير إن فرصنا في الريادة أكبر بكثير في الميدان الثقافي من سائر الميادين وهو ما لن نحققه مادمنا مقصرين في نفض الغبار عن مخطوطاتنا وتحقيقها والتعريف بأعلامنا وفي هذا الصدد يمكننا أن نخصص كل عام للاحتفاء بعلم وطني أوشاعر من شعرائنا لتعريف العالم به ونشر مؤلفاته و دواوينه وإقامة الندوات والمحاضرات حوله وحول إنتاجه الفقهي أو الأدبي وفي نهاية العام يُجمع هذا المجهود  في كتاب يطبع على نفقة وزارة الثقافة ويترجم إلى عدة لغات  ، كما يمكن لوزارتكم بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن تمول كل عام خمسة أطروحات للدكتوراه والماستر  يقوم الباحثون فيها بتحقيق المخطوطات التي لم يتم التطرق لها من قبل  في مجالات الفقه والأدب واللغة .
معالي الوزير أثناء بحثي عن فقرة أختم بها هذا المقال  تذكرت سؤالا طرحه على صديقي صاحب الدكان وأنا بدوري أسألكم نفس السؤال :
متى ستعرف الإذاعة الوطنية أنها ليست تلفزيونا ؟؟؟؟؟

 


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى