ثقافة

من روائع الأساطير والحكايات الموريتانية(6) / د. محمدو احظانا

صديق الكلب

قال لكم من قال لكم والبال لنا والبال لكم:
إن الكلب أحس يوما بعدم الأمان من المخاطر التي تحف به وهو يعيش في الغابة، أيام كان متوحشا فقرر أن يبحث عن أقوى صديق، لايخشى من أي كان ليتحالف معه.

****
ذهب الكلب في رحلته إلى الضبع المجاور، وقال له:
– أنا أشعر بعدم الأمان في الغابة وأبحث عن حليف قوي يحميني. وسأقف عند أمره ونهيه.
فأجابه الضبع:
– أنا قوي، وأستطيع أن أحميك، وأحتاج لمن يخدمني باجتهاد.
– إذن اتفقنا.
قال الكلب.
ظل الكلب يخدم الضبع طوال نهاره، حتى غربت الشمس وحل الظلام، فأخذ الكلب ينبح. صاح به الضبع:
– اسكت، قطع الله لسانك.
قال له الكلب مستغربا:
– لماذا أسكت؟ ألست في كنف من يحميني من كل خطر؟ هل تخاف من شيء؟
– أنا أخاف النمر.
فقال الكلب في نفسه:
– أه.. أنا احتمي بمن يخاف النمر؟!

****
في الصباح خرج الكلب قاصدا النمر، فلما جاءه، سأله النمر:
– ما حاجتك أيها الكلب؟
– أنا أبحث عن حليف قوي يحميني وأخدمه، وقد تحالفت مع الضبع، ولكنني اكتشفت أنه يخافك، فعرفت أنك أقوى منه.
– صحيح. تحالف معي أنا وسأحميك وتخدمني.
– اتفقنا. لك ذلك.
ظل الكلب يلبي طلبات النمر، حتى إذا أقبل الليل نبح الكلب نباحه المعتاد، فنهره النمر:
– اسكت، ثكلتك أمك.
– ومم تخاف أيها النمر؟!
– أخاف الأسد.
قال الكلب محدثا نفسه:
عجبا من النمر، يعدني أن يحميني وهو لا يستطيع أن يحمي نفسه؟!

****
بكر الكلب نحو عرين الأسد، ولما جاءه سأله الأسد:
– ماذا تريد أيها الكلب؟
– أبحث عن حليف يحميني وأخدمه كما يشاء.
قال له الأسد:
-أنا أحميك من كل الحيوانات، لكن مشاغلي كثيرة، لأنني ملك الغابة
فقال له الكلب:
ولو.. فأنا خدوم..
ظل الكلب يخدم الأسد وعرقه حزام، ولم يدخل رأسه ظلا، في تلبية أوامر الأسد، حتى إذا جن الظلام واختلط، عاودت الكلب غريزة النباح، فانتهره الأسد:
– اسكت عنا أيها المهذار.
– وهل تخاف من شيء ياملك الغابة؟
– أي والله، أخافه.
– وماهو؟
أخاف الفيل.

****
غلس الكلب، ولم يبطئ حتى رأى الفيل بحجمه الهائل فاطمأنت نفسه أنه وجد الأمن والحماية.
سأله الفيل:
– وماذا يريد الكلب باكرا؟
– أخبرني الأسد أنه لايخشى من حيوانات الغابة غيرك، فجئتك لأبرم معك تحالفا موثوقا.. بأن تحميني مقابل أن أخدمك بكل إخلاص.
– عقد منصف، وأنا أقبله.
ظل الكلب يومه يخدم الفيل حتى إذا لبست الأرض جلباب الظلام، نبح الكلب نباحا عاليا، فصاح به الفيل صيحة عظيمة:
– اسكت أسكتك الله إلى الأبد.
فسأله الكلب متعجبا:
– وهل تخاف شيئا أيها الفيل العظيم؟!!
– نعم، أخشى الإنسان.
– وكيف تخافه وهو كائن ضعيف لايقوى على المشي على أربع وليس لديه مخلب واحد، ولاناب معقوفة لديه، يدافع بها عن نفسه؟!!
– أخاف من عقله وكيده أيها المغفل الصغير.

****
خرج الكلب قاصدا الإنسان عند تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وما طلعت الشمس حتى جاء إلى الإنسان، فقال له دون أن يسأله:
– أيها الإنسان، لقد صحبت الضبع قبلك فأخبرني أنه يخاف النمر؛ وصحبت النمر فقال إنه يخاف الأسد؛ وصحبت الأسد فأخبرني أنه يخاف الفيل، وصحبت الفيل فقال إنه يخاف الإنسان؛ وها أنا جئتك لتحميني وأخدمك.
فأجابه الإنسان:
– عرض معقول. اتفقنا.

****
في المساء عندما جن الليل نبح الكلب، فحرضه الإنسان وبيده سلاح، قائلا: وشله، وشله.
فاغتبط الكلب، وقال:
– أنت صاحبي.
وانطلق نحو خيال لاح له في جوف الليل .
ومن يومها لم تنفك صداقة الكلب والإنسان.

م. أحظانا


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى