ثقافة
خوارج النص عند ابن اطوير الجنة / إسلم بن السبتي
تعتبر خوارج النص من أهم ما يعتني به علماء المخطوطات، فبعد النظر في المخطوط، لدراسته من الداخل، واستكمال مراحل تحقيقه، يعمد المحقق إلى النظر في خوارج النص، قصد تبين كل العلامات التي كتبت على ظهرية المخطوطة، أو على ورقتها الأخير(الغاشية)، فقد يحصل كثير من المعلومات، التي تزيده معرفة بأحوال المخطوطة، وبمكان كتابتها وتاريخ نسخها، واسم ناسخها، والتعليقات على هوامشها، من تقريظات، وقراآت وسماعات وغير ذلك مما يعرف عند معاشر المحققين بخوارج النص.
ولمطالعتي في كثير من مخطوطات علمائنا، جمعت عدة تعليقات تعتبر في حد ذاتها شهادة صالحة لما كان يتميز به جمهرة علماء بلاد شنقيط من علم وافر في شتى مناحي المعرفة، وفي هذا المجال نعرض لنوع من ذلك الفعل العلمي عند واحد من أكثر العلماء مطالعة ألا وهو أحمد المصطفى بن طوير رحمه الله الجنة.
لقد وقفت في إحدى مكتبات مدينة شنقيط، على صك شراء لكتاب تسهيل الفوائد لجمال الدين بن مالك من طرف العلامة ابن طوير الجنة، وقد كتب بخطه الجميل ما هو آت: ” الحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي بعده، ملكه الله بفضله فقير مولاه، وأسير ذنبه وهواه، الطالب أحمد بن اطوير الجنة الواداني، بشراء صحيح من محروسة فاس بعشرة أواق، أي مثقال. كان الله له وليا ونصيرا بإسباغ وافر المنى والمنة، آمين يا أرحم الراحمين”.
وفي مدينة تونس، هذه المدينة العظيمة، مدينة المخطوطات، ومدينة العلم ولعلماء، مر العلامة أحمد بن المصطفى بن طوير الجنة المتوفى سنة 1265ه ومكث فيها فترة ألف ودرس وطالع المخطوطات النفيسة التي تحتفظ بها مكتبات المدينة ومن ذلك مخطوطة معالم الإيمان في معرفة رجال القيروان، أبو الفضل قاسم بن عيسى بن ناجي التنوخي الغروي القيرواني المتوفى سنة 839هـ، وكتب على الهامش ما يلي:” مات في غزوة معاوية بن خديج أفريقية بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهي الغزوة التي مات فيها أبو زمعة البلوي، ودفن بالقيروان، وقبته الآن مشهورة خارج مدينة القيروان، وزرناها والحمد الله. أحمد بن المصطفى بن طوير الجنة كان الله له ولوالديه وليا ونصيرا بإسباغ وافر المنى والمنة آمين يا أرحم الراحمين.
وفي نفس النسخة كتب ما يلي: ” بل التفصيل الذي ذكره العراقي في ألفيته، هو الأحسن، فقال: من الرجال ابن أبي قحافة، ذكره حسان في القصيدة:
خديجَةَ اذكرْ أولَ النّســــــــــوانِ عليًّا اعدُدْ أولَ الصّبيان
من الموالي: زيد ابن حارثهْ كان مُجَالِسًا لهُ محادِثَه
ثم سردهم على التمام. كتبه أحمد المصطفى بن طوير الجنة، الواداني. كان الله له ولوالديه وليا ونصيرا. بإسباغ وافر المنى والمنة. آمين. فهاتان المطالعتان وقفت عليهما بخطه كما هو مبين في أواخر كل مطالعة على حدة، فهذا يثبت مشاركة تلك المدن في إثراء مقروآت علماء بلاد شنقيط المارين بها قصد الحج، والظاهر أيضا أن هؤلاء العلماء يختارون الكتب النفيسة من أجل مطالعتها والتعليق على هوامشها بما يتفق ومضمون النص المقروء.
ولا يفتأ العلامة ابن طوير الجنة في الوفاء لمن ساعده في توفير مخطوط مهما كان نوعه، جزاءا له واعترافا بالجميل. وقد وقفت على وثيقة يطلب فيها الدعاء لشخصين ساعداه في تحصيل كتاب بالغ الأهمية. وهذا ما كتبه ومن خطه نقلت:” الحمد لله وحده وصلى الله على مولانا محمد.
أيها الناظر في هذا المجلد لا تترك الفاتحة للسيد سيدي أحمد المغربي، والحاج احميد خلاّف الإسكندريان، والدعاء لهما بعد الفاتحة بتمام مرادهما من مصالح الدين، والدنيا، والآخرة. كان الله لهما وليا ونصيرا وعند الله وعند العباد وفي البلاد، لأنهما هما السببان في تحصيل هذا الكتاب: بهجة النفوس، بهج الله أنفسهما في الدين، والدنيا، والآخرة”. ه.
وكتبه فقير مولاه، الغني به عمن سواه الطالب أحمد، المصطفى بن طوير الجنة الواداني. كان الله للجميع وليا ونصيرا. والسلام على من سيقف عليه من المسلمين. تمسكوا بما رسم فوقُ. والسلام
هذه مجموعة نادرة من تعليقات العلامة أحمد المصطفى بن طوير الجنة، أردت أن أتحف بها من يهتم ويعتني بتراث هذا العالم الشهير الذي سطر علم بلاد شنقيط، وأذاعه شرقا وغربا، وكان سفيرا أمينا لم يعرفه العرب وحسب، بل عرفه الغرب أيضا واعتنى بما كتب وسطر، من خلال رحلته الميمونة. رحمه الله تعالى.