التشاور والأجندات الشخصية / سيداتي سيد الخير
من المسلم به أن مبدأ التلاقي وتبادل الأفكار سنة تليدة تعارفت عليها الأجيال عبر تاريخ البشرية الطويل، لما يعنيه ذلك من إتاحة الفرصة لاكتشاف مكنونات الآخر ورفد التجارب والتصورات من خلال احتكاك العقول والآراء للسير بالإنسان إلى حياة أفضل، وتطوير أنماط معاشه وأحواله وتعايشه مع بعضه..
لذلك تلقف أغلب الموريتانيين فكرة التشاور، رغم أن قيادة البلد الحالية جاءت من انتخابات رئاسية نزيهة بشهادة جميع الطيف الوطني، وعن طريق تبادل على السلطة هو الوحيد من نوعه في تاريخ موريتانيا، ومع ذلك “نشرت السلطات وأغلبيتها طرفها” من اجل إتاحة الفرصة لمزيد من تطبيع الحياة السياسية وإشراك كل الموريتانيين في صنع المستقبل، رغم أن منطق وأعراف وأدوات الديمقراطية لا تعترف في هذا السياق إلا بمن اختارهم الشعب عبر صناديق الاقتراع.
فلم يكتفِ البعض بالجلوس والتمرغ على هذا “الطرف” بل تجاوزوا ذلك إلى الإمعان في التطاول على هيبة الدولة ومؤسسات الأمة، يدفعهم الغرور الطافح والأطماع الشخصية في الحصول على منافع أثبتت التجربة أن ريعها يذهب إلى جيوبهم،فقط، رغم أهمية القضايا التي يحملون على أسنة “الحظرة” في الكعكة السياسية التي قد لا تتمحض لمصالح البلاد والعباد، ولا تنفع في المعاش والأمن والصحة والتعليم والأسعار و…
لقد وجد الكثيرون من أصحاب هذه “القضايا” أنفسهم في ورطة منهجية، بسبب الانشغال اللافت للسلطات الحالية بالملفات الاجتماعية خاصة، حيث عكفت أجهزة الدولة بطريقة غير مسبوقة على الحل المعقلن والواعي والماثل للكثير من المعاناة الموروثة، ووضع أسس أكثر رصانة لمعالجة الحرمان الذي عشعش في الكثير من أماكن الهشاشة في هذا الشعب عبر تاريخه الطويل، سواء على المستوى المادي، المرتبط بالمعاش، أو المعنوي المرتبط بالكرامة والنظرة الدونية لبعض فئاتنا الاجتماعية العظيمة..
ولأن الكثيرين لم يعد لديهم ما يقولونه في هذا المضمار، بسبب النظرة الاستباقية الإستراتيجية لبرنامج السلطة الحالية، لم يعد التشاور يعني لهم الكثير، لأنهم وبكل بساطة مجرد “أسود طالما أكلت الخراف المهضومة” من خلال قبض أثمان القضايا التي تمس هموم هذه الشعوب ومطالبها الشرعية في العدالة والحرية والعيش الكريم …
فلا معنى إذا والحالة هذه في أن نرتهن لأجندات الأشخاص ومصالح جيوبهم وجهاتهم وقبائلهم وشراكتهم و…، لأنها لا تعني شيئا للشعب ولا مصالحه ومعاناته وحقوقه في العيش الكريم على أرضه، وبنائه لمستقبل أجياله على أسس قوية قوامها العدالة وفعالية المؤسسات وأجهزة الدولة وتحديث أنماط الحياة والعلاقات، وفق أسس أكثر قابلية للبقاء وأكثر بعدا عن سيطرة أصحاب المصالح الضيقة..
هنا يمكن أن نتفهم استياء البعض من تقوية المشاريع العمومية والنشاطات المؤسسية، التي لا تشترط وجود فلان لمساعدة فلان أو بناء مدرسة أو مستوصف أو دعم تعاونية تنموية، لأن مثل هذه الأمور لا تتيح الفرص الكافية لسماسرة الآراء وباعة المواقف والبيادق السياسوية، التي لا عمل لها إلا العبور على ظهور المواطن البريء وتسمين ذراها على حساب قضاياه وانشغالاته..