آراء وتحليلات

لا يا جميل منصور: البخاري محمد مؤمل

حول التحقيق الذي تقوم به الشرطة المكلفة بالجرائم الإقتصادية والذي ذُكر أنه تم فيه الاستماع لصحافيين ونقابيين و للفنانة والسيناتورة السابقة المعلومة بنت الميداح، كتب جميل منصور رئيس حزب تواصل الاخواني مدونة يدين فيها استهداف أفراد من المعارضة المقاطعة، قائلا أن المعارضة ” لا تملك قوة الإضرار…”، مضيفا أنه من “الأولى بالجرائم الاقتصادية أن تتوجه إلى هناك”.. أي : إلى “السلطة” على حد تعبيره.

وربما يكون دافعه هو : أن هذه هي أول مرة ينال عمل هذه الشرطة صاحبة هذا النوع من الاختصاصات أناسا مناوئين للنظام يتحالف هو وتشكيلته السياسية معهم. فالتحقيقات والمتابعات القضائية السابقة المتعلقة بفساد أوشبهات مالية تتعلق بالشأن العام ظلت فعلا محصورة في الماضي أساسا في الأوساط الداعمة للسلطة الحاكمة أو المقربة منها : وزراء، مدراء، موظفين سامين، تجار…

وكانت تلك الملفات وردود الفعل حولها لا تلفت انتباه المعارضة التي توصف ب “المتشددة”، أو “المقاطعة”، أو “الناطحة”… إلا قليلا. وكأن هذه المعارضة غير معنية بإشكالية محاربة الفساد في البلاد!

أما اليوم، فرغم شح المعلومات الرسمية، وشح المعلومات الموثوق بها حول ما يجري، فيبدو أن الأمر قد تغير : المعارضة المتشددة مستاءة كثيرا من التحقيقات الجارية التي يبدو أنها تتعلق باستخدام تمويلات سرية للنشاطات السياسية ربما تكون قد تلقتها، أو تلقتها بعض مكوناتها أو بعض الداعمين لها، من أطراف توصف بتحالفها مع المعارضة المقاطعة أو على الأصح باستخدامها لها. وهنا يتكرر كثيرا ورود اسم رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو المقيم في الخارج والذي تحول فجأة من “داعم سخي” للرئيس عزيز إلى معارض متشدد له يوظف ماله – حسب ما هو متواتر عليه لدى كثير من الناس – في سبيل الإطاحة أو – على الأقل – الإضرار به.

وخلافا لما قاله جميل منصور، يبدو أن ولد بوعماتو لديه قوة إضرار لا يستهان بها.. وفْق ما يُستشَفُّ من شهادة السيناتور السابق ولد غدة واعترافاته وتصريحاته الواردة في “ملف التسريبات”، ووفق ما يقال أيضا عن تمويل ولد بوعماتو لمؤسسات أخرى، إعلامية وثقافية ودولية، محلية وأجنبية.. نذكر منها على سبيل المثال : موقع Mondafrique، مجموعة بلادي الموسيقية، Egalité des chances en Afrique…

وعلى اختلافها شكلا و مضمونا، تشترك هذه المؤسسات كلها – وغيرها من المؤسسات التي يدعمها ولد بوعماتو- في خط سياسي واحد : المعارضة الشرسة للرئيس محمد ولد عبد العزيز والعمل على الإضرار به شخصيا. وهي تبذل جهودا قصوى في هذا السبيل.

ومن جهة أخرى دأبت المعارضة المقاطعة على محاولة بناء قوة إضرار خاصة بها مستقلة عن ولد بوعماتو وعن غيره.. تعبئها في سبيل الإطاحة بالنظام والوصول إلى السلطة . ظهر ذلك مؤخرا عبر المسيرات غير المرخصة قانونيا التي أرادت من ورائها الدخول في صراع مفتوح مع قوى الأمن خلال الحملة الدستورية الماضية.. مثلما عملت على تجييش الشارع قبل ذلك بسنين من خلال محاولتها استنساخ الربيع العربي، ومن خلال قضية “تدنيس المصحف الشريف” الكاذبة التي افتعلها جزء منها محاولا بذلك تعبئة الناس ضد السلطات وإنزالهم إلى الشارع بشكل فوضوي وغير قانوني.

وكلنا نتذكر وقتها حالات الفوضى والأضرار التي ألمت ببعض المواطنين وممتلكاتهم وبممتلكات عمومية.. أضرار نجمت عن تلك الاعمال التي دعت لها وقادتها المعارضة المتشددة أو دعمتها آنذاك.

وهذه العناصر، الإخبارية والتحليلية، حول استراتيجيات المعارضة المتشددة، وتكتيكاتها، وأساليبها في التعاطي مع السياسة وممارستها في بلادنا، وحول الشبهات المتعلقة بالتوظيف للمال السري في هذا المجال… ليست في حاجة لمزيد من االبراهين لإثبات قوة الإضرار لدى هذه المعارضة.. فالأدلة المفقودة، التي يجب البحث عنها مليا، هي على العكس تماما من هذا الامر المفروغ منه . فهي تتعلق بغياب أدلة وبراهين تثبت أن هذه المعارضة تملك أيضا قوة نفع.. أي : قوة بنيان.

ولا ينبغي التغاضي عن هذه الإشكالية العويصة، علما أن الهدم أيسر من البنيان. غير أن جميل منصور فضل التطرق للموضوع من زاوية أخرى، تسمح له بتوجيه اللوم إلى السلطات الحاكمة…

ووفاء منا لقوله، وختاما لهذه الورقة، نورد فيما يلي النص الكامل لتدوينته التي سبق ذكرها.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى