الشيخ و الشاعران
زار العلامة زيدٌ ولد حدّمين الديماني، الشيخ أحمد أبا المعالي بن الشيخ الحضرامي، ومكث معه فترة في حاضرة “آگرج” العامرة بالعلم وذكر الله، ولدى عودته من عنده توجه إلى السنغال فوجد ابن عمه المختار ولد حامد”التاه”، وكانت قريحته الشعرية في أوج اتقادها كأنما يغرف من بحر، فقال له بعد ما حدثه عن الشيخ: “شعرك ذَ إلَ ما امدحتْ بيه الشيخ أحمد بالمعالي ألّ يبگَ قالّو ش”، فكتب المختار بن حامد قصيدتة العصماء:
دواعي الشعر يا أمّ المعالي:: عليك من الملاحة والجمال
ومن ميلان قدك في اعتدال :: وصحة جفن عينك في اعتلال
أبى لى عن إجابتها فما إن :: أردّ لها الجوابَ ولا أبالى
نضوب قريحتى وصلود زندى :: وشيب الفود مني والقذال
على أني عداني عنكِ (زيدٌ) :: بأمر كان أولى بامتثال
أعن مدح الكمال أبي المعالي :: لقد راودت عن أمر محال
تراودني (أزيد الخير) مالي :: يدان بعدّ ذرات الرمال
محال أن يعبر عن سجايا :: كمال الدين شيء من مقالي
وقد أمست بنات الفكر فيها :: من البلغا لواغب من كلال
وَنَتْ منهم عبارات تبارت :: لعدّ خصال سبّاق الرجال
بما مولاه من عرض مصون :: قد أولاه ومن مال مذال
وما أغنت عبارتهم عشيرا :: ولاعشر العشير من الخصال
فـمـا أغْنَى على عِيٍّ وأنَّى :: يُتـاح وعِيُّ قـومـي عـدَّهـا لي
على أني حلالي فيه قول :: عساه يعد في السحر الحلال
سما للمجد أقوام رقوا في :: سلالمه الأعالى للمعالي
فحلوا برجه وبه تحلوا:: كما حلى الخرائد باللئالى
وقام بدرسه قوم فنالوا :: إجازات عزيزات المنال
مثال العقل نعلا حذو نعل :: لو أن العقل صور في مثال
إلى خلق شهي الطعم حلو :: كحمر الدلو أوعنب الدوالى
إلى دين قويم هو مجرى :: سوابقه مجر للعوالى
أمشتري الثنا والحمد نقدا :: يدا بيد بأثمان غوال
ورثت المجد تعصيبا وفرضا :: تطاعن دون مجدك بالنوال
أراك أخذت بالوصفين منه :: وبالأقوى ورثت من الحبال
وإرثكه وجيه ليس بدعا :: فحبلك بالمعالي ذو اتصال
فأنت أب وعم وابن عم :: لها وأخ وخال وابن خال
وما أدلى فتى منها كريم :: بما أدليت من زين الخلال
ليهنك أنك الموتى قبولا :: وأن شباب مجدك في اقتبال
فأنت مبرز ورضى وعدل :: فبارك فيك ربك ذو الجلال
كلامك فضة والصمت تبر :: هما حق اليقين من المثال
فإن تنطق فعن ذكر وشكر :: ونافلة محللة العزال
وإن تصمت فعن عزم وحزم :: وفكر واعتبار في المآل
وليس النطق منك بذي انعقاد :: وليس العزم منك بذي انحلال
يماطلني زماني مذ زمان :: بزور من رجال بالتجالي
من آل الشيخ أحمد حضرمي :: ذرى، وذرى تشمش بني يدالي
ولو قضيت لنا معهم ليال :: جعلناهن تاريخ الليالي
على ذاك التجال وساكنيه :: سلام دونه نشر الغوالي
ولا زالت أوائل كل جود ::بساحتها تواصلها التوالي
وصلت القصيدة إلى الشيخ أحمد أبي المعالي وكان حينها بمدينة ألاگ وحين ألقِيت عليه، استحسنها غاية الاستحسان وقال: “ولد حامدن ذ گاع بعدنو عادْ أشعرْ من محمدو النانه ولد المعلى”.
انفض المجلس وفي فجر اليوم الموالي كان الشيخ يتوضأ لصلاة الصبح فالتفت قائلا لمن حوله: “هاذو أهل الگبله أخبار الشعر عندهم اكبيرة، هذ لمرابط – يقصد محمدو النانه ولد المعلى- البارح جاي من ذيك الأرض اعلَ ملت الكلمَه إلّ يامس وليقول لي : أراهوالكْ ماهُ أشعر مني إلَ (اتحركو سواكني).
ومن العجيب أنه بعد مدة جاءت قصيدة محمدو النانه ولد المعلى، التي يمدح بها الشيخ ومطلعها :
(تَحرّك ساكنٌ) وبدا خـــفيُّ :: من الأشواق وانقاد الأبيُ
وأضرم في الحشي نيران حزن :: تلظي ليس يصلاها الخليُ
ونَمّ عليه دمــعٌ مـستهل :: جمــوم ليس تنزحه الدّلِيُّ
وأنفاس زوافر صاعدات :: يشبّ وقـــودها زَنْدٌ وَرِيُّ
فراح عليه عازبُ كل هَمٍّ :: لمغناطيـسه يدنو القَصِيُّ
فأقْلقَهُ و أزعجــه ونَزَّي :: ضُلوعًا حشوُها الداءُ الدَّوِيُّ
غداة البين إذ زمُّوا المطايا :: فسارتْ بالمَهَي الأُدمُ المَطِيُّ
وفي الأظعان مِبْهاجٌ رَمتْني :: بسهمٍ ما يعيش لهُ رَمِــــيُّ
أشارتْ للوداع بـه و وَمْـ ءٌ :: بحاجبها هو السّمُّ الوَحِيّ ُ
فلم تخطئْ سوادَ العين مـني :: فــدَبَّ السحرُ فيه البابــليُّ
فسليتُ الهمومَ بذات لوْثٍ :: عُذافـرةٍ أبـــوها شَدْقَمِيُّ
كأنَّ وَريــدَ هاديها رِشــــــاءٌ :: يُماحُ بها لأعْكارٍ طَــــــويُّ
كأن سنامها قصـــرٌ مَشيـدٌ :: يُسامِي النجمَ تامكُه العـــِليُّ
كأنَّ محالـــها إذ نــــــضَّدَتْها :: وداخلَ بعضُها بعضاً صَــفِيُّ
وشَكّـتْ في جـوانبها خلوفا :: مُعَطَّــــفَة كـــما أُطـــرَ الحَنيُ
كأن عـسيبها قد شك فيه :: جناحيه بأَشْفَي مضـــرَحِيُ
تُمِرُّ به وراءَ الـــرِّدْفِ قِنْواً :: حَناهُ البُسْرُ و الرُّطبُ الجَنِيُ
دَرَأْتُ لها عُلاذيا عليه :: تَهاويلٌ و وَشْيٌ عــــبْقَرِيُّ
تَنَــوَّقَت الأكُفُّ بــه بأبْهي :: وأحسن ما تنوقت اليُـــدِيُ
فَهَــبَّتْ كالجهامة صففتْها :: جَنــــوبٌ بالعـَــشِيِّ لها هوّيُّ
عساها أنْ تُبلِّغَني كــريمًا :: مـــن الفتيان تَحسدُهُ الفُتِـيُّ
إمامَ طريقة مُثْلَي و شيخًا :: مــــن العلماء منهجه سَـوِيُّ
أماتَ المُحْدثات و سَلَّ سيفا :: علي أعناقها منهُ كَمِيُّ
لسانٌ ناطقٌ بالحق يفْرِي :: كما يفري الحُسام المَشـرفيُّ
ولُبٌّ لا يُـــفارقُه عتيدٌ :: وقــــلبٌ عـــــارفٌ بَـرٌّ تَقِيُّ
هو الشيخُ الكبيرُ أبو المعـالي ::أ بوهُ الحضرمي لـــه سمي
له تعزي المعالي و هو يعزي :: لها نسبٌ من الدعوي نَقِيُّ
يحن إلى مواطنها ويصبو :: كما يصبو إلى الأم الصبيُ
تولاها فكان لها وكانت :: له فهو الأحقُ بها الولي
له منها الملاطف والمصافي :: ومنه لها المسامر والنجي
فساد العالمين بكل شيء :: يسود بمثله الندبُ السريُ
جميع المسلمين له عيال :: يعولهم السخي الأريحي
ويدفع عنهم الشرف الدواهي :: فما إن يستباح له حمي
وكم من مشكلات معضلات::علي الخريت مسلكها خفيُ
جلا إلباسها فإذ المعمى :: لشعلة فهمه فلق جلي
سل الخلطاء والغرباء عنه :: يخبرك المعاشر والأتي
بأن الدين عند الله ثاو :: لديه وعنده العيش الرخي
سل الخطباء والأدباء عنه :: إذا ماضمهم معه النديُ
هل امتلأ الندي به صوابا :: وميز من أطايبه الردي
وهل ثهلان ذو الهضبات فيه :: تحلحل عندما جهل البذي
وسل عنه قدورا راسيات :: تصاديها الإماء لها دويُ
تضل الناب في الحجرات منها::ويؤذي المصطلي منها نفي
تصد طهاتها بصياب نبل :: هوابط تارة ولها رقيُ
فتفرغ في جفان كالجوابي :: ثقال ماينوء بها الدني
مكللة عبيطا من سديف :: كما نشر الرداء الشرعبى
كأن الآكلين وقد دعاهم :: بياض الشحم واللحم الطري
وراغ من حليب أو ثريد :: يلذ الحلق مطعمه الشهي
أصاريمٌ وأذواد طباها :: فجمعها على قيظ ركي
وسل عنه رجالا قد تفانوا :: بذكر الله حالهم سني
إذا غلبوا على الكتمان باحوا :: ببعض السر فارتاب الغبي
فيحسب ما أتوا منه جنونا :: طفيلي الطريقة والدعي
ولا إنكار إلا لابتداع :: يراغم مابه جاء النبي
صلاة الله يتبعها سلام :: عليه نشره المسك الذكي
كما المواق في السنن اعتماه :: فدان له المعاند والعصي
ورب الفن أبصر ليس يخفي ::عليه الرافضى والاشعري
وذاك هو الإمام أبو المعالي :: محك التبر نعم الصيرفي
كامل الود
من صفحة Sidi Mohamed