وجه السياسة الوديع وشظاياها الحارقة / عثمان جدو
مخطئ من ظن يوما أن اللعبة السياسية ترجمة لحوافز فطرية أو أنها مجرد استجابة غريزية يفرغ الجسم من خلالها شحنة من الطاقة الكامنة ويتلهى بها الإنسان الممارس ثم يواصل نشوته ويعود إلى هدوئه، ومخطئ كذلك من يعتبرها مسرحا للمكر أو وكرا للخداع؛ القائل فيها غير مكذوب والوعد فيها غير منجز؛ والحالم فيها لا يستيقظ أبدا.
إن اللعبة السياسية عكس كل ماتقدم؛ لعبة جدية، خطيرة، غامضة، منهكة، مكلفة، تحتاج نفسا طويلا، ويدا بسبعين ذراع؛ ورأسا بعددها من الأعين الدوارة التي ترى من الخلف أكثر من الأمام؛ وترى في الظلام بوضوح أحسن من رؤيتها في وضح النهار.
عندما تولى فخامة الرئيس مقاليد السلطة أرسى جوا من التهدئة السياسية لم يسبق له مثيل في هذه البلاد حتى زاحمت المعارضة الموالاة في صف المحيطين بالرئيس والمحلقين حوله؛ المنكب بالمنكب والساق بالساق؛ ولم يتركوا لشيطان المشهد فرجة؛ حتى صار كقاصية الغنم يتودد لثعلب النفعية السياسية ويتحالف معه؛ عل ذلك ينجيه من ذئب البراري السياسية التي لا يفيق فيها ضمير سليم ولا تنجو فيها روح بريئة إلا بقربان جسيم وحظ عظيم؛ والرضا شرطه العطا!!… أما المذنبون؛ المنتزعون رغيف الفقير من فيه ذات يوم؛ فنفس تستحق ألف هلاك..
لقد أحاط بالرئيس عمدة السياسة وفضلتها وخلا غيره من فاعليتها ومفعوليتها واستمر الحال رتيبا على ذلك ردحا من الزمن السياسي الهادئ الجميل؛ هدوء وجمال بدأت تطفو على سطح التنافس السياسي المطل مكدراته؛ اهتز الهدوء، ولاحت تصدعات اتسعت منها مواقع تنذر بتطاير الشظايا الحارقة!.
إن البوادر التي بدأت تكدر صفو الجو السياسي الذي يغطي الأفق السياسي الداعم للرئيس مؤداها بالأساس صراع القوة والمصلحة؛ واختلاف زوايا النظر السياسي؛ تلك الزوايا التي تكبر في عين عظيم قوم يصغر هو في نظر أقوام آخرين بصغيرهم وكبيرهم؛ثم يحصل التنافر، ويتضرر نسيج الوئام الذي نسجه فخامة الرئيس والخلص من حوله بخيط الألفة، وسقوه بماء الوحدة الوطنية؛ الذي بدأ يرمض بلهيب زفرات أولى الترشيحات والاختيارات، في وقت كان يراد منها أن تكون رميضا يعقب الصيف السياسي، ويطفئ سخونته إيذانا بإطلالة خريف ندي ماتع!!
سيدي الرئيس لا تتركهم يقتلون حلما لاحت فيه طلعتك بحلة بيضاء بهية في جفن كل مواطن واستيقظ من ذات المشهد يحمل منتقى الأزهار؛ إن ذلك المواطن، وهو روح الوطن يسعد ويصلح حاله بنزعكم الحجب بينكم وبينه؛ وبذلك تسلم الحاشية ويغنم الوطن، فليس من يرى كمن ينقل إليه أو يترجم، ورب ناقل يحتاج ناقلا.
قد نقول بلسان الحقيقة أن كثيرا من المتذمرين اليوم من ترشيحات الحزب صنعتهم الدولة بمالها ومناصبها؛ ذلك المال الذي هو حق المواطن البائس والفقير؛ وذلك المنصب الذي كان من المفترض أن يكون لخدمته بدل الاستقواء
عليه؛ وهنا لا نعمم لأن بعض هؤلاء كان بما أوتي من فضل قبل وبعد دعم الدولة؛ وإن كانوا قلة، لهذه القلة نقول؛ إن إنصافها أولى من إرواء غيرها بمحامد صنيعها قهرا؛ فالإنصاف من شيم الأشراف…
أخيرا وليس آخر؛ لا نرجو أن تحرق هذه الشظايا المتطايرة من جسم السياسة المنهك بعد أن ظهر متماسك ذلك الوجه السياسي الصبوح؛ القادم بوداعته التربوية من بيئة تهذيب وتنقية ألبسته وضاءة حينما خط في بستانها خطوطا عريضة تؤسس للنهوض؛ قبل مغادرته إلى بيئة السياسة حيث وحل المصلحة الخاصة يطوق مصالح البلاد والعباد؛ وبضيق النزعة تتلاشى أهداف التنمية وتصاب الهوية.