آراء وتحليلات

مرحلة الإنصاف والرصانة/ محمد محمود ولد عبد الله

ما شهدته دورة المجلس الوطني للحزب الحاكم، ـ التي تحولت إلى مؤتمر استثنائي ـ من تغييرات طالت رئاسة الحزب، وبدلت اسمه وغيرت وسمه، تؤكد ما تضافرت مؤشرات ومعطيات عديدة عليه، وهو أن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، بدأ ينحو منحى جديدا يمثل قطيعة مع غابر الأحكام وماضيها، بعد أن مهد لذلك خلال العامين ونيف الماضيين، بالابتعاد رويدا رويدا عن نمطية الحكم التي كانت سائدة في هذه البلاد ردحا من الزمن.

فقد حمل الحزب اسما جديدا، هو عنوان حكم رئيس الجمهورية منذ وصوله إلى السلطة، بل منذ إطلاق حملته الانتخابية، وهو “الإنصاف”، هذا الانصاف الذي تجلى بوضوح وجراءة في خطاب ودان، حين تلقت ولأول مرة في تاريخ هذه البلاد، فئات وشرائح كبيرة من المجتمع، جرعة إنصاف ودفعة اعتراف، بما ارتكب في حقها من ظلم معنوي وتاريخي، أفضى إليهما رسوخ رواسي الفئوية وتجذر الطبقية اللتين ضربتا أطنابهما قرونا سحيقة في مجتمعنا، كما تجلى الإنصاف منذ أول وهلة، في نزول الدولة بدعمها المباشر والقوي، إلى الفئات الهشة والأسر الفقيرة، وإلى المعوقين وذوي الحاجة، فتسلموا الرواتب الشهرية، وتلقوا دون من ولا أذى الدعم المباشر، بلا وسيط أو وكيل، بعد أن تيقنوا عقودا عديدة أن مقدرات الوطن، دولة بين الأغنياء، يعيثون فيها فسادا وترفا، وأن حظ الفقراء وذوي الحاجة، طيات النسيان وسُجف التجاهل، وتجسد الإنصاف كذلك في برنامج حكومي ضخم، أطلقه النظام، يمس مختلف مناحي الحياة عدالة وتعليما وتشغيلا وصحة وتنمية.

كما اختار المؤتمرون الميزان القسط شعارا للحزب، إيذانا بأن من طغوا في الميزان، فكانوا يظلمون الناس، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، قد أفل عهدهم، وانطفأ قبسهم، وأدبرت أيامهم، فالإنصاف والعدل قرينان “كندماني جذيمة”، رضيعا لبان ثدي أم تقاسما الصراط المستقيم، والحكم الرشيد.

كما جاء اختيار الوزير محمد ماء العينين ولد اييه، الرجل الهادئ ذي الشخصية الرزينة، لقيادة الحزب الحاكم في هذه المرحلة، ليبعث برسالة مفادها، أن نهج الرصانة والكياسة الذي اختطه الرئيس غزواني لنظامه، لا محيد عنه ولا نكوص، ومن شاء التهارج والتناوش من مكان بعيد، فليضرب لنفسه طريقا يبسا غير السبيل التي شاء النظام أن تكون نهج الحكم وديدنه.

إن هذا التغيير الحاصل على مستوى الحزب الحاكم وما سيليه من تغييرات في هياكله ـ تحدث عنها رئيسه الجديد في خطابه اليوم ـ وما يرتقبه المُرتقبون، من تغييرات على المستوى الحكومي والإداري، كلها توحي بأننا نسلك سواء السبيل نحو غاية نبيلة، ومقصد عظيم، ألا وهو بناء دولة الإنصاف والمواطنة، ترسيخا للعدالة الاجتماعية، ومحاربة للفوارق الاقتصادية والاجتماعية، وإنجازا ملموسا غير مزيف أو مشوه بنهب سابق واختلاس لاحق، فضلا عن إعطاء كل ذي حق حقه، في مجتمع تُرسى دعائمه من جديد على المساواة والعدل، وعلى قاعدة “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى”، وسط جو من الهدوء والسكينة والوقار، وهي مهمة ـ لعمري ـ ليست باليسيرة، بعد عشر عجاف من الصخب الإعلامي الأجوف، والعواصف السياسية الهوجاء، والتراشق بالتي هي أسوء تصريحا وتلميحا، ووعدا ووعيدا، لا يرقب فيها الحاكم إلا ولا ذمة لمحكوم، ولا يأمن بوائقه شريك وطني، أو معارض سياسي.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى