سياسة “الوطي اعل لگدام”
يحكى أن اجمبتْ امبودج، والدة أمير الضفتين اعل ولد محمد لحبيب كانت تبالغ في تدليله و توفير ما يطلبه من الألعاب و غيرها… و كانت حريصة على أن يكون له أقران من أبناء نبلاء مملكتها.
و ذات يوم، دخل عليها و هو يبكي، فأظلمت الدنيا في عينها و استفسرته عن سر بكائه فقال لها إن قرينه ممادو أوجعه ضربا… فما كان منها إلا ان استدعت السياف و أمرته بقطع رأس ممادو، المعتدي علي فلذة كبدها.
خرج السياف طائعا لأمرها يبحث عن الطفل المغضوب عليه و لما ظفر به، ذهب يجره إلى حيث سينفذ فيه حكم الملكة… و من حسن حظ الفتى أن خادما مسنا من حكماء “القصر” التحق بالسياف و نصحه قائلا : “إياك إياك أن تقتل هذا الصبي… فإنه أقرب و أعز أصدقاء الأمير اعل على قلبه… و ثق بأن الأمير سينسى ما جرى بينهما بعد حين و سيبكي ليحضر له ليلعبا لعبتهما المفضلة… و عندئذ، ستتأثر الملكة من بكاء ابنها و ستطلب منك احضار قرينه على جناح السرعة و إن لم تفعل فستأمر من يقطع رأسك بسيفك هذا”…
فكر السياف في نصيحة الحكيم فأخفى الصبي عن أعين الناس و عاد إلى الملكة ليخبرها بأنه نفذ تعليماتها السامية… و كان الأمر على ما وصف : ففي صبيحة اليوم الموالي، لم يعد الأمير الصغير يتحمل ما راج من أخبار خليله و انتابته نوبة من البكاء الشديد و صاح أن احضروا لي ممادو… فتألمت الملكة لصراخ ابنها الوحيد و عنفت السياف المسكين و أمرته بأن يحضر ممادو في الحين … جيئ بممادو من مخبئه و عاد إلى اللعب مع قرينه المدلل و عادت المياه إلى مجاريها الطبيعية…
هذه القصة تشبه إلى حد بعيد طبيعة العلاقات بين الدول و تعطى صورة عن مدى سرعة تقلب مزاج السلاطين… فهم في فن السياسة “كلهم أطفال”… يتشاجرون و يتقاطعون مثل اعل و ممادو و لكنهم سرعان ما يعودون إلى سابق عهدهم و ينسون خلافاتهم الماضية دون أن يعبؤوا بما سالت به اقلام من عابوا قراراتهم و من انتصروا لها.
لذا، فما علينا نحن إلا ان نريح أقلامنا من عنتريات السب و المدح التي دأبنا عليها بعد كل خلاف بين زعيمين… فليس لنا من الأمر شيئ و لن نجني من ذلك التطفل إلا “وجه المكشرْ” و تدوينات نارية ستبقى إلى الأبد شاهدة على أننا “نميل” مع القرارات “حيث تميل”…
منقول