عن مشروع رصيف الحاويات / محمد امربيه رب الشيخ ماء العينين
و صلني ككثير من المواطنين تقرير اللجنة البرلمانية و تقارير مكاتب الاستشارات الدولية التي أبرمت معها لجنة التحقيق عقودا لمساعدتها في التحقيق و التدقيق في جوانب من الملفات المعروضة أمامها. أردت أن أقرأ تقارير المكاتب الدولية فهي في رأيي ستكون تقارير تقنية، حيادية و غير مسيّسة و ستعطينا نظرة مجردة عن ما حصل بالفعل في هذه الملفات.
بدأت بملف مشروع رصيف الحاويات و سأحاول شرح و تبسيط ما فهمت من التقرير.
(1 من هي شركة آريز موريتانيا الحاصلة على المشروع ؟
من دون دخول في تفاصيل كثيرة، و صل إلى البلد رجلان من الهند و اجتمعا بوزير التجهيز و النقل آنذاك السيد محمد عبد الله ولد اوداعه و رئيس الوزراء يحي ولد حدمين ويبدو أن وزير التجهيز و الهنود لا يتذكرون كيف حدد الموعد بينهم و حول ماذا دارت النقاشات في هذا الموعد !.
المهم أن هذان “المستثمران” أسسا شركة خاضعة للقانون الموريتاني برأس مال زهيد قدره 500 ألف أوقية !. مناصفة بين الاثنين (اي بحصة٥٠% لكل منهما) . هذه الشركة ستغير اسمها لاحقا لتصبح آريز موريتانيا. الغريب أنه بعد يوم واحد من تأسيس الشركة، سيوقع وزير النقل مذكرة تفاهم تُعنى بميناء نواكشوط مع الشركة تمنحها فترة حصرية لمدة 4 أشهر قابلة للزيادة. هذه المذكرة تعتبر دخولا في تفاوض مباشر مع الشركة في انتهاك صارخ لقانون الشراكة بين القطاع العام و الخاص.
(2قانون الشراكة بين القطاع العام و الخاص
لا أريد أن أدخل في تفاصيل القانون، لكن أريد أن أبين معلومات مهمة حوله:
• هذا القانون يمكن الدولة من اعتماد شراكة مع القطاع الخاص من أجل القيام بمشاريع كبيرة لا تستطيع الدولة أن تمولها من مواردها الخاصة، و هذا يمكن أن ينطبق على مشروع توسعة الميناء، و في نفس الوقت يشغل الشريك المشروع مدة معينة حتى يستعيد المبلغ المستثمر و يحصل على عائد ربحي.
• هناك محفظة للمشاريع الموجهة للشراكة بين القطاع العام و الخاص و مشروع رصيف الحاويات لم يكن من بين هذه المشاريع.
• القانون يحدد أن هناك 4 جهات مسؤولة في إطار الشراكة بين القطاع العام و الخاص و هي :
– الهيئة المتعاقدة و هي المسؤولة عن المشروع على سبيل المثال وزارة التجهيز في إطار مشروع رصيف الحاويات.
– اللجنة الوزارية المشتركة و هي المسؤولة عن تطوير الشراكة بين القطاع العام و الخاص.
– لجنة الدعم الفني .
– وأخيرا خلية الشراكة بين القطاعين العام والخاص وهي الجهاز التنفيذي.
الجهتين الأخيرتين تتبعان لوزارة الاقتصاد.
كل واحدة من هذه الجهات تلعب دورا أساسيا في هذا النوع من الشراكات لكن أغلبها غيب تماما في إطار هذا المشروع في انتهاك صارخ للقانون.
• يلزم القانون (المادة 12 ( الهيئة المتعاقدة (وزارة التجهيز) أن تقوم بدراستين: دراسة جدوائية للمشروع (دراسة مالية، تقنية، بيئية، اجتماعية إدارية وقانونية) ودراسة ميزانية للتأكد إن كان المشروع مأهلا للشراكة بين القطاعين العام والخاص أو من الممكن القيام به على موارد الدولة بدل “إيجاره” مدة 15 أو 20 سنة لمستثمر خاص مع ما يترتب على ذلك من خسارة. لم تقم الوزارة بأي من الدراستين، بل على العكس، طلبت من شركة آريز أن تقوم هي بدراسة عن المشروع !.
و نذكر أيضا أن شركة آريز هي من قامت بصياغة دفتر الالتزامات !!.
• بعد إقرار الدراسات، القانون يلزم الإعلان عن مناقصة مفتوحة للمشروع ويخضع لمدونة الصفقات ليتمكن كل مستثمر، إذا أراد، أن يشارك في الإعلان.
• المادة 19 من القانون، تنص على أنه لا يمكن التوجه إلى مفاوضات مباشرة (عدم الإعلان عن مناقصة مفتوحة) إلا في حالات نادرة لا تنطبق يقينا على مشروع رصيف الحاويات.
(3عرض شركة آريز
تمسكوا جيدا ! وصل عرض آريز لوزارة التجهيز و هو عرض مكون من …صفحتين !. كيف يمكن أن يكون عرض جدي لمشروع عملاق و استراتيجي مكون من صفحتين ؟ . الصفحة الأولى مخصصة للتعريف بشركة OLAM ، التي لا تمت بصلة لهنودنا الأعزاء. و إذا عرفنا أنه يجب ترك هامش من الصفحة الثانية للتواقيع، يمكننا القول أن العرض أتى في نصف صفحة!!!.
هنالك أمرا آخر غاية في الأهمية. من المعروف في المالية أن قرار الاستثمار من عدمه عند كل مستثمر يبنى غالبا على مقارنة بين المردودية الداخلية للمشروع ) (TRI, IRRو المتوسط المرجح لتكلفة رأس المال(Coût du capital,wacc) . بمعنى أن كل مشروع لديه مردودية و كل مستثمر ينتظر مردودية ما حسب مخاطر المشروع، إذا كانت مردودية المشروع أقل من المردودية المنتظرة سيرفض المستثمر هذا المشروع (projet non bancable) .
في العرض المالي المقدم من آريز كانت مردودية المشروع %10 و المردودية المنتظرة حسب مخاطر المشروع و البنية المالية للاستثمار (حصة الدين وحصة رأس المال) هي %14.3 وهذا لو كان صحيحا لرفضت آريز الاستثمار.
هذا يعني ببساطة أن مردودية المشروع ليست %10 بل أكثر من %14.3 و أن آريز تعمدت خفض التوقعات المالية للمشروع لتخفض في نفس الوقت العائدات التي ستدفعها للدولة الموريتانية، وهذا كان يجب على مسؤولينا التنبه له و رفضه.
للأمانة التقرير ذكر أن رئيس لجنة الدعم الفني أرسل رسالة شاركها مع زميل من وزارة الشؤون الاقتصادية والمدير العام للبنية التحتية والنقل الذين لم يردوا. في هذه المذكرة ، يؤكد رئيس لجنة الدعم الفني أن العرض موجز للغاية ولا يشرح كيف يتناسب تشغيل المحطة المقترحة مع منطق الإدارة المتكاملة لميناء نواكشوط المستقل. ويشدد على أن فترة الامتياز المقترحة طويلة جدًا (49 عامًا). كما شدد على خطر أن يجد المروج نفسه في موقع مهيمن وعواقب مثل هذا الموقف على ميناء نواكشوط. وهذه يمكن أن تكون “الحسنة” الوحيدة التي أطلعت عليها في هذا التقرير
أرسلت آريز عرضها لميناء نواكشوط وأصبح المدير التقني للميناء، بقدرة قادر، هو المحاور الجديد للشركة وهو لم يكن أصلا معنيا بالموضوع وأعطى المدير التقني موافقته على مطابقة عرض آريز للخطة الرئيسية للميناء نواكشوط.
في النهاية توصلت آريز مع لجنة الدعم الفني لاتفاق على الأمور المالية ولم تناقش أو تدرس الأمور التقنية.
(4العقد أو الاتفاقية
قانون الشراكة بين القطاع العام و الخاص ينص في مادته الأولى أن عقود الشراكة من هذا النوع هي عقود إدارية ، تتم تسوية النزاعات بواسطة آليات التسوية المتفق عليها في العقد “ويضيف” يجب أن يحابي العقد التوفيق والوساطة والتحكيم على اللجوء إلى المحاكم المختصة في المسائل الإدارية. بدل توقيع عقد، فضلت الحكومة توقيع اتفاقية و هذا الاختيار ليس بريئا فهو يفرض، بدل التفضيل، تسوية النزاعات بواسطة آليات التسوية و لا يتيح إمكانية التقاضي أمام المحاكم الإدارية المنصوص عليه في قانون الشراكة بين القطاع العام و الخاص.
في العقد، عفوا أعني الاتفاقية، اتخذت آريز جميع الإجراءات التي تضمن مصالحها وتقلل من مخاطرها على عكس الجانب الموريتاني. على سبيل المثال :
-عند نهاية العقد سيصبح الرصيف ملكا للدولة الموريتانية، أغرب ما في الأمر أن في الاتفاقية لم يتم تحديد أي استثمارات لتجديد البنية التحتية و النتيجة أنه مع نهاية المدة ستجد الدولة أمامها معدات متهالكة و ستضطر لاستبدالها على نفقتها الخاصة.
– ليس على آريز أي التزام فيما يتعلق بمؤشرات الأداء و هذا مخالف للمادة 22 من قانون الشراكة بين القطاع العام و الخاص. يجب مراقبة الأداء بشكل دوري ويجب النص على العقوبات المالية في حال كان الأداء أقل من الهدف المحدد. في هذه الاتفاقية، لا توجد معايير للأداء ولا مراقبة ولا عقوبات.
-أيضا في هذا النوع من الاتفاقيات، تكون هناك رسوم أولية (رسوم دخول) و رسوم سنوية. أما في هذه الاتفاقية فتوجد فقط رسوم دخول, وهي5 ملايين دولار، بالمقارنة رسوم رصيف الحاويات في ميناء أبيدجان هي 25 مليون دولار و كان ذلك في 2009 !
(5 المصادقة على الاتفاقية
بعد توقيع الاتفاقية، صادق مجلس الوزراء على هذه الأخيرة و تعقيبا على نتائج مجلس الوزراء، قدمت شركة آريز على أنها فرع لشركة OLAM العالمية و هذه ببساطة معلومة كاذبة كما سأبين لاحقا.
بعد مصادقة مجلس الوزراء، أحيلت الاتفاقية للجنة الصفقات العمومية لإبداء “عدم اعتراض” و هذا أيضا مخالف للقانون، إذ أن اللجنة يجب أن تبدي رأيها قبل مصادقة مجلس الوزراء و ليس العكس. يبدو أن اللجنة لم يكن لديها خيار فقد أبدت رأيها في نفس اليوم الذي أحيلت لها فيه الاتفاقية.
(6 بداية التعقيدات
لأن هنودنا الأعزاء محترفين عكس مسؤولينا، بعد المصادقة على الاتفاقية و إزاحة جميع العقبات، سيبيعون جميع أسهمهم لشركة OLAM العالمية, هنا فقط أصبح يمكننا أن نتحدث عن شركة OLAM و ليس قبل هذا.
شركة OLAM بدورها ستبيع غالبية أسهم الشركة و من بين المشتريين صندوق تابع لشركة الشحن MAERESK ، التي يعتبر فرعها الموريتاني هو المشغل الرائد لحركة الحاويات في موريتانيا.
طبعا بعد إنشاء الرصيف الجديد ، ستختار شركة MAERESK الرصيف الجديد مسببة في نفس الوقت أزمة في الميناء الحالي و على العمالة في هذا الميناء. أنبه أن الدولة لم تحرك ساكنا مع أن قانون الشراكة في مادته 36 ينص على أن أي تحويل كلي أو جزئي لحقوق الملكية … يجب أن يحصل بالضرورة على موافقة مسبقة من الهيئة المتعاقدة و هذا لم يحصل.
طبعا هذا سيزيد تعقيد امكانية التفاوض من جديد أو إلغاء الاتفاقية، فالجهات المالكة اليوم للشركة ليست الجهات التي تعاقدنا معها في الأول.
الأسئلة المطروحة
كيف لدولة تحترم نفسها أن توقع مذكرة تفاهم غير قانونية مع شخصين مجهولي الهوية – الشخصين عرفا نفسيهما أنهما يمثلان شركة OLAM وهو ما أتضح بعد ذلك أنه محض افتراء – أسسا شركة برأس مال زهيد و وقعا المذكرة يوم واحد بعد إنشاء الشركة ؟
لا أعرف لمذا نعد كل هذه القوانين لتبقى في الأخير حبرا على ورق، هل صيغت فقط للتباهي أمام الشركاء الدوليين و الممولين ؟، كيف لدولة أن لا تحترم قانونا أعدته بمحض إرادتها و صادقت عليه جميع مؤسساتها ؟
لم أكن أتصور، و أنا الذي خدمت طوال مسيرتي المهنية في القطاع الخاص و ليست عندي فكرة عن ما يحدث في القطاع العام وجود هذا القدر من عدم المسؤولية، و اللامبالاة من أطر من الفروض أنهم من خيرة أبناء هذا الوطن.
هذا قطعا سوء تسيير و فساد لا يمكن أن يختلف عليه اثنان.