آراء وتحليلات

“لَيْدْ الملسه” أو القوة الناعمة / الشيخ ولد المامي

يكاد يجمع المتابعون للشأن الموريتاني-من غير المغرضين- على ذلك التطور الحاصل في الديبلوماسية الموريتانية، منذ بداية حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، والذي بلغ ذروته منذ إمساك الدكتور محمد سالم ولد مرزوك حقيبة الخارجية.

فليس من المألوف أن يسافر اثنان من أبرز قادة الاتحاد الأروبي، على متن نفس الطائرة إلى بلد إفريقي غير منكوب -بفضل الله- من أجل توقيع جملة من الاتفاقيات، ومنح أكثر من نصف مليار يورو على شكل تبرعات.

ذلكم هو مايصر الدكتور مرزوك على تسميته نجاح فخامة الرئيس غزواني، في كسب ثقة الأوروبيين، وبناء الشراكة الاستراتيجية معهم؛ ويصر الرئيس غزواني على تسميته نجاح موريتانيا في كسب ثقة الشركاء؛ وأصر أنا -وأعوذ بالله من كلمة أنا- على تسميته نجاح الدكتور مرزوك في إدارة الملفات الموكولة له، ونجاح الرئيس غزواني في اختيار الرجل الأنسب لإدارة مختلف الملفات.

طبيعي أن يدحرج الرئيس غزواني-لفرط تواضعه- هذا النجاح الباهر عن نفسه؛ فأذكر أنه في إعلان ترشحه، رسخ في الذهنية الجمعية -على غير عادة أسلافه- أن ماوصلت لة الدولة، وما يسعى هو لتحقيقه، ليس حكرا على فرد من حكامها، بل جاء نتيجة تراكمات ساهم الكل في بناءها وفق اجتهاده.

كما لا أستغرب إنكار الدكتور مرزوك لذاته، حين يتعلق الأمر بمكاسب تتحقق، فمن سِلو الرجل أن ينسب كل منجز للرئيس غزواني، لأنه هو من يضع الخطوط العريضة لعمل الحكومة، والكل يسير ملفه وفق توجيهاته، بحسب مرزوك.

أما أنا كمراقب حر؛ فقد منحتني الحرية أن أنسب النجاحات والإخفاقات أيضا للشخص المباشر لها، دون أن أغمط المسؤول غير المباشر حقه في حسن أو سوء الإختيار.

اعتمد الرئيس غزواني منذ إمساكه سدة الحكم سياسة “ليد الملسه” فجمع الفرقاء السياسيين على طاولة واحدة، بعد فرقة دهر، ووجد النائب بيرام صاحبه، ودافع جميل وغلام عن النظام، وخفتت أصوات أحزاب المعارضة التقليدية، وكثرت الانسحابات من حزب الجماعة، ودخل الكل في دين الرئيس أفواجا؛ حتى قلنا أين المعارضة..؟ وللتذكير فإن الدكتور مرزوك حينها كان هو من يمسك الملف السياسي بصفته وزيرا للداخلية.

قضى ولد مرزوك أيامها على فتنة اركيز بحزم الدولة وميزان القانون، والعجيب أن تلك الأزمة مرت دون استغلال من طرف حقوقيي الجيوب، عكس ما حدث في أوقات أخرى.

استوحى ولد مرزوك من الرئيس غزواني سياسة “ليد الملسه” وعمل وفق التوجيهات، فخرج من الداخلية معتليا سُلم وزارات السيادة، وميمما وجهه شطر الخارجية.

بعد فترة من مكث الرجل في الخارجية، صرح بوريطة -قبل أسابيع- أن موريتانيا هي الشريك الأول للمغرب، وصرح بلينكن، أن موريتانيا هي أهم شريك للولايات المتحدة في الساحل، وجاءت مواقف الأروبيين تباعا، حتى توجت أمس بزيارة رئيسة المفوضية الأوروبية، ورفيقها رئيس الوزراء الإسباني، حاملين في جعبتيهما حزمة مساعدات غير مسبوقة للبلاد؛ وقبل إقلاع طائرتهما من المطار، وطئت قدما وزير الخارجية الجزائري أديم موريتانيا، حاملا معه عروضا لتطوير الشراكة بين بلاده ونواكشوط.

وعلى المستوى الإفريقي، لم يكن الدور الموريتاني أقل من نظيره على المستوى الغربي، فقد أعادت موريتانيا غينيا لحاضنة منظمة استثمار نهر السنغال، واختممت قبل أيام أعمال اللجنة التشاركية الموريتانية السنغالية.

وعلى مستوى القطب العربي والإسلامي، أعيدت العلاقات مع قطر في ظل تطور ممتاز للعلاقات مع الإمارات والسعودية، وترأست موريتانيا قمة منظمة التعاون الإسلامي بالسعودية، وأعلنت موقفا مشرفا وغير مسبوق مما يجري في فلسطين، كما شهدت العلاقات مع إيران وسوريا ونمور الشرق تطورات ملحوظة.

إن أهم مقومات القوة الناعمة هي الديبلوماسية المرنة، وقوة بلادنا في الفترة الأخيرة اعتمدت السلاح الناعم، وقد نجح الرئيس غزواني في سياسة “ليد الملسه” كما نجح رجل دولته البارز محمد سالم ولد مرزوك في تجسيد إرادته.

صرح مندوب السنغال، في منظمة استثمار نهر السنغال، قبل فترة، في تسجيل مصور، أن النجاح الذي حققه الدكتور مرزوك، خلال إدارته لمنظمة، يستوجب أن يقسم دهرها إلى دهرين؛ ماقبل مرزوك، ومابعد مرزوك؛ وأعتقد جازما أن وزارة الخارجية الموريتانية هي الأخرى، يجب أن تعامل بنفس المعيار، إن كانت لدينا أي ذرة من إنصاف.

*كاتب صحفي


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى