كيف نفهم الإسلام (22) حقوق الإنسان (2) / محمدّو بن البار
من المعلوم أن أي مسلم تكلم في أي موضوع لمعرفة موقف الإسلام منه – لا يوجه كلامه إلا للمسلمين – فالله يقول : {{إنما يستجيب الذين يسمعون والموتي يبعثهم الله}}، والمسلم هو الذي يسمع كلام الله أي هم الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أما الموتى فهم غير المسلمين الذين شبههم الله بأعلي ألفاظ التشبيه بحذف أداة الشبه، أي فهم كالموتى في عدم الاستجابة، فلا فائدة في خطابهم.
وعليه فإن هذا الإنسان الذي سوف نتكلم علي حقوقه بعد أن نشخصه لنعلم من هو الإنسان طبقا لما ورد في القرآن الجهة الوحيدة التي عندها حقيقة الإنسان.
فالإنسان هو ذاك الكائن الذي خلق الله أصله بيده ونفخ فيه من روحه فأصبح إنسانا بعد ذلك يتناسل من أًصله بما أوضح الله في القرآن من صفة ذلك التناسل.
وهذه الصفة يستوي فيها جميع الإنسان حتى الأنبياء يستوون فيها مع أي مخلوق في كيفية الخلق وتطوره من النطفة إلي أن يموت بعد انتهاء العمر المكتوب له، وكل هذا موحد، أي حق الإنسان فيه واحد وبكل عدالة.
ولكن خالق هذا الإنسان بدون استشارة أهل الدنيا خلق بعضه ليكرمه في الدنيا والآخرة وخلق بعضه ليكون وقودا للنار يقول تعالي: {{ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها}} إلي آخر الآية، ويقول تعالي: {{واتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين}}.
وطبعا هذا المآل هو في الآخرة وليس في الدنيا ولا يدعي أي أحد أنه يستطيع أن يتدخل في الآخرة لحق أي إنسان مع أن هذا الإنسان في الآخرة هو نسفه إنسان الدنيا باسمه وشحمه ولحمه، والآمر بالتعذيب في الآخرة هو الله نفسه الذي أمر بعذاب حدوده في الدنيا ولا أرحم من الله بعباد الله، وربما يكون حطب الآخرة هو الإنسان الذي كان يكافح عن حقوق الإنسان في الدنيا.
وسبب تقسيم هذا الإنسان في الآخرة بعضه في جنات مكرمين، وبعضه في سموم وحميم وظل من يحموم هو عملهم في الدنيا بعد أن يأتيهم مجتمعين نذير وبشير من عند الله الذي خلق أباهم وصوره ليتناسلوا منه في أحسن صورة العالم الذي خلقه الله، وساوي في هذه الصورة التي حسن جميع الإنسان فيها.
ولكن هذا الإنسان في مروره بالدنيا يحدد له الله عن طريق رسله إليه علاقته مع الله، وعلاقته مع أخيه الإنسان كيف يحي مؤمنا بوجود الله وما يتطلبه هذا الإيمان كما جاء به الرسل.
فإن امتنع بالإيمان بالله وهو خلقه واعتدي علي أخيه الإنسان وقد نهي عنها فقد كتب الله في رسالته القرآنية بالنسبة لنا أمة محمد صلي الله عليه وسلم وفي كتب الرسل قبلنا ممن كان قبلنا من الأمم عقوبة محددة، فمن لم يؤمن بالله الجهاد فيه حتى يؤمن بالله وحده بأنواع الجهاد المحددة في الإسلام، ومن اعتدي علي أخيه الإنسان وهو مؤمن فعنده أيضا عقوبة من الله محددة لكل فعل حسب بشاعته.
هذه العقوبات الواجبة لصاحبها المحددة من الله من لم يقم بها من قادة المسلمين ومن لم يحكم بها من قضاة المسلمين ومن وقف دونها من أصحاب دعوي حقوق الإنسان، فليعلم أنه وبدون لف ولا دوران قادم علي الله مباشرة مكتوب فعله هذا ومعلق في عنقه للمؤاخذة عليه، فإن كان من حطب النار فالنار موعده، وإن كان من عصاة المسلمين فالله يقول :{{تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون}}.
والظالمون مصيرهم كثير ذكره في القرآن، ويختلف ظلمهم من إنسان إلي إنسان، وعلي كل حال علم ذلك كله عند الله بدقة متناهية حيث حكم علي نفسه ألا يظلم مثقال ذرة.
هذا أظنه ملخص حقيقة الإنسان في الدنيا وفي الآخرة والتي علي المسلم أن يطبقها كما هي، أما المساواة بعد احترامه لحقوق الله وحقوق العباد فالنصوص الإسلامية متفقة علي وجوب احترامها حتى في حق الفقير علي الغني والجار ولو لم يكن مسلما وابن السبيل إلي آخره.
وبناء علي هذه الحقائق فكما قلت في ا لمقال أعلاه فإن أي دولة أو أي مسلم حتى ولو كان مفكرا إسلاميا عالما يلوي النصوص الشرعية ليدمجها في أفكار وعمل من لا يرجو لقاء الله – فهو تحت طائلة قوله تعالي: {{وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعلمون خبيرا}} كما قال تعالي:{{ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير}}.
فالخسران الكامل للمسلم أن يبطش إنسان بإنسان آخر بغير أوامر شرعية بذلك، ويقوم مسلم تحت أي ظرف بالوقوف ضد عقوبته المقررة له في شرع الله أو يتقاصر قائد عام لدولة إسلامية في عدم الأمر بالحكم بشرع الله وعدم تطبيقه.
فحديث النبي صلي الله عليه وسلم الصحيح كفيل من أن يفهم منه المسلم سواء كان قائدا أو عاديا ما يكون عليه المسلم في قضية الحدود، فأمر المخزومية التي سرقت واهتمت قريش لشأنها فطلبوا من أسامة ابن زيد وهوحِبُ رسول الله صلي الله عليه وسلم وابن حبه أن يشفع فيها فوجد النبي صلي الله عليه وسلم وقافا عند حدود الله واستفهم أسامة استفهاما إنكاريا شديدا أدي منه الجلوس بعد أن كان مضجعا بقوله : أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة ؟ ورتب علي ذلك أنها لو كانت بنته فاطمة رضي الله عنها وسرقت لقطع يدها .
والآن عند غفلة قادة المسلمين عن تطبيق شرع الله وعمل الأفراد في حقوق الإنسان المجرم ضد الإنسان المجني عليه بعد هذا التبيين نختم الموضوع بقوله تعالي :{{إن ربك لبالمرصاد}}.