آراء وتحليلاتالأخبار

اغتصاب العقول اخطر من اغتصاب الأجساد / د.محمدعالي الهاشمي

 

إن العقل هو النعمة التي كرَّم الله تعالى بها الإنسان وميَّزه بها عن سائر المخلوقات، ولأهمية العقل وضرورة الحفاظ عليه جعل الله تعالى حفظ العقل من مقاصد الشريعة الخمسة، وهي (الدين، النفس، العقل، النسل، المال)، ولأهمية العقل وضرورة الحفاظ عليه أيضاً حرَّم الله تعالى كل ما يُغيِّب العقل من خمر ومخدرات وهلوسه وكل ما شابهه، ورفع الله تعالى القلم عن الطفل والمَجنونِ الفاقد لعَقلِهِ أو المَعْتُوهِ حتى يَعْقِلَ.

وهب الله تعالى الإنسان عقلا يفكر به وميزه به عن باقي مخلوقاته، وذلك العقل قد يتحول ـ إن لم يستعمل استعمالا صحيحا ـ ويوظف توظيفا دقيقا يتحول إلى عنصر هدم للإنسان والمجتمع، ولذا فإن تركيع البشر والمجتمعات والشعوب يبدأ أولا بتغييب العقول، وتهميش الأفهام، والعمل على تحجير الأفكار وتجميدها عند لحظة معينة.

لابد أن ندرك أن اغتصاب العقول أكثر فداحة وأشد إجراماً وأصعب أثراً من اغتصاب الأجساد، وقد تفنن الاستعمار فى اغتصاب عقول الشعوب المستعمرة، للسيطرة عليها وإذلالها وتطويع شعوبها لتكون تحت سيطرته إلى الأبد.

وحتى نرى سوياً أبشع صور اغتصاب العقول.. تعالوا معى نقرأ هذه القصة الموحية والتى تفضح كل الأسرار:

فى عاﺻﻤﺔ الهند ﻧﻴﻮﺩلهى، ﻛﺎﻥ ﺳﻔﻴﺮ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻳﻤﺮ ﺑﺴﻴﺎﺭﺗﻪ ﻣﻊ ﻗﻨﺼﻞ مملكته، ﻭﻓﺠﺄﺓ ﺭﺃﻯ ﺷﺎﺑﺎً ﻫﻨﺪﻳﺎً ﺟﺎﻣﻌﻴﺎً ﻳﺮﻛﻞ ﺑﻘﺮﺓ.. ﻓﺄﻣﺮ ﺍﻟﺴﻔﻴﺮ ﺳﺎﺋﻘﻪ بأن ﻳﺘﻮﻗﻒ ﺑﺴﺮﻋﺔ، ﻭﺗﺮﺟّﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻣُﺴﺮﻋﺎً ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ «ﺍﻟﻤﻘﺪﺳﺔ»، ﻳﺪﻓﻊ ﻋﻨﻬﺎ ذلك ﺍﻟﺸﺎﺏ ﺻﺎﺭﺧﺎً فى ﻭﺟﻬﻪ، ﻭﻳﻤﺴﺢ ﻋﻠﻰ ﺟﺴﺪﻫﺎ ﻃﻠﺒﺎً للصفح ﻭﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ، ﻭﺳﻂ ﺩﻫﺸﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭﺓ، ﺍﻟﺬﻳﻦ اﺟﺘﻤﻌﻮﺍ ﺑﻌﺪ ﺳﻤﺎﻉ ﺻﺮﺍﺧﻪ، ﻭﻭﺳﻂ ﺫﻫﻮﻝ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ. ثم اﻏﺘﺴﻞ ﺍﻟﺴﻔﻴﺮ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎنى ﺑﺒﻮﻝ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ ﻭﻣﺴﺢ ﺑﻪ ﻭﺟﻬﻪ، ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺭﺓ إﻻ ﺃﻥ سجدوا ﺗﻘﺪﻳﺮﺍً للبقرة التى ﺳﺠﺪ لها ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ.

ﻭأحضرﻮﺍ ﺑﻌﺪﻫﺎ اﻟﺸﺎﺏ ﺍﻟﺬى ﺭكل البقرة ﻟﻴﺴﺤﻘﻮﻩ أﻣﺎﻡ ﺍﻟﺒﻘﺮﺓ اﻧﺘﻘﺎﻣﺎً ﻟﻘﺪسية ﻣﻘﺎﻣﻬﺎ ﻭﺭﻓﻌﺔ ﺟﻼﻟﻬﺎ، ﻭﺑﺮﺑﻄﺘﻪ ﻭﻗﻤﻴﺼﻪ ﺍﻟﻤُﺒﻠﻞ ﺑﺎﻟﺒﻮﻝ ﻭﺷﻌﺮﻩ ﺍﻟﻤﻨﺜﻮﺭ.. ﻋﺎﺩ ﺍﻟﺴﻔﻴﺮ ﻟﻴﺮﻛﺐ ﺳﻴﺎﺭﺓ اﻟﺴﻔﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﻘﻨﺼﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺎﺩﺭﻩ باﻟﺴﺆﺍﻝ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﻭﻫﻞ ﻫﻮ ﻣﻘﺘﻨﻊ ﺣﻘﺎً ﺑﻌﻘﻴﺪﺓ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺍﻟﺒﻘﺮ؟!

فأجاب ﺍﻟﺴﻔﻴﺮ إجابة تعكس عبقرية الطغيان على العقول، حيث قال: إن قيام ﺍﻟﺸﺎﺏ بركل اﻠﺒﻘﺮﺓ هو ﺻﺤﻮﺓ، ﻭﺭﻛﻠﺔ ﻟﻠﻌﻘﻴﺪﺓ الهشة، التى ﻧﺮﻳﺪﻫﺎ أن تستمر، ﻭﻟﻮ ﺳﻤﺤﻨﺎ ﻟﻠﻬﻨﻮﺩ ﺑﺮﻛﻞ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ.. ﻟﺘﻘﺪﻣﺖ ﺍﻟﻬﻨﺪ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﻋﺎﻣﺎً ﺇﻟﻰ الأمام.. ﺣﻴﻨئذ ﺳﻨﺨﺴﺮ ﻭﺟﻮﺩﻧﺎ ﻭﻣﺼﺎﻟﺤﻨﺎ ﺍﻟﺤﻴﻮﻳﺔ، ﻓﻮﺍﺟﺒﻨﺎ الوظيفى ﻫﻨﺎ ألا ﻧﺴﻤﺢ ﺑﺬﻟﻚ ﺃﺑﺪﺍً.. ﻷﻧﻨﺎ ﻧُﺪﺭﻙ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﻭﺍﻟﺨﺮﺍﻓﺔ والتعصب الدينى والمذهبى الفاسد ﻭﺳﻔﺎﻫﺔ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ.. هى ﺟﻴﻮﺷﻨﺎ التى نعتمد عليها فى ﺗﺴﺨﻴﺮ ﺍلمجتمعات.. هذا هو باختصار فن اغتصاب العقول!

فهل عرفنا لماذا يدعم الغرب كل مشروع دينى ايديولوحي فاسد، أو منحل؟ ، هل عرفنا لماذا يفضل الغرب الأنظمه الفاسده ؟هل هل عرفنا لماذا يفضل الغرب المتملقين والمنافقين علي الشرفاء في مجتمعهم؟هل عرفتم أننا اذا نضجنا فكريا وحكمنا حكام وطنيون سنزرع ونصنع  ونبني وننافسهم  بل ونتطور اكثر منهم وهذا لايريده الغرب ؟هل عرفتم ان تمزيق الوحده الوطنيه واشعال العنصريه تخدم الغرب ونحن نقدم الثقاب ليشعلو بها حرائقنا ؟هل عرفتم ان حقوق الانسان والعداله الاجتماعيه والامن والاستقرار التي صدعونا بها مجرد شعارت لتحقيق اهداف اخري ؟هذه القصه عبره واضحه لكل من يظن ان الأنظمه مستقله في قراراراتها وسياساتها وتخدعه شعارات الانسانيه والعداله الاجتماعيه والمساواة التي يتشبث بها الغرب

من قصص اغتصاب  للعقول

قائد الاستعمار الفرنسي كبولاني اللذي كان يتقن اللغه العربيه وقواعدها النحوية…..وكان ملما بالفقه والحديث والسيره ويتقن (الغن الحساني وبحور ازوان) ويقرأ تاريخ المنطقه وكثير الجلوس مع الشيوخ الكبار ويحترم العادات والتقاليد ويمنع الحديث في مجلسه باللغه الفرنسيه وكان يحضر الأعياد ويتصدق علي الفقراء ويلبس (الدراعه) وسروالها.

إن هذه القصة تعبر عن وجه من وجوه فن اغتصاب العقول الذي يهدف من خلاله كبولاني الاعطاء الصوره المثاليه التي   تترك انطباعا حسنا عنه لدي المجتمع من اجل السيطره عليه عقليا وفكريا وهذا النوع نجح في إفريقيا لكنه فشل بفضل المجاهدين الأشاوس تقبلهم الله مع الشهداء والصديقين ولم يرحب به من طرف مجتمعنا .

اما دور الإعلام في تغييب وعي الرأي العام واغتصابه عقليا

فهذا هو اخطر نوع من فن اغتصاب العقول وتغييب الوعي والتضليل والتلاعب بالألفاظ والمصطلحات مثل ما نشاهد في الأفلام والمسلسلات

إن الذراع الذي لا يستغني عنه أي نظام   هو الذراع الإعلامي.

الإعلام يقوم بدور السحرة الذين يسحرون أعين الناس ويسترهبونهم لذلك تجد أن أول ما يسعى إليه أي نظام هو امتلاك منظومة إعلامية قادرة على تغييب وعي الجماهير وإضلالهم من حيث لا يشعرون.

إن الآلة الإعلامية المُضللة لديها القدرة على إقناع الجماهير بأنه لا فرق بين  موسي وفرعون وبين الملح والسكر

إن الآلة الإعلامية المضللة من شأنها الترويج للاستراتيجيات التي تستخدمها الأنظمة  من أجل ترويض الشعوب، وتدجين الجماهير، وجعلهم مطية ذلولة الظهر لا تشتكي ولا تتمرد ولا تثور.

وذلك يكون من خلال الوسائل التالية:-

1- بث الخوف والطمأنينة احيانا  لدى الرأي العام وإقناعه ببعض الخرجات التي يوزع فيها بعض المصطلحات والمفاهيم السياسيه التي لا يدرك العامي معانيها وتحتاج لعبقري في العلوم السياسيه كي يتوصل الى بعض معانيها بعد الكثير من التحليل والمقارنه.

2- تكريس الهجوم على الشخصيات الناجحة والرموز المتحررة التي لا ترضى الظلم ولا تقبل العيش في كنف نظام الفساد والغبن والتهميش والزبونيه، وتصوير هؤلاء على أنهم لا يفهمون شيئا .

3- استغلال جهل الجماهير في تزييف الحقائق التاريخية بل والثوابت الدينية، بما يتناسب مع سياسة النظام .

4- ممارسة سياسة انتقاء الخصوم وافتعال الأزمات وإدارتها وتسييرها بطريقه عبثيه مسرحيه لاتنطلي علي اصحاب العقول

5- اتباع سياسة شيطنة الخصوم وتأليب الرإي العام عليهم وحرمانهم من اي فرصه

6- التغاضي والتبرير والتستر على أخطاء النظام، وإظهاره دائماً بالدور البطولي الذي إذا سقط ستسقط معه كل أركان الدولة وسيكون الوطن والشعب مستباحاً لغيره من الدول والشعوب.

إن كل ما سبق جعل وزير الإعلام الألماني جوزيف جوبلز يقول: (أعطني إعلاماً بلا ضمير أعطك شعباً بلا وعي).

وأخيراً إن سياسة تغييب الوعي واغتصاب العقول تفرض على المجتمع سياسة الأمر الواقع وتجبره على التعايش معها، كما تهدف إلى تقويض أي فكرة أو محاولة من شأنها إيقاظ الوعي والخروج بالمجتمع من المستنقع الآسن الذي يعج بالجهل والضلال والتضليل.

وإن دور الطليعة الواعية المخلصة هو أن تفضح كل حيل وألاعيب من شأنها تغييب الوعي واغتصاب العقول ، كالسياسات الغربيه والايديولوحيات والمساس بالنسيح الاجتماعي والوحدة الوطنيه والتطرف……..كما أن من صميم دور الطليعة الواعية المخلصة أن يكون لها خطتها المستقلة التي تهدف إلى الرقي بوعي المجتمع وانتشاله من المستنقع الآسن، حتى لا تكون تصرفات الطليعة الواعية مجرد ردود أفعال لممارسات النظام، وحتى لا يستخدمها النظام لتحقيق بعض أهدافه وهي لا تدري.

وأقول:

إن الجماهير الواعية لا تسمح لنفسها أن تكون الاختيار الأخير للنظام الحاكم، ولا أن تكون مُهمشة كالهمزة، ولا منسية كعلامات الترقيم، ولا تبنى للمجهول إلا تقديراً وتفرداً، وتقبل الموت ولا تقبل أن تكون نكرة.

إن هذا كله لا يكون بعنترية جوفاء ولا بتصرفات حمقاء هوجاء بل بمعرفة للذات، ووعي يستعصي على التغييب، وبحسن تقدير للأمور، وبقراءة المشهد من كل جوانبه وكل أطرافه ومآلاته.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى