الرئاسة الدورية للاتحاد الافريقي: الدور المنتظر / الحاج عبد الله الدين
آلت الرئاسة الدورية للاتحاد الإفريقي، اليوم إلى موريتانيا، وللمرة الثالثة في تاريخها، ( 1971- 2014- 2024 )، فاستلمت علم المؤسسة ومطرقة الجلسة ، في عملية استخلاف رمزية.
استحدِث هذا المقعد القاري ليكون دُولة بين أعضاء المحموعات الإقليمية بالقارة ، لقيادة مؤسسة للاتحاد، وفق منطق تناوب يراعي التقسيمات الجغرافية ، والاعتبارات السياسية المتغيرة.
خلال السنوات الأخيرة جال”المقعد المتجول” أقاليم القارة الخمسة، أي المجموعات الإقليمية الإفريقية الخمسة، عبر الاختيار “التوافقي” تارة و “التنافسي”تارة أخرى، ليفرز الدول التالية لتمثيل مجموعاتها تباعا :
– جزر القمر خلال العام 2023 عن المجموعة الإقليمية لدول شرق إفريقيا المكونة من 14 دولة .
– السنغال خلال العام 2022 عن المجموعة الإقليمية لدول غرب إفريقيا المكونة من 15 عضوا.
– الكونكو خلال العام 2021 عن المجموعة الإقليمية لدول إفريقيا الوسطى المكونة من 9 أعضاء.
– جنوب افريقيا خلال العام 2020 عن مجموعة الإقليمية لدول إفريقيا الجنوبية المكونة من 10 أعضاء .
– مصر خلال العام 2019 ممثلة عن المجموعة الإقليمية لدول شمال إفريقيا المكونة من 7 دول.
فما جدوى شغل هذ المقعد القاري الدوري؟
يمنح هذا المنصب الدولة التي تتبوءه صيتا و رصيدا لافتا، و إشعاعا دبلوماسيا لامعا، بمعزل عن حجمها و إمكاناتها أو مكانتها الأصلية. فأضحى “المنصب الدوار”محل تنافس إقليمي خفي و جلي بين دول القارة.
فالدول الوازنة تجده فرصة ثمينة لمضاعفة النفوذ وإبراز القدرات والإمكانات، و تحريك الملفات واقتراح المبادرات (مصر 2019، جنوب افريقيا2020).
أما بالنسبة للدول الضعيفة فهو سانحة نادرة الحدوث، للتأثير الدبلوماسي ولو لعام واحد، لطرح المشاكل والمشاغل المؤجلة والمنسية، بصوت الجماعة وصيغة الجمع ومن مركز القرار، فقد أكسب هذا المنصب دُوّلاً بسيطة تقلدته من قبل، صيتا وذكراً وذخرا. (بنين 2013 ، الكونكو 2007 …)
أحدثُ تجلٍ لاستغلال هذا المركز الدبلوماسي القاري هو ما قام به “السلف القمري” ( دولة جزر القمر)، حين طرحت مشاكلها في صيغة الجمع ، فجعلت من اهتمامات ومشاغل الدول الأرخبيلية الجزرية الشبيهة ، المعزولة جغرافيا ك ( مدغشقر، الرأس الأخضر، سيشل، موريشيوس…الخ )، و ذات التحديات والإمكانات المماثلة
أولويات مرحلية للقارة، وخلقت من هذه الدول تكتلا مؤثرا، مسموع الصوت، فقدمت مبادرات لتطوير المحيطات و لتثمين الاقتصاد الأزرق .
و أقامت مؤتمرا وزاريا حول الاقتصاد الأزرق والعمل المناخي في افريقيا، التأم في يونيو الماضي بالعاصمة القمرية موروني، و دفعت بملفهم هذا خطوة نحو الأمام.
فماذا يمكن أن يفعل “الخلف الموريتاني” في فرصته الثالثة لقيادة المؤسسة القارية ؟
بطبيعة الحال، لن تنشغل موريتانيا بالأساس، إلا بمشاغل جوارها القريب والبعيد، حداً لخطر أمني قائم ، أو وأداً لآخر داهم، بدول هشة وهنة، مستباحة أو”مارقة” محيطة.
ففي فرصة كهذه، يمكن أن تشكل الملفات الآتية أولويات جدية، و موضوع مبادرات و مقترحات بالحلول و المخارج، عبر الإسهام الفعال لبلادنا طيلة فترة الرئاسة الدورية للاتحاد.
على أن تعلوا هذه الملفات المسائل الآتية:
– إنقاذ اتفاق السلام الموقع بين الأطراف المالية، الملغى مؤخرا، من طرف حكومة باماكو.
– ملف الانقلابات العسكرية و المسارات الانتقالية المتعثرة في بلدان الساحل( مالي النيجر، بوركينا فاسو اتشاد السودان).
– ملف الجماعات المسلحة المتناثرة وشبكات التهريب و مشكل الهجرة واللجوء والنزوح .
– مسألة الانسحاب الجماعي لدول مالي النيجر وبوركينا فاسو، من كل منظمتي CEDEAO و G5 Sahel.
– النظر بجد في إشكالية الإنتماء المزودج للدول الأعضاء بمجموعتين اقليميتين متمايزتين، الإشكال الذي يعيق سير المنظمات الاقليمية بل يشل عملها، حين تحدث انسحابات جماعية انفعالية.
– تحريك ملف الصحراء الغربية و ودفع الليبيين نحو تنظيم الانتخابات المؤجلة منذ أمد.
وبدون شك، ستكسب موريتانيا صيتا ورصيدا ديبلوماسيا إضافيا ، يهيئها لشغل مناصب دولية ذات أهمية أكثر، ويجعلها شريكا مؤتمنا، ومُحاوِراً إقليميا يوثق به.
الحاج عبد الله الدين
باحث في العلوم السياسية