آراء وتحليلات

طموحاتي للمأمورية الثانية/ مصطفى سيدات

لقد أثير ، قبل الاستحقاقات الرئاسية وخلال الحملة، الكثير من الرؤى والاقتراحات و حتى الوعود، مما رفع سقف التطلعات والطموحات عند الكثير منا وجاءت تعهدات الرئيس الصريحة علي شكل التزامات قوية بمكافحة الفساد والعناية بالشباب وفتح ورشات اصلاحية، مما ازال كل الشك  بان المأمورية الثانية ستكون لامحالة  مغايرة تماما للأولى نهجا  وتوجها وتسييرا وإدارة واستغلالا للموارد البشرية والمالية،  في جو من الوئام  والوحدة والانسجام مع إشاعة  العدالة في توزيع الثروة الوطنية وإنهاء الغبن والتهميش وكل أساليب الفساد والاستبداد  وضعف التخطيط و سوء التنفيذ والرقابة  والتقييم. 

ولا شك أن من أولوياتنا الراهنة بل و من أكثرها إلحاحا، العمل على ضمان  كل ما من شأنه أن يعزز الأمن والاستقرار ويوحد جبهتنا الداخلية على أساس من التشاور و الانفتاح على مختلف أطياف القوى الوطنية ومكوناتها للمشاركة في تسيير الشأن العام  تعزيزا لوعيها التام وإحساسها بالمخاطر المحدقة بالبلد وبمدى حساسية المرحلة بمختلف جوانبها ، الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية .

وفي نفس السياق ، يتعين أن نعي ضرورة التعجيل  بالعمل على تحديد رؤية متبصرة توافقية لحل كبريات المشاكل الوطنية و صياغة أسس الطموحات التنموية وإعداد مخطط قابل للتنفيذ من حيث الزمن والامكانات ،  مخطط يضع حدا  لأنتشار الفقر والبطالة والهجرة والتفكك الأسري والاضطربات الاجتماعية ويحسن من مستوى معيشة السكان ويحل مشاكل الصحة والتعليم و كل الخدمات الأخرى. 

و من الأولويات كذلك ، البدء بالتركيز على المحاور التالية :

– محور التقطيع الاداري

إعادة النظر في التقطيع الإداري ضمن رؤية تجميعية ذات   مدلول بشري  واقتصادي  وجغرافي أكثر فعالية عوض التشتت القائم حاليا ، وذلك  من خلال تقليص عدد الولايات والمقاطعات والوحدات البلدية،  انطلاقا من التحسن الحاصل على مستوى  الطرق والمواصلات  و من التوزيع البشريي الناتج  عن موجات النزوح المتتالية .

– محور الإدارة المحلية

 إصلاح الإدارة المحلية بجعلها إدارة تنموية تشرف على متابعة وتنفيذ خططها التنموية المحلية، حيث تستنهض المقدرات المحلية وتطورها وتستحدث مجالات تدخل جديدة مكملة ،بالإضافة إلى إدخال التقنيات الجديدة وضمان التأطير والإرشاد الفني والتكوين المهني  وإعادة تفعيل تنظمات المنتجين ودعمها . وفي نفس المنحى، تأتي ضرورة   إعادة تكوين الإداريين وتأهيلهم ضمن أفق  مهامهم الجديدة.

– محور الإدارة المركزية-

إن إصلاح الإدارة المركزية هو الآخر، أمر في غاية الأهمية إذ يتعين إعادة النظر في هيكلة  القطاعات الوزارية وملحقاتها ذات البنيات الضخمة ، من دون وجه تنموي واضح  مما يعوقؤ الاستخدام الأمثل للمصادر البشرية في تنوعها   وتناغمها المهني مع المهام الموكلة إليها مع  ضرورة إعادة تأهيلها  المستمر وترقيتها وتحسين فعالية خدماتها عبرالرقابة الحازمة والتقييم الدائم لاعمالها .ومن الملح  أن تعمل الطواقم الوزارية بروح مؤسسية وبكل شفافية ، على أساس تحكمه القوانين والمعايير المنظمة لها مع العمل على تحديثها  باستمرار ، بعيدا ، كل البعد ، عن الارتجال والاستبداد والطرق الملتوية .

– محور المشهد السياسي

 إن تنقية المشهد السياسي أمر ضروري يتعين ، بموجبه  إعادة النظر في القوانين المنظمة  للأحزاب  السياسية والنقابات المهنية  لفرض صيغة أكثر شمولية في الأهداف والتوجهات ووضع شروط تشجع  التجميع وتحد من التشتيت والشخصنة والشرائحية وتؤسس لبرامج وطنية حقيقية ذات دلالة اقتصادية واجتماعية وثقافية.

– محور القضاء 

ان اصلاح القضاء و  الحفاظ علي استقلاليته وتحسين أدائه ضروري  هو الآخر ، بل ملح ويتطلب  الإسراع بتكوين العاملين فيه ورقابة سلوكهم المهني وإحاطتهم بالعناية المادية والمعنوية  الكافيه لتأدية واجبهم بكل اعتدال.

– محور البرلمان

إن البرلمان ، بالعودة  إلي غرفتيه ، يحتاج إلي تطوير أدائه برفع مستوى البرلمانيين العلمي والمهني  والحرص علي استقلالهم  التام وتجردهم  من الذاتية والتبعية الحزبية المبتذلة  التي تخلق أنماطا من عدم الوعي بالمصلحة الوطنية  وتُفقد البرلماني الفعالية  في رقابة  عمل الحكومة وتوجيهه. 

– محور الاعلام

ضمان حرية الصحافة و فتح وسائل الإعلام أمام قادة الرأي وكل القوى السياسية وتعزيز تعددية الرأي وضمان الولوج للمعلومة وتشجيع الصحافة الاستقصائية ووضع حد لعدم المهنية والابتذال واشاعة الكذب والاخبار المضللة.

 – محور مكافحة الفساد

 لتفعيل مكافحة الفساد لا بد من ضبط التنسيق بين هيأت الرقابة  والتفتيش الرسمية بينها ،  ومع منظمات المجتمع المدني ، لتفعيل ادوارهم في محاربة الفساد والرشوة.

– يتم  تحديث دور الرقابة الداخلية وتفعيله ، انطلاقا من نظم ومصاطير ومعايير ومقاييس محددة سلفا  ، طبقا للقوانين ولمتطلبات الشفافية في التسيير ، وتوزيع العمل وتحديد اوقات التدخل للتفتيش والرقابة بين المفتشية العامة ومحكمة الحسابات لتغطية كل البنية الإدارية  والمؤسسيات العمومية خلال السنة  مع الحفاظ علي المقدرة علي التدخل السريع في الحالات المستعجلة.

– التنسيق بين الهيأت الرسمية وتبادل للمعلومات بينها من جهة ،  ومع منظمات المجتمع المدني المتخصصة من جهة اخري ، في اطار منسقية مستقلة وكاملة الصلاحيات يمثل فيها الجميع  الدني. 

– تصريح  كل المسؤولين بممتلكاتهم عند استلام المهام وبعد الانتهاء منها ووضع أليية للتحقق من صدق التصريح . ويجب أن يشمل التصريح  كل ممتلكات أفراد الأسرة ،  لسد باب  التحايل والتضليل . 

– سد باب تضارب المصالح امر صعب للغاية لازدواجية امتهان الوظيفة والاعمال الحرة وإنشاء الشرائك الوهمية وضعف الرقابة والضواط القانونية ،وغياب الصرامة الرادعة .

– الرقابة المسبقة امر ضروري ووقائ ويمكن الحصول عليها إذا سنت لها مصاطير اجرائية ،  و وضعت لها الآليات الضرورية المبسطة وفعلت شرطة الجرائم الاقتصادية وفعلت محكمة مكافحة الفساد وضمنت استقلاليتها وتم تكوين افرادها .

– سن قوانين رادعة والعمل بها بصرامة والتكفل القانوني بحماية المبلغين ومكافأتهم.

– الكف عن تدوير المفسدين والتستر عليهم وحمايتم باغراض اجتماعية أو سياسية أو لدوافع اخري .

-محور العناية بالشباب

إن أكبر المشاكل التي يواجهها الشباب في مسيرته إلى البلوغ والرشد هي بالأساس تردي التعليم و عدم التشغيل والتأهيل المهني وغياب التأطير الأخلاقي والاجتماعي والديني والثقافي والرياضي. 

حقا، لقد فقد الشباب الأمل في إصلاح التعليم وتوفير فرص للعمل و توجه بكثرة للهجرة إلى الخارج. 
لكسر هذا التوجه المتزايد يوما بعد يوم فلابد من تسريع الحلول الناجعة، ومن بينها إصلاح التعليم، واستحداث سياسة جديدة للتشغيل وسن تعويض للعاطلين عن العمل يمكنهم من عيش كريم في انتظار إيجاد فرص للتشغيل، كما يجب وضع خطة لاعادة التأهيل الفني والتقني والمهني للملاءمة مع متطلبات فرص العمل.ان من الآليات التي لاغنن عنها إنشاء هيئة للعناية بالترقية الشباب للسهر علي متطلبات تكوينه وتاطيره وتشغيله .

إن هجرة الشباب واليد العاملة بمثابة شن حرب شاملة على الوطن وتخريب لمصادره البشرية المحدودة في الأصل بسبب قلة سكانه، فالوطن لا يحتمل هذا النزيف القاتل،  ولابد من التسريع بإيجاد حلول مرضية لمن هاجر ليعود للوطن و لمن يتحضر للهجرة حتى يتراجع عنها.ان ضمان العمل وزيادة الأجور لتتناسب مع غلاء المعيشة سيكون محفزا لتاني الشباب والرجوع من الهجرة الي الوطن .

– محاور الاقتصاد

 إن القطاع الاقتصادي الموريتاني  يعتمد أساسا على الزراعة وتربية المواشي والصيد والمعادن  والطاقة.

– محور الزراعة

 تمتهن الزراعة في حوض نهر السينغال وفي الأماكن الرطبة والواحات والاودية ويتأثر إنتاجها بالتغيرات المناخية والبئية المضطربة وتزايد الجفاف والتصحر وهجرة اليد العاملة وتدني الخبرة الفنية وأساليب الإنتاج وعدم إدخال الآليات الحديثة والمكننة وتقنيات الإنتاج المتطورة وغياب المؤسسات المالية الداعمة والمصانع التحويلية . وعلى الرغم كل هذا، ما زالت الزراعة تستقطب كثيرا من المواطنين يعتمدون عليها في معاشهم، وتوفر قدرا لاباس به من الاكتفاء الذاتي وتساهم في الأمن الغذائي و الاستقرار في القرى الداخلية.
إن العناية  بتحسين وتعزيز البنية التحتية من سدود ومشاريع استصلاحية وتوفير مياه للري أمر ضروري لدعم النشاطات الزراعية،بالإضافة إلي مكافحة التصحر وآثار التغيرات المناخية .

إن ضفة النهر يمكن أن تستقطب مزيدا  من السكان وتوفر لهم عيشا كريما ، إذا ما استُغلت مقدراتها بطريقة أمثل ، بدعم القرى الموجودة وإنشاء قرى جديدة تتوفر فيها كل مقومات الحياة وتعتمد على الحراثة بكل أصنافها وعلى تربية الحيوانات والصناعات التحويلية .كما يمكن إدخال زراعة الأشجار المثمرة والخضروات وعينات من النباتات العشبية للحيوان على طول ضفاف النهر و المحيط عن طريق تحلية مياه الأبحر وإدخال أساليب الري الحديثة.

– محور تربية الحيوانات 

إن تطوير تربية الحيونات تتطلب استصلاح المناطق الصحراوية من الوطن مثل ءاوكار وأدافر وتريس وضفتي النهر والمحيط بالإضافة إلى الأماكن الرطبة والواحات، وبتحديث أساليب التربية وإدخال أنواع من السلالات الحيوانية ذات المردودية الإنتاجية الأكثر من اللحوم والألبان  وتطوير المزارع المروية لتفادي النقص المنجر عن قلة الأمطار ، وإدخال الصناعات التحويلية ومصانع علف الحيوان وتوفير الأدوية وتكثيف التكوين التقني والإرشاد الفني وتوفير الدعم المالي. وفي نفس المنحى من الضروري إنشاء قرى متكاملة الخدامات لصالح المنمين  بالمناطق المستهدفة .

محور الصيد 

ان الاستفادة من الصيد البحري  ما زالت دون المستوى لعدم توجه المواطنين إلى التقليدي منه وعدم إلزام المستثمرين في الصيد الصناعي ببناء مصانع تحويلة على الأرض المورياتنية لخلق مزيد من فرص العمل للمواطنين . فالاستغلال الأمثل لثروتنا السمكية يتطلب وضع خطة متكاملة لدعم القرى الموجودة حاليا و لإنشاء عدة قرى جديدة متكاملة الخدمات على طول الشاطئ وفتح مراكز لتكوين جيل جديد من الصيادين مدعوم بالآليات والقروض وفتح مراكز مجهزة  للتسويق .

– محور المعادن والصناعة

 في مجال المعدان ينبغي دعم سياسة الاستخراج الحالية  بتوجُّه قويٍ نحو التصنيع والتحويل الإلزاميين على المستثمرين،  لضمان مزيد من فرص العمل و خلق قيمة مضافة وإنشاء قرى صناعية ومراكز للتكوين .

– محور الطاقة

 إن مُدخلات البرول والغاز يجب أن توجه اغلبيتها إلى تمويل البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية والتعليم والصحة لدفع وتيرة النمو وتحسين الظروف المعيشة للمواطنين. أن اسعار الكهرباء والبنزين عائق كبير للتنمية لشدة ارتفاع أسعارها  ومن الضروري العمل علي خفضها  وااسعي كذلك الي استفادة اكبر من الطاقة المتجددة.

– محور المؤسسات المالية

 إن إصلاح القطاع المصرفي والهيئات المالية الاخري وتحسين تسييرهم وخفض الفائدة علي القروض وتبسيط إجراءات المنح أمر ضروري لجعله في مستوى متطلبات المرحلة .

– إن أربع  أولويات  أخرى تحتاج إلى فتح ورشات تفكيرية  حولها ، ألا وهي :  الوحدة الوطنية ،الهجرة، البطالة والفقر .
– يتعين  فتح تشاور حول هذه الطموحات  وإعداد خطة توافقية معمقة والبحث  عن الوطنيين المخلصين لحملها وتنفيذها مع تعبئة المصادر المالية  اللازمة لها .

– والله ولي التوفيق


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى