للإصلاح كلمة: تعليق على مرور أول جمعة على “طوفان الأقصى” / محمدو بن البار
وأبدا أول هذا الحديث بتقديم شكاية المسلمين إلى الله ورسوله من مسلمين عرب سموا أنفسهم في هذا التاريخ الأخير بجامعة الدول العربية.
فمن المعلوم أن هذا الوصف والاسم هما اللذان اختارهما الله لأن يكونا خليفته الأخير في الأرض. فصفة الإسلام واختيار القومية العربية لحمل وتبليغ رسالة الله الأخيرة لكل البشر هو اختيار من حكيم حميد، لأنه اختيار ممن خلق الأرض في يومين، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها، يقول تعالى مخاطبا رسوله مذكرا له ولقومه بخصوصية اختيارهم لحمل آخر رسالة يحمل رسوله بإيصالها إلى الأرض: {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون}.
ومعلوم أن بداية هذه الرسالة تحت قيادته صلى الله عليه وسلم وقع فيها كثير من معارك الجهاد لتبليغ الرسالة بين أهل الحق والباطل، وتارة تكون بين الحق الذي لا يملك إلا شدة الإيمان والتمسك بإيصال رسالته، والباطل الذي يملك كل شيء.
ولم يتوف النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن رأى كثيرا من الناس يدخلون في دين الله أفواجا، ولم يقم بالمعارك الجهادية إلا المسلمين العرب تحت قيادة النبي العربي الذي يأمره ربه بأن يقول إن محياه ومماته لله وأنه هو أول المسلمين.
وكل ما ورد في القران من الإشادة بأنواع الشجاعة في المعارك والاستشهاد فيها والكرم والإخاء والإباء، وكل وصف وارد في اللغة العربية يشتمل على مدح فهو في ذلك الوقت لا يعني على العموم إلا الرجال العرب المسلمين آنذاك.
يقول تعالى في شجاعتهم، {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالو حسبنا الله ونعم الوكيل}، وفى الوفاء بالصدق بعهد الله يقول تعالى {رجال صدقو ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}، وفى خصوصية كرمهم يقول تعالى {ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}، وفى خصوص تضامنهم فيما بينهم ضد أعدائهم {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}، إلى آخر الآية.
فعلينا نحن العرب المسلمون الآن أن نرفع إلى الله شكوانا من أشباه رجال حاكمين شعوبهم وقد انتحلوا تعديا اسم العرب وصفة المسلم، وفى نفس الوقت تلبسوا بما يشبه الغطاء المصنوع كله لإذلال هذه الأمة وهوانها بين الناس، وهي أمة جمع الله فيها أصلا من النخوة وإباء الضيم ما جعلها الله به خير أمة أخرجت للناس بوصفيها بدلا من أن يراها العالم الآن أجبن أمة وأكثرها هوانا على البشرية، لإخلادهم إلى متاع الدنيا وانسلاخهم من الكرامة، يكرهون الموت كما يحبون الحياة، فلولا أن الله رفع غضب الدنيا على الإنسان إكراما لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم لرأى العالم في شأنهم هذه الأيام ما وقع لأمثالهم في الأمم الأخرى، فهم يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم.
فالعالم الآن مع الأسف في جميع دوله يسخر من كل عربي مسلم، نتبجة موقف هؤلاء الذين دفنوا عقولهم في صحراء الجبن والذل والعار التي لا حياة للكريم معها، لتعم تلك الأوصاف كل الشعوب العربية المسلمة.
وهذه الشعوب لولا القفص الحديدي الذي يضعها فيه هؤلاء الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، لأرونا من بطولاتهم وعروبتهم وإسلامهم ما تقر به العين.
فقد رأينا بأعيننا منهم الصورة التي وصف الله أهلها غير المسلمين في القرآن، {لئن أخرجتم لنخرجن معكم}، إلى قوله تعالى {وإن قوتلتم لننصرنكم} إلى آخر الآية.
وبما أنني ذكرت جميع الدول العربية دون استثناء، والله قد استثنى بلفظ جمع القلة الخيرين المصطفين من عباده، يقول تعالى {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم}، ويقول {وقليل من عبادي الشكور}، فقد أوجب علي الواقع أن أستثني من هذه الأوصاف دولة قطر وحدها، فهي قمر في سماء مظلم بلا نجوم.
وهنا أريد أن ألفت نظر هؤلاء القادة، إلى أن هذه الأوصاف التي كأنهم اختاروها في اقتراح واحد مع اسمهم الجامعة العربية، والحق ان اسمهم الجامعة التي جعلوا وصفها لا يرضاه الله لعباده العرب المسلمين، فإني أذكرهم أن العرب لا تنسى أسماء من باع عزها ومجدها، فأبو رغال العربي الذي قاد جيش أبرهة الحبشي لهدم الكعبة الشريفة قرر العرب أن كل من وصل إلى البلوغ منهم يذهب إلى قبر أبي رغال لرجمه بالحجارة، فهل لا يخاف آباء رغال الحاليين أن تقترح الشعوب شكلا من تصوير هذا الخذلان لإبطال غزة العرب المسلمين وتتركه إرثا خالدا لأسلاف الجميع.
والآن، أضع النفاط على الحروف فيما خص الله به هذه الجامعة العربية من ابتذال كل القيم عندها حتى كأنها هي التي يعنيها المناطقة في تعريفهم للإنسان بأنه “حيوان ناطق”، فانظر الى السودان لماذا يتقاتل جيشه فيما بينه ليهلك بذلك الحرث والنسل، ويهلك ما هلك وما شرد من شعبه.
وانظر إلى الجزائر والمغرب، وعددهم 90 مليونا، وهم ذكرية بعضها من بعض، ورجلان فقط منهما يغلقان الحدود بين هذه الملايين لأسباب لا يعرفها إلا شيطان التفرقة، والله تعالى يقول للمسلمين {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم}.
ذلك الخلاف الوهمي الشيطاني الذي جعل المغرب يتحالف مع شياطين اليهود لتهديد الجزائر له وشعب المغرب يبتلع قصة المرارة لهذ التطبيع المشين الذي سوف يرث الأحفاد لباس ثوبه الأسو.
وانظر إلى دولتين أخرى من المغرب العربي، فترى ظلام الجامعة العربية يلفهما لفا.
أما إذا توجهنا إلى الشرق، فلسان حال دوله يقول: لليهود لو جعلكم الله علماء مسلمين لأبدناكم عن آخركم.
بهذه المسطرة الجاهزة اتهام كل من أسلم وجهه لله وحده وهو محسن بالتآمر على أمن الدولة، فأمن يعتقل ويجبر على إكراه الإقرار، قضاة يحكمون بالإعدام، وسلطة تنفيذية تنفذ.
وبما أن حركة حماس مسلمة من ذلك الشكل، فهي طبعا جار قريب، ولكننا نحن نخاف من قوة لها بطش عادة بنا عجيب. {ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين}.
فمن أراد أن يرى احتقار قادة هذه الدول لشعوبها، فلينظر إلى شدة تصفيقهم للقائد قبل أن ينتهي من كل كلمة ولو ردد فيها عزمه على هذه المواقف التي هي خذلان لأمته.
والآن، أرجو من كل سليمي العقول في كل هذه الدول أن يكتبوا أسماء هؤلاء القادة الحاضرين لأشنع أنواع الذل والعار في تاريخ البشرية، وإخوانهم وجيرانهم يقتلون أمامهم صبرا من خلال حرمانهم من الأكل والشرب حتى الموت.
فليكتب أصحاب العقول ما يفترض أن يصله عمر هذا القائد، وبعده سيقدم حيا على الله بعد الموتة الأولى ليسأله عن تفاصيل حياته، وأطولهم عمرا سوف يموت قبل الربع الأخير من هذا القرن، وجميع متاعه في الدنيا لا يتجاوز دقائق لبطنه وفرجه، فبطنه واحد وفرجه كذلك لا عمل دائم لهما.
إذاً، فعليه أن يسمع الآن قول الشاعر العربي:
وإنما المرء حديث بعده *** فكن حديثا حسنا لمن وعي
ولم يبق الآن إلا انتظارنا الإجابة الله لشكوانا، ونرجو منه أن يكون ذلك ببعث من الله للاباء والعزة والكرامة في أعضاء الجامعة العربية، فيصبح قادتها كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم به الأنصار، يقلون عند الطمع، ويكثرون عند الفزع، حتى نرى الله أورثهم ديار اليهود وأموالهم يقتلون ويأسرون، وحتى يذهب بذلك غيظ قلوب المؤمنين، وما ذلك على الله بعزيز.