الحسن ولد مولاي اعل يكتب: أهلنا الأمازيغ – خلاصة تاريخية
أهلنا الأمازيغ- خلاصة تاريخية-
الحمد لله الذي خلق الانسان من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبت منهما رجالا كثيرا ونساء، وفطرهما متماثلين في الخلق، متساوين كأسنان المشط، وجعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آية من آياته، وجعلل تفاضلهم بالتقوى، وجعل التفاخر بالأصول والأنساب ملة الشيطان الرجيم:: {قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين}والصلاة والسلام على رسول الله ونليه تلذي أذهب الله عنا به عبية الجاهلية وتعاظمها بالآباء، وعلى آله وأصحابه وأتباعه من كل الأجناس والشعوب والأمم..
أما بعد، فإن أهلنا “الأمازيغ” هم مجموعة أثنية عريقة في التاريخ، يرجع المؤرخون أصولها إلى “مازيغ” بن كنعان بن حام بن نوح؛ استوطنوا الصحراء الإفريقية الكبرى، فنموا وانتشروا، وامتدت مضاربهم ما بين مضيق جبل طارق إلى مصب نهر السنغال، جنوبا، وبين شاطئ المحيط الأطلسي إلى صحراء سيوة الغربية في مصر، شرقا؛
يتحدث الأمازيغ لغة خاصة بهم، وهي تنتمي إلى عائلة اللغات الأفروآسيوية، وتتشعب إلى لهجات كثيرة، بمشتركات واسعة، واختصاصات مميزة، وهي مكتوبة بأبجدية “تيفيناق” الخاصة بالقوم؛ ولهم تقويمهم الخاص، الذي بدأ به حساب الزمن منذ انتصار ملكهم “شيشناق” على فرعون مصر، وانتزاعه ملكه، واعتلائه عرشه ملكا لمصر، منذ نحو 2973 عاما، وتبدأ سنة التقويم الأمازيغي في أواسط شهر يناير.
أما اسم البربر الذي عرف به الأمازيغ في التراجم التاريخية العربية، فأصله أن الرومان حين حكموا ضفتي البحر الأبيض المتوسط، أطلقوا صفة بربر (Berber) وهي وصف قدحي، معناه الهمجي أو المتوحش، على من ليس رومانيا، من مستوطني المنطقة من أمازيغ، ووندال، وصقالبة، وسلاف، وبوشناق، وصرب؛ ثم لما فتح العرب المسلمون شمال إفريقيا، أخذوا عن الرومان ذاك الوصف القدحي للأمازيغ، فغلب على الأستعمال، ودخل المصنفات والتآليف العربية من باب واسع..
دخلت قبائل الأمازيغ في دين الله أفواجا، ونبغ العديد من رجالاتهم في كل مجالات الدين واللغة العربية والأدب والتاريخ، وقامت لهم وبهم ثورات وحركات، وممالك ودول، سادت المغربين الأدنى والأوسط، قبل أن تعيد صياغة المنطقة بقيادة علماء وأمراء ومجاهدين في ظل امبراطورية كبرى، أسسها وقادها ملوك وأمراء ومجاهدون وتناوبتها-سلما وحربا- قبائل عدة، فوحدت بين العدوتين المغربية والاندلسية، وأعادت للإسلام ألقه وثقافته، ودفعت العدو عن الثغور، لمئات السنين..
في ظل تناوب تلك القبائل الكبرى على تصريف دفة إمبراطورية الغرب الإسلامي، حلت أسماء القبائل الفرعية الكبرى محل صفة البربر القادحة، وتعاقبت صنهاجة ومصمودة وزناته، على سلطة الامبراطورية: مرابطين، وموحدين، ثم مرينيين، فكانت أبرز العناوين الفرعية؛ وذلك قبل الهحرات العربية التي تتالت ثم بلغت أوجها بتغريبة بني هلال المشهورة، والتي اكتمل بها تناسق المشهد في المغرب الإسلامي: أدناه وأوسطه وأقصاه.
استقلت قبائل تلك الدول المتعاقبة بأسمائها، ثم اخترعت، أو اخترع المؤرخون لكل منها سرديات وأصولا وأنسابا، قد تقود إلى قحطان غالبا، وربما إلى عدنان، خاصة في ظل هيمنة القوى الكبرى، كالخلافة العثمانية على أدنى المغرب وأوسطه، حيث أفلت من سيطرتها المغرب الأقصى، بدوله المتعاقبة، والسائبة المتناثرة في الساحل وعلى شاطئ المحيط الأطلسي..
والواقع أن الأمازيغ في العصر الوسيط، حملوا علم العروبة والإسلام، وكانوا سادة وقادة الحرف العربي، فبه تكلموا وألفوا وتغنوا، لكن دون تفي لخصوصيتهم الثقافية، وخاصة لغتهم ولهجاتهم والتي وجدت رعاية سافرة، واضحة الاهداف، من المستعمر الفرنسي، الذي جعل من القضية الأمازيغية إسفينا فجر به صراعا مريرا بين كل المكونات، في تلك الافطار، قاد إلى استنهاض أخلاف الأمازيغ، وبعثهم لموروثاتهم الثقافية التاريخية..
بعد انحسار الاستعمار الغربي، واستقلال الأقطار المغاربية، نشطت حركات واسعة، من شعوبها في كل اقطارها، خاصة في المملكة والجزائر، تطلب الاعتراف لها بهوياتها الأمازيغية، وبترسيم لغتها، وقد تكلل مسعاها بالنجاح، حيث أن الامازيغية اليوم لغة رسمية، إلى جانب العربية والفرنسية، في البلدين، وفيهما بات للأمازيغ اليوم محطات إذاعية وتلفزيونية وصحف ومدارس تنفق عليها الدولة، لتصبح الهوية الأمازيغية حقيقة لا فكاك من الاعتراف بها بعيدا عن القدح والتنابز .!!
وعلى الله قصد السبيل، ومنها جائر، ولو شاء لهداكم أجمعين.