متلازمة الفساد والاستبداد / الحسن ملاي اعل
حالة الانحطاط والتردي، غير المسبوقة، التي تعيشها اليوم مجتمعاتنا الإسلامية، في مختلف أقطارها، والتي تضيق لها صدور المشفقين عليها، ألما وحسرة، ويبتهج لها كل حقود متربص، لؤما وشماتة؛ ليست حالة ميئوسا منها، مهما بدت مقيتة تناسبها، وتنطبق عليها الأوصاف والتعوت الغالبة على مفردات القاموس اليومي للناس فيها، من قبيل النكبات والنكسات والهزائم والفشل والتخلف، وذهاب الريح..!
لا يعني الأمر اي مستوى من الرضا عن الحالة الراهنة لخير أمة أخرجت للناس، وموقعها في مؤخرة المسيرة البشرية؛بل هو يعيد طرح السؤال القلق الحائر: «كيف وصلت الأمة بكل مجدها وعطائها، وبرسالة الخير التي حملتها فادتها، وبزخمها التاريخي، وامتداداتها الجغرافية الشاسعة، وتنوع أعراقها وألوانها والسنتها، وغنى ثقافاتها؛ وبثرواتها الطبيعيهة الهائلة، فوق الارض وتحتها، وفي أعماق البحار؛ كيف ولماذا وصلت إلى هذا الحضيض»؟!
كيف باتت تلك المجتمعات التي ظلت زينة الحضارة الإنسانية طوال القرون،، غثاء كغثاء السيل، وكيف انتزعت المهابة منها من قلوب عدوها، ثم قذف فيها الوهن؟! إنها تساؤلات جاء الجواب عنها في قبس من النبوءة؛ لقد تداعت عليها الأمم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، وهي غثاء كثير، كغثاء السيل، فباتت لقمة سائغة لكل الاطماع، بل هي اليوم مجرد لهوة كبيرة، تستحقها رحى الفساد والاستبداد، سحقا.
فساد هو من كسب ايدي الناس، يعم البر والبحر، متكئا في كل العصور على ذراع الاستبداد القوية، وبؤره التي تمده، وتعيد تصنيعه وتاهيله، كلما ضجر الناس من مرارته، فهبوا لاقتلاعه من جذوره، فيواحههم الاستبداد بإغراق العباد والبلاد بموجات فساد جديدة لا قبل لهم بها؛ وهكذا يستند كل من الفساد والاستبداد في صنع عوامل بقاىه وتطوره وتغوله، على الٱخر، فما يقتأ أحدهم يمد حليفه، باعتبار بقاء أحدهما بقاء لهما معا..
كان العلامة ابن خلدون، مبتكر علم الاجتماع البشري، قد فطن مبكرا لتلك المتلازمة، فحذر منها ومما يكتنفها من فساد ودمار وتشوهات غائرة، أبرز عناوينها، سقوط الأقنعة، وضياع المعايير والموازين، والتباس الحق بالباطل، ثم يحتل الساحة العرافون الخراصون، والمفتون المتفيهقون والمدّاحون الهجّاؤون.؛ ثم يسود الرعب، ويلوذ الناس بالطوائف، وتظهر العجائب، وتعم الإشاعات.
ويتابع ابن خلدون، في المقدمة: ثم يتحول الصديق الى عدو، وينقلب العدو صديقا، ويعلو صوت الباطل.. ويخفق صوت الحق.. وتظهر الوجوه المريبة، وتختفي الوجوه المؤنسة؛ ثم تسري الشائعات، وتحاك الدسائس والمؤامرات، وتكثر المبادرات، ويتدبر المقتدر أمر رحلته، والغني أمر ثروته، ويتحول الناس الى مهاجرين، والوطن الى محطة سفر.. والمراتع الى حقائب، والبيوت الى ذكريات والذكريات الى حكايات..
– يتبع-