ثقافة

رائعة الختار ولد حامن في رثاء يعقوب ولد أبو مدين

الآن إذْ شَرِبَتْ أمْواهَها الحُفَرُ .. وقدْ سَلا القَوْمُ أحْبابًا لَهُمْ غَبَروا
تَمْتَدُّ ذِكرى الفتى يعقوبَ خالدةً .. فلا يزالُ معَ الأيامِ يُدّكَرُ
فَتارَةً زَفراتُُ هيَ واخِزَةُُ .. كأنها في الحَشا الأشْواكُ والإبَرُ
وتارَةً تَسْرَحُ الأفكارُ في شِيَمٍ .. كانتْ لِيَعقوبَ حَلْيًا ضِمْنَهُ دُرَرُ
فَللِنُّفوسِ متاعُُ في مآثِرِهِ .. إنْ فاتَتِ العَيْنُ مِن يعقوبَ فالأثَرُ
ماعاشَ نِعْمَ الفتى يعقوبُ ياأسَفى .. عُمْرًا طويلاً ولكنْ بورِكَ العُمُرُ
إنْ قِيلَ ماتَرَكَ المرحومُ قِيلَ فَهَلْ .. قد كانَ يكْنِزُ يعقوبُُ ويَدَّخِرُ
أموالُ يعقوبَ في المعروفِ فَرّقَها .. شَذَرْ مَذَرْ فهْوَ لايُبقي ولا يَذَرُ
وحَسْبُهُ نشبًا إحرازُهُ حسَبًا .. قانَى به نسَبًا أعْضاؤهُ غُرَرُ
كان النّدى فيهُمُ والمَجْدُ مُبْتدءًا .. ومجْدُ يعقوبَ مرفوعًا له خبَرُ
إنَّ التُّراثَ الذي يعقوبُ خلّفَهُ .. نِعْمَ الغِنى وبه يُبْأى ويُفْتَخَرُ
هُوَ الثناءُ عليهِ والدعاءُ لهُ .. أمْرُُ تمادى عليهِ البَدْوُ والحَضَرُ
وهَلْ سَمِعتُمْ بِمَيْتٍ قبْلَ سيِّدِنا .. يعقوبَ يندُبُهُ المليونُ أو كَثُروا
قد كان يعقوبُ غوْثًا وابْنَهُ لِذَوي .. زُغْبٍ حَواصِلَ لاماءُُ ولا شجَرُ
كان المُضافُ إذا يعقوبُ قابَلهُ .. وافاهُ بالخَفْضِ خَفْضِ العِيشَةِ القَدَرُ
وكان يَنصُرُ حُسْنًا محْصَرًا فَيَرى .. راءيهِ فيهِ فُنونَ الحُسْنِ تَنحَصِرُ
فَوَدَّ حينئذٍ لوْ كانَ قِيلَ لَدى .. تَعْدادِ أشْياءَ مِنها الضوْءُ يَنتَشِرُ
ثلاثَةُُ تُشْرِقُ الدنيا بِبَهْجَتِها .. شمْسُ الضحى وأخو اسْحاقَ والقَمَرُ
وكانَ في أدبِ الأخلاقِ نادِرَةً .. أمْثالُهُ انْعَدَموا في الوقْتِ أو نَدَرُوا
كأنَّ أعْشى بَني قيْسٍ يُخاطِبُهُ .. بِقَوْلِهِ في قريضٍ هُو مُشْتَهِرُ
“لايَتَأرّى لِما في القِدْرِ يَرْقُبُهُ .. ولا يَعَضُّ على شُرْسوفِهِ الصَّفَرُ
وكانَ في حَلْبَةِ الإنْشاءِ ذا أمَدٍ .. لمْ يَشْؤُهُ فيهِ لازيدُُ ولا عُمَرُ
فكانَ أطْوَعَ مِنْ نَعْلَيْهِ فيهِ لهُ .. مِنْ جَيِّدِ القَوْلِ منظومُُ ومُنتَثِرُ
والحمدُ للهِ فينا مِنْ قرابَتِهِ .. مِنْ جانِبَيْهٍ نُجومُُ لُمّعُُ زُهُرُ
يَنفي الأسى ذِكْرُهُمْ عنّا ومَنظَرُهُمْ .. سِيّانِ أُنثاهُمُ في ذاكَ والذّكَرُ
فاللّهُ يأجُرُهُمْ واللهُ يَحفظُهمْ .. فلا يَؤُمُّهُمُ سوءُُ ولا كدَرُ
فيُصْبِحوا قد أعاد اللهُ نِعْمَتَهُمْ .. بيْتُ الفرزْدَقِ إذْ مامِثْلُهمْ بَشَرُ
ولا يزالُ إمامُُ مِنهمُ مَلِكُُ .. إليْهِ يَشْخَصُ فوقَ المِنْبَرِ البَصَرُ
واللهُ يرحمُ يعقوبًا ويْدْخِلُهُ .. في جنّةٍ تحتها الأنهارُ تَنْهَمِرُ
وأنْبَتَ الفِتْيَةَ الأبْناءَ يشْمَلُهٌمْ .. والإخْوَةَ الكُرَماءَ العِزُّ والظَّفَرُ
مرْثِيّةُُ لمْ تكُنْ مِنِّي مُجاملَةً .. ولا مُنافسَةً مِني لِمَنْ شَعَرُوا
بلْ هي نفْثَةُ مصْدورٍ وعاطِفَةُُ .. عُيونُها مِنْ صميمِ القَلْبِ تَنْفَطِرُ

من مجموعة ديوان المختار ولد حامدن على الوات ساب


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى