خطاب وزير الشؤون الإسلامية بنناسبة اختتام مؤتمر بذل السلام للعالم المنظم في انواكشوط
خطاب معالي وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي السيد/ الداه سيدي أعمر طالب في ختام مؤتمر “بذل السلام للعالم” المنعقد بانواكشوط
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.
فخامة رئيس جمهورية النيجر الشقيقة الموقر.
أصحاب المعالي الوزاء.
أصحابَ السعادة السفراء.
السيد رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة.
أصحابَ الفضيلة العلماء.
السادةُ المفكرون والمثقفون وقادة الرأي.
أيها الجمع الكريم.
لنا الشرف العظيم بهذا المؤتمر العلمي “مؤتمر بذل السلام للعالم” الذي ينعقد في هذه الربوع، تحت رئاسة فخامةَ الرئيس السيد/ محمد ولد الشيخ الغزواني.
وهي فرصة للثناء على الدور الذي يلعبه شيخنا العلامة الشيخ/عبد الله بن بيه في تعزيز السلم ونشر قيَمه، والتذكير بفقهه وإشاعته بين العالمين الذين بُعِث رسولنا صلى الله عليه وسلم رحمةً لهم.
إن السلم الذي يحتاجه العالمُ كلُّه، وتحتاجه مجتمعاتُنا المسلمة جميعا، ونحتاجه في السياق الإفريقي بشكل أخص، لا يتأتّى إلا نتيجةً لتربيةٍ وقناعاتٍ تُنتِجُ السلمَ سلوكا ماثلا يتحدثُ عن نفسه في كل ميادين حياةِ الناس.
وهذه التربيةُ تحتاجُ إعمالَ المفاهيمِ الشّرعِيةِ وإفشاءَها والسيرَ في أنوارِها من غيرِ تَخَيُّرٍ ولا اجْتِزاءٍ.
فيجب أن يُعيدَ مُرشدونا ومُرَبُّونا التذكيرَ بأن الجنّةَ التي هي مُنْيةُ كل مسلِم ومُبتغاهُ لا مجال لدخولها ما لم نُحققِ المحبةَ بيننا، ومن أكبر ما يُعينُنا على تلك المحبة إفشاءُ السلام بيننا (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلامَ بينكم)، كما يجب أن يُعيد مرشدونا التذكيرَ بأن رسولَنا صلى اللهُ عليه وسلم قد حدد أخَصَّ خصائص المسلم الحقِّ بقوله: ( المسلم مَن سلِم المسلمون من لسانه ويده)
وهذا ما استشعره أئمةُ هذه الأمة وصُلحاؤُها عبر الزمن، فكان هذا خلاصةَ علمهم، ومَعْلَمَ نهجهم، فقد روى الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء أن رجلا كتب إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أَنُ اكتبْ إليَّ بالعلم كله ،فكتب إليه عبد الله بن عمر: “إن العلم كثير، و لكن إن استطعتَ أن تلقى الله تَعالى خَفِيفَ الظَّهْرِ من دِماءِ المسلمين ،خَمِيصَ البَطْنِ من أموالهم ،كافَّ اللسان عن أعراضهم ، لازِمًا جماعتَهم ،فافعلْ”
فكانت هذه زبدةَ العلم وخلاصتَه عنده.
وقد تفَطَّن علماء الأمة للمنزلة القصوى التي تحتلها وحدةُ الكلمة في اعتبار الشرع، وتكفي من ذلك ملاحظة الإمام الصنعاني رحمه الله في كتابه سبل السلام حين قال في تأمُّلٍ عميقِ الدلالة: “انظُرْ في حكمةِ الله و محبتِه لاجتماع القلوب كيف حَرّم النميمةَ وهي صدق لما فيها من إفسادِ القلوب وتوليد العداوة والوِحشةِ، وأباحَ الكذبَ وإن كان حراماً إذا كان لِجمعِ القلوبِ
وجلْبِ المودة وإذهابِ العداوة”
يجب أيضا أن يُدركَ المصلِحون الساعونَ إلى رص الصف ووحدةِ الكلمة أن أغلبَ ما يحدُثُ من القطيعةِ بين الناس تكون عوامِلُهُ النفسيةُ أقوى كثيرا من العوامِل الواقعيةِ، وحين يحدُثُ التلاقي تتكسّر تلك الحواجزُ النفسيةُ، ويَتَبَيَّنُ أن حواجزَ الواقعِ أقلَّ ضَآلةً مِنْ أن تُفَرِّقَ بين الأخِ وأخيه، ذلِكَ أن القطيعةَ غربةٌ، “ومَن يغْتَرِبْ عدُوًّا صديقَه” وهنا يجب إعمالُ الحديث النبوي الصحيح: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان: فيُعرض هذا، ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» فيجب على كل منا أن يبدأ أخاهُ بالسلام ويُنهيَ القطيعةَ باعتبار ذلك أمرا وتكليفا إلهيًّا نَأثَمُ بتركه.
إن حَمْلَ همّ السلمِ الأهلي في كل دولةٍ من الدول هو نقطة العبور الرئيسيةُ نحو السلم في مجتمعاتنا المسلمة، ونحو السلم العالمي بشكل أوسع، فمِن واجب حمَلَةِ الوعي وموجِّهي الرأيِ العام في أوطاننا أن يُدرِكُوا خطورَةَ دقِّ الإسْفينِ بيْن الأطياف والمكونات الوطنيةِ مهما كانت.
وهنا يحق لنا أن نشيدَ بتجربةِ فخامة الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الذي جعل في طليعة تعهداته العملَ على خلق جو سياسي وطني هادئ، وهو ما تحقق بالفعل، فسادَ جَوٌّ من الاحترام والتقدير والتلاقي بين مختلف الأطياف الوطنية، و عمِلَ على تخليق الممارسة السياسية بشكل عام، فاحتفت مظاهرُ التنابز والشحن، وساد التشاور، وعم الهدوء، ليتفرغَ أصحاب الرأي للتفكير الجامع في سبُل مواجهة التحديات التنموية والاستراتيجية للوطن، وهو ما سينعكس خلال التشاور الوطني الذي يتم الإعداد له الآن.
لقد أبَان فخامةَ الرئيس أن ألقائد الحقّ هو من يسعى لِلَمّ الشمل، وتقريبِ الأخ من أخيهِ الإنسان، وأن الشّيطَنةَ والتفريقَ والدخولَ في الحزازات والاصطفافات ليست من صفات الزعماء، “وليس زعيمُ القوم مَن يحمل الحقدا”.
إن القلوبَ اليومَ تحتاجُ إلى فرسان القيم والأخلاق مِن أصحاب الآفاق الرحبة والأحلام الراجحة، المُبتعدين عن الحزازات والنعرات، والعاملين على تَجْسِير الصِّلاتِ لا تكسيرِها، لكي ينتَصبوا قدوةً أمام الناس في زرع الود وكبْح جماح الحقد، إحياءً لهديِ رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم الذي عاش عاملا على تأليف القلوب ووحدة الكلمة ورص الصف.
فالشرعُ والمصلحةُ يقضيان أن الأصلَ هو التلاقِي لا التلاغِي، والوِئامُ لا الخصام، والتجْسيرُ لا التَّكسير.
أخيرا أعلن باسم فخامةَ رئيس الجمهورية اختتام أعمال “مؤتمر بذل السلام للعالم”، مُعوِّلًا على مُخرجاته، راجيا لضيوفنا الكرام مقاما سعيدا في وطنهم هذا، وعودا ميمونا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته