الأدب الحساني

“لغن”ومدارسه الأدبية/ الداه ولد شيخاتي

مقدمة:
في هذه العجالة نود أن نُسلط الضوء على مصطلح كثيرا مانسمعه يُتداول في الأوساط الأدبية فيقولون “فلان” ينتمي لتلك المدرسة ويطلقون على بعض الأسر مدرسة “الأسرة الفُلانية”
وانطلاقا من ذلك نقول إن المدرسة حسب كتب الأدب “عبارة أطلقها الغربيون على المذاهب”ومعروف أن المذاهب جمع مذهب وهو مجموعة من الأفكار يستحيل طابعا(وجهات نظر..)يسود الأدب والفن في زمن من الأزمان وبلد من البلدان ويكون لهذا الطابع أعلام يمثلونه أو يوطّدونه وصفات يمكن تحديدها وتعدادها تتكرر وكأنها القواعد والقوانين” (على جواد طاهر الخلاصة في مذاهب الأدب العربي ص9)
وبما أن حديثنا عن “لغن” ومدارسه لن نذهب بكم إلى ما سطر عن المدارس الأدبية (العربية والغربية) ولن يكون أكاديميا بقدر ما هُو قرع في جدار أدب منسي من طرف النخبة ومتجاهل من قبل الدولة قد عبثت به يد النسيان وحاول شانئوه وصفه بالشعبوية..لكي يظل رهين المحبسين.
توطئة:
لقد حاول بعض دارسي لغن أن يجعل من اللغة عاملا للتفرقة بين المدارس الأدبية الحسانية بينما حاول البعض الآخر أن يجعل من كل أسرة عرفت “بگولان لغن” وتميز بعض أفرادها به مدرسة وهناك من حاول أن يجعل من “البت” والغرض مميزا هو الآخر .
متجاهلين الأسلوب وعاملَي الزمان والمكان
وهذا من العبث المضحك الذي لايصمد أمام البحث العلمي،
فالفوارق اللغوية قد تميز بين الجهات وتحدد نسبة نص لزيد دون عمر لكن لادخل لها في التمييز بين المدارس إلا من خلال استخدام بعض المفردات القديمة فذلك في النفس منه شيء.
أما الأسر فتعاطيهم مع لغن قد يشكل ملمحا من ملامح الاهتمام بلغن عن غيرهم وقد يحصلون من خلاله على مكانة أدبية لتسلسل الإبداع في ذراريهم أما غير ذلك فلا، مع أنه لا مانع من كون بعض أفراد تلك الأسر قد يشكل مدرسة ويكون الباقي تبعا له.
أما البت فهو قالب لادخل له في هذا الصراع ومثله الغرض وإن اهتمّ بعض المدارس بغرض دون غرض.
ومن خلال ماسبق يمكن أن نضع بعض الأسئلة الجوهرية في هذا الصدد فهل هناك مدارس أدبية حسانية ؟ وإن كانت فماهي ؟وماهي مميزات تلك المدارس ؟ ومنهم روادها ؟
المدارس الأدبية الحسانية:
لقد حاولنا من خلال قرائتنا للمدونة الشعرية الحسانية -قديما وحديثا- أو على الأقل ما اطلعنا عليه منها أن نرسم ملامح تلك المدارس من حيث الأسلوب وبعض المواضيع وحضور بعض العادات..
مستبعدين بعض التقسيمات التي قد لاتكون مقنعة إلى حد ما كالمدرسة البديعية والمدرسة الصوفية ومدرسة الغموض والمدرسة الأخلاقية..
وقد لحظنا أن لغن مر بمرحلتين متقاربتين من حيث الزمن ومتباينتين من حيث الأهداف والغايات وعلى ذلك الأساس يمكن أن نصنف لغن على أنه مدرستان مدرسة تقليدية وأخرى تجديدية.
أ-المدرسة التقليدية وقد بدأت مع جيل الرواد 1730م -1900م) محمد عبد الله الظباح اعل انبيط ول حيبلَّ ونفرو ول آوليل وسدوم ول انجرتو واعل ول مانو ..
وقد ظهر في هذه المدرسة أربع اتجاهات

1-الاتجاه الملحمي :(1748-1840م تقريبا)الذي مثله اتهيدين وكان من رواده أساسا الأسر الفنية ويمتاز هذا الاتجاه بتسجيل البطولات والانتصارات وغالبا ما تكون اللغة فخمة ولبتوتة اكبار وقد عاش هذا الاتجاه في كنف بعض الإمارات الحسانية والصنهاحية (اولاد امبارك – اولاد عبدالل – تروز – دوعيش …) وكان من رواده سدوم ول انجرتو وولاد مانو واعل انبيط ول حيبلل وغيرهم.

2- الاتجاه القبلي : (بعد سقوط اولاد امبارك تقريبا -حرب مدلل-)الذي كان يلعب دورا بارزا في الذب عن القبيلة وتسجيل مفاخرها ومدح زعمائها وهذا الاتجاه غالبا ما يتحفظ على نصوصه وحتى على أسماء رواده نظرا لتلك الحساسيات ومع ذلك فقد سجل لنا بعض تلك الحروب والمعارك القبلية..

3-الاتجاه التكسبي: وهذا ربما هو امتداد للاتجاه الأول وهذا الاتجاه من رواده من هو عفيف اللسان يمدح لكن لايذم (مايشمت) ومنه من يمدح ويذم (يشمت) وقد أثرى هذا الاتجاه الساحة الأدبية وعرف بوفرة النصوص وتنوعها ومن رواد هذا الاتجاه ول المبارك ول اليمين وول جد أمو وول محمد خوي ولار باسْ ول اللي ومجموعة لحركات (سيديا وأمحمد ابناء هدار والموزعية )وغيرهم.

4-اتجاه اتبيظين :ربما بدأ مع الكفية 1840تقرببا )وهذا الاتجاه يتمثل في “اغن اتبيظين” (الغزل ، النسيب ، البكاء )وبدأ مع ظهور النسيب والبكاء على الاطلال وحتى لگطعات ومن رواده الكفية ول بوسيف وول آدبه وول احمد يورة وأربان وول أحمد مرحب وابراهيم ول ابراهيم وول تارمبَ وغيرهم.
(وهذا الاتجاه هو المسيطر على الساحة الأدبية منذ نشأته وحتى اليوم )

وتتميز المدرسة التقليدية عموما من حيث الأغراض ب:
– اتهيدين
ومن حيث التصرف في القافية ب
– اللحن
ومن حيث لبتوتة بظهور
-الرسم
-اسروزي
ومن حيث اللغة ب:
1-السلاسة
2-ضخامة الألفاظ والتعابير
3-حسن العبارة
من حيث الأسلوب ب:
1- الريشة البدوية
2- دقة الوصف
3- عدم التكلف
4- الاعتماد على المضمون وعدم التركيز على المحسنات البديعية
5- الرصانة

ب- المدرسة التجديدية :وقدتميزت بطرق أغراض جديدة بدأت مع “اطلوع المستعمر” (1908م )وكان من روادها ول عبدوكا وول قطرب والمختار ول حامد وغيرهم.
وقد ظهر في هذه المدرسة ثلاث اتجاهات:

1-الاتجاه الوطني (المقاومة الثقافية) بعد نهاية الحرب العالمية الأولى تقريبا 1920م : وهذا الاتجاه تمسك بالشكل القديم للطلعة والگاف مع تجديد في المضامين كنبذ المستعمر والحض عليه والتوحيد والجهاد وقد مثل هذا الاتجاه جل امغنين ذلك العصر وعلى رأسهم ول قطرب ووجاهة وكذلك الشيخ سعد بوه وول حامد وغيرهم.

2- الاتجاه السياسي :وهذا الاتجاه بدأ مع انتخاب وي أنون(الحركة الوطنية للاستقلال) تقريبا(1944م) وقد تميز هذا الاتجاه بالنضال السياسي من أجل الاستقلال ورفض المستعمر مع تمسكهم بالشكل القديم المتعارف عليه “للغن” وكان من رواد هذا الاتجاه ول محمد آسكر وول كركوب وول ببوط..وغيرهم
وقد ازدهر هذا الاتجاه مع ظهور الكادحين (1973م تقريبا) ومع تلك الأناشيد وحتى بعض الأشوار وكانوا يأخذون نصا قديما ويبدلون بعض الفاظه ليتماشى مع نضالهم وقد حافظوا على الشكل مع تجديدهم في المضامين والأساليب ثم تطور هذا الاتجاه ليخرج على النسق التقليدي مع حسني ول شاش وعلى خطى ول شاش جاءت بعض خرجات ول الوالد والذي التزم بالنسق التقليدي ولكنه خرج عليه بتكرار بعض التيفلواتن.

3-مدرسة الحداثة : التي تمثلت في ظهور التفيتيت سنة 1990 ليخرج كلية عن نمط الكاف و الطلعه و حتى الالتزام ب بت معين و ليطرق أغراض جديدة سياسية و اجتماعية بأسلوب كاركاتيري ساخر..وكان رائدها بودرباله اباه كما أنه ابتكر نمطا جديدا يحاكي فيه شعر التفعيلة سماه : تفعيلت لغن و هو مخالف لنمط التفيتيت و لأسلوبه .. فإذا كان التفيتيت يهتم بالأغراض السياسية و الإجتماعية بأسلوب ساخر ( كوميدي ) فإن ” اغن التفعيلة ” يطرق أغراضا أكثر عمقا مثل : مخلفات الرق و السلم الاجتماعي و تربية البنات …بأسلوب جاد يوظف الأسطورة و التراث الحساني ( تراجيدي ) ..
كما ظهرت بعض المحاولات مع جيل الشباب وقبل ذلك لاننسى أسلوب ول باگاه في بداية بداية التسعينات والاهتمام بالشكل وكثرة الافلاقات عند الطيب ول ديدي وعبد الله السالم ول المعلى.
وهذه المحاولات هي :
-“إتوتي”وكان رائده احمد سالم يونس وإن كان يوسف نجاح يعتبروه ظهر مطلع السبعينات مع كوكبة من لمغنيين.
– و”شصكور” الذي استحدثه بعض الشباب مثل التاه ول ابت وشريف ول السيد .. وإن كان البعض يعتبره مجرد تضمين نص من لغن.
-و”الترواق” الذي كان رائده أحمدو ول يوسف وهو أيضا يعتبر مجرد تضمين تبريعة في نص من لغن.
-كما ظهر أيضا نمطا آخر خرج على نمط الطلعة المعروف يحاكي شكل القصيدة العربية.

وتتميز المدرسة التجديدية من حيث الأغراض ب:
1- “لغنَ” السياسي
2- التوجيه الاجتماعي
من حيث اللغة ب
1-حضور اللغة الفرنسية والولفية ..
2-بساطة اللغة
3-حضور المصطلحات العلمية
من حيث الأسلوب ب:
1- ظهور المحسنات البديعية
2- الاهتمام بالشكل
3-صدق العاطفة
4-الواقعية في المضمون
5- الصور المستحدثة

ومما سبق نستنتج :
1-أن هناك مدرستان قديمة وهي المسيطرة على الساحة الأدبية وتجديدية ولها حضور بارز وخاصة في الآونة الأخيرة وما سوى ذلك من المدارس مجرد هذيان وتكلف بارد.

2-أن المدرسة الواحد قد يكون فيها اكثر من اتجاه نظرا للحاجة لتقلب الزمان والمكان.

3- أن التأريخ لهذه الاتجاهات وحتى المدارس مجرد تخمين وقد استنتجناه من بعض المعطيات وحوادث مشهور ومؤثرة في صيرورة لغن التاريخية كنبوغ سدوم ول انجرتو وظهور اتهيدين وسقوط إمارة اولاد امبارك ودخول الاستعمار والحركة الوطنية للاستقلال وظهور الكادحين.

4- أن هذه المدارس تحتاج إلى نقاد وكتاب يدافع كل منهم عن مدرسته ويكون هناك صراع يحيي الساحة الثقافية ويمدها بدراسات قيمة يحتاج إليها “لغن” في هذه الفترة.

بقلم: الداه شيخاتي محمد رارة


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى