الأخبار

عالم جليل يتحدث عن تفسير الحور بالعنب

 

غوص ـ تفسير الحور بالعنب من الفحش البذيء ـ
رأيت في الأيام الماضية جسارة على القرآن من غير أهله وافتئاتا على الشرع من غير المتخصصين فيه وتنكبا لعلم اللغة العربية عند محاولة تفسير القرآن، وقد أشار إلي أحد الإخوة بغية الرد على تلك الترهات، فأقول باختصار:
1ـ إن من يسمون بالقرآنيين ـ زورا ـ قديمون جدا واسمهم الحقيقي والقرآني “الزائغون” أخذا من قوله تعالى “فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله”.
2ـ إن ميزة هؤلاء تكمن في اتباع متشابه القرآن ومجمله وطرح السنة جانبا وهذا رأي قوم لا خلاق لهم على حد تعبير الشاطبي حيث يقول:
(الاقتصارعلى الكتاب رأي قوم لا خلاق لهم، خارجين عن السنة؛ إذ عولوا على ما بنيت عليه من أن الكتاب فيه بيان كل شئ، فاطرحوا أحكام السنة فأداهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله).
3ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بمنهج هؤلاء حيث جاء في الحديث أنه قال:”يوشك رجل منكم متكئا على أريكته يحدث بحديث عني فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله؛ فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل الذي حرم الله”
وفي مسند أحمد أن النبي,صلى الله عليه وسلم قال:
“إن أخوف ما أخاف على أمتي اثنتان: القرآن، واللبن، فأما القرآن؛ فيتعلمه المنافقون ليجادلوا به المؤمنين، وأما اللبن؛ فيتبعون الريف، يتبعون الشهوات ويتركون الصلوات”.
وهذه الأحاديث وإن كان فيها ضعف إلا أنها لا تخلو من متابعات ترفعها عن درجة الضعف إلى الحسن ثم إن معناها صحيح قطعا
4ـ إن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يقول: “ستجدون أقواما يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم؛ فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدع، وإياكم والتنطع، وعليكم بالعتيق”
5ـ إن لهولاء علاجا ذكره أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو جرهم إلى السنة وعدم مجاراتهم في زيغهم في القرآن حيث يقول عمر:
“سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن؛ فخذوهم بالأحاديث، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله”.
6ـ إن تفسير القرآن لا بد له من المهارة في اللغة العربية وهنا لا أتحدث عن معرفة المفردات إذ لا تغني هنا وحدها شيئا بل قد تؤدي إلى الغرق وإنما أتحدث عن معرفة مجاري أساليب العرب في مخاطباتها ونظرها إلى سياق الكلام ومساقه وتأثر أوله بآخره وقد أشار إلى ذلك الشاطبي حين قال:
(إن القرآن نزل بلسان العرب وإنه عربي وإنه لا عجمة فيه، فبمعنى أنه أنزل على لسان معهود العرب في ألفاظها الخاصة وأساليب معانيها، وأنها فيما فطرت عليه من لسانها تخاطب بالعام يراد به ظاهره، وبالعام يراد به العام في وجه والخاص في وجه، وبالعام يراد به الخاص، والظاهر يراد به غير الظاهر، وكل ذلك يعرف من أول الكلام أو وسطه أو آخره، [وتتكلم بالكلام ينبئ أوله عن آخره، أو آخره عن أوله] وتتكلم بالشيء يعرف بالمعنى كما يعرف بالإشارة، وتسمي الشيء الواحد بأسماء كثيرة، والأشياء الكثيرة باسم واحد، وكل هذا معروف عندها لا ترتاب في شيء منه هي ولا من تعلق بعلم كلامها، فإذا كان كذلك، فالقرآن في معانيه وأساليبه على هذا الترتيب).
ومن تأمل هذا الكلام وكون اللفظ قد يفسره سابقه أو لاحقه أدرك أن تفسير “الحور” بالعنب مع قوله تعالى “مقصورات في الخيام” وقوله “لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان” من الجنون المطبق والبله المسلي والجهل المركب بأساليب العرب.
7ـ إن القاعدة العامة في التفسير أن كل معنى مستنطا خارجا عن أساليب العرب ومدارج كلامهم فهو ساقط، وذلك ما قعده الشاطبي حين قال:
(كل معنى مستنبط من القرآن غير جار على اللسان العربي؛ فليس من علوم القرآن في شيء، لا مما يستفاد منه، ولا مما يستفاد به، ومن ادعى فيه ذلك؛ فهو في دعواه مبطل)
8ـ أن تفسير “حور” بالعنب لا يختلف عن تفسير شيخ “القرآنيين” الزائغ سمعان بن بيان بأنه المعني بقوله تعالى “هذا بيان للناس” وقد عد الشاطبي نمط تفسير هذا من أنماط تفسير الحمقى تماما كتفسير تلامذته الحور بالعنب يقول الشاطبي:
(ومن أمثلة هذا الفصل ما ادعاه من لا خلاق له من أنه مسمى في القرآن كبيان بن سمعان حيث زعم أنه المراد بقوله تعالى: {هذا بيان للناس} الآية [آل عمران: 138] ، وهو من الترهات بمكان مكين، والسكوت على الجهل كان أولى به من هذا الافتراء البارد، ولو جرى له على اللسان العربي لعده الحمقى من أدلتهم، ولكنه كشف عوار نفسه من كل وجه، عافانا الله وحفظ علينا العقل والدين بمنه).
9ـ أن الشاطبي قد تهكم على تفسير “بيان” هذا الغريب والمضحك حين قال:
(وإذا كان “بيان” في الآية علما له؛ فأي معنى لقوله: {هذا بيان للناس} [آل عمران: 138] ، كما يقال: هذا زيد للناس، ومثله في الفحش من تسمى بالكسف، ثم زعم أنه المراد بقوله تعالى: {وإن يروا كسفا من السماء ساقطا} الآية [الطور: 44] ؛ فأي معنى يكون للآية على زعمه الفاسد؟ كما تقول: وإن يروا رجلا من السماء ساقطا يقولوا: سحاب مركوم، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.)
وعلى طريقة تهكم أبي إسحاق الشاطبي من “بيان” فنحن نقول إذا كانت “حور” تعني العنب فأي معنى لقوله “مقصورات في الخيام” وأي معنى لقوله: “لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان”!
ولكنه الزيغ والضلال وجهل أساليب اللغة العربية
10ـ وأخيرا فإن الإمام أبا إسحاق الشاطبي معروف بعفة اللسان وطهارته وبرزانة بحوثه وتقريراته وباتزانه في الرد والإفحام ولم أجده أغلظ القول على أحد كإغلاظه على “القرآنيين” فقد نعتهم بالبلاهة والحمق وأصحاب الترهات والفحش..
وما ذلك إلا لفداحةزيغهم وعظيم إفكهم وقباحة جهلهم وجسارتهم على القرآن، عافانا الله وإياكم بمنه.

من صفحة العالم الجليل: سيد أحمد سيد الخليل


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى