خطاب الفعل لا القول ../ المصطفى أحمد معاوية
حظِي خطاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني بمناسبة الذكرى الثانية والستين للاستقلال المجيد ، بتفاعل و اهتمام بالغيْن فى أوساط الرأي العام الوطني، ليس بسبب جزالة عباراته وانتقاء مفرداته و سموّ أفكاره، و جودة أساليبه فحسب ،و إنما أيضا لأن هذا الخطاب القيّم، استمد مضامينه من رؤية قائد مفوّه ،مدرِكٍ بأن فصل الخطاب قناعةٌ بضرورة تحقيق إنجازات عظيمة لشعبه، وفاءً بتعهدات قطعها على نفسه ، مجسدا تلك التعهدات واقعا ملموسا ، منفذا إياها بنجاح بارع ، خطوةً، خطوة، لكلّ إنجاز ما يستحق من تقدير لتصدّره و إلْحاحه، بصمتِ الفعل و قوته ، و موازاة لذلك شن فخامته حربا على انتهاك المال العام، و تم تعزيز آليات رقابته إصرارا من رئيس الجمهورية على انتهاج حكامة رشيدة في التسيير.
و المُمعن للنظر الموضوعي في تجليات ذلك النهج القويم معترفٌ ـ لا محالة ـ بالتحول التاريخي الذى شهدته البلاد على كافة الصعُد ، منذو تولى رئيس الجمهورية مقاليد السلطة في البلاد، رغم ما تزامن مع ذلك التاريخ من ظرفية إقليمية و دولية بالغة الصعوبة و ما فاجأ العالم من ظهور جائحة كوفيد 19 و تبعاتها الصحية و الاقتصادية و الاجتماعية ، ومع ذلك ، وفى جو هذه سِماته، نعِمت البلاد بتهدئة المناخ السياسي بانفتاح على الجميع يغلّب المصلحة الوطنية، ويتيح للتشكيلات السياسية الفرصة للإسهام في تشاورٍ سياسي نضجت مآلاته فى توافق غير مسبوق، تم برعاية سامية من رئيس الجمهورية الذى اختار ربّانا عارفا لتلك المهمة غير البسيطة و التي هيأت الظروف التوافقية للاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
و بالعودة للخطاب فإننى أغتنم الفرصة لأنوّه بمضامينه عموما ،و إن كنت أركز في هذه العجالة على قضية جوهرية نالت حظها من الخطاب الرئاسي ، و هي على صلة وثيقة باستمرار كيان الدولة الموريتانية في تنوعه الاجتماعي الذى يستمد منه غناه الثقافي و التاريخي ، و مصدر قوته ، إنها قضية الوحدة الوطنية ، التي جعل منها فخامته “هدفا مركزيا في كافة السياسات العمومية” و عمل على تقوية أسسها المستأنسة بالنصوص الشرعية و القانونية ،و من خلال ما تم إحرازه من بسط للعدالة الاجتماعية سبيلا لتوطيد اللُّحمة و مكافحةً للغبن و التهميش و فصلا للسلطات و تعزيزا لاستقلالية القضاء ، و محاربة للصور النمطية العالقة ظلما في أذهان البعض عن بعض مكونات المجتمع، ومحاربة لكل أشكال التمييز التي تفاضل بغير
المواطنة ، هذا فضلا عن تسخير كافة التدخلات الاجتماعية و توجيهها بشفافية إلى الفئات الهشة ، إنصافا لها و اعتبارا لخصوصياتها ، ولعل في تدخلات ” التآزر” التي وصلت إلى حيث تلك الفئات ، برهانا ساطعا على دعم قدرة المواطن على الصمود و لتمكينه من فُرص العيش الكريم ، وهكذا استفادت من تلك التدخلات فئات عريضة من المواطنين يغلب عليها العوز و يسكنها غنى التعفف، وهي مُمتنّة أشد الامتنان لرئيس الجمهورية بتحسين ظروفها المعيشية ، و لئن كان الخطاب قد استعرض بلغة الأرقام ما تحقق من إنجازات بارزة و ملموسة، كان لها الأثر البالغ فى تحسين الظروف المعيشية للمواطن العادي ، فإنه أيضا زف البشرى للموظفين و وكلاء الدولة برفع الحد الأدني للأجور وزيادة الرواتب و الإعانات العائلية الاجتماعية زيادة معتبرة ،و بما خص به الطواقم التربوية من مكافأة تشجيعية إضافية لامست رغباتهم و أيقنتْهم من جديد أن مشروع المدرسة الجمهورية قرار سيادي يتصدر تنفيذه أولويات فخامته و أن جهود الدولة مسخّرة لإنجاحه ، بما يتطلب ذلك من موارد بشرية و مادية تضمن فضاء تعليميا ناجعا ، ينشد الهوية الموريتانية و يرسخ قيم الوحدة الوطنية ، وينمى لدى الأجيال الناشئة ثقافة الإخاء والمساواة.
