ولد اجاي: هذا موقفي من النظامين (السابق والحالي)
الجزء الأول:
١- ما هو موقفي من النظام الحالي:
لا أعرف الازدواجية في الأمور ولا المجاملة في المواقف ولا التهاون في الالتزامات. بشكل واضح ومباشر أعتبر نفسي جزءا أصيلا من هذا النظام لا أعطي الأسبقية في خدمته ودعمه والدفاع عنه لأي أحد.
ككل الذين عرفوه عن قرب، كان رأيي دائما أن فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، بما حباه الله به من مناقب ومن تجربة، يعتبر فرصة للبلد في هذه الفترة الحاسمة من تاريخه. و قد جاء خطابه بمناسبة إعلان ترشحه وبرنامجه الذي انتخبه على أساسه الشعب الموريتاني ليقطعا الشك باليقين و ليؤكدا أننا علي أعتاب مرحلة جديدة. وانطلاقا من ذلك انخرطت ومنذ اللحظة الأولي لترشحه وبكل اندفاع في جهد وصل الليل بالنهار وعبأ كل الطاقات والوسائل الممكنة من أجل نجاحه.
عرفته بعد ذلك عن قرب، كمعاون له، بعد تعييني إداريا مديرا عاما لسنيم، و ما زادني ذلك إلا انبهارا به وإيمانًا بقناعتي الأولي بأنه هو رجل التحول السلس من مرحلة وأسلوب حكم ونموذج تنمية الي مرحلة وأسلوب ونموذج آخر.
و لم يكن تقييمي للطريقة التي أديرت بها الأمور في السنوات الثلاث الأولي من حكمه وفي ظل واقع طبعته مجموعة من الإكراهات الدولية والإقليمية والمحلية (ندر أن تجتمع في وقت واحد) إلا سببا إضافيا رسخ ما لدي من قناعات سابقة.
كما أني أعتبر أن ما جاء في خطابات الرئيس الأخيرة بمناسبة ذكري عيد الإستقلال و في وادان وفي قصر المؤتمرات وبمناسبة إطلاق الحملة الزراعية حول :
– إشكالية محاربة الفساد،
– وتجاوز العادات والممارسات الإجتماعية السلبية المتنافية مع مفهوم الدولة و إنصاف ومؤازرة الفئات الهشة والمغبونة
– والإهتمام بالشباب وتشغيله
– وإصلاح الإدارة
– وتركيز الجهود على الإكتفاء الذاتي في مجال الغذاء الوطني،
هي بالنسبة لي الملفات الأساسية التي يجب أن تكون علي رأس أولويات المرحلة.
أعي جيدا التحديات والإكراهات التي تواجهنا و علي رأسها تجذر بعض المسلكيات الإجتماعية والسياسية و الإدارية المقاومة لأي تغيير إيجابي. وأعي جيدا سعي البعض عن حسن نية وسعي البعض الآخر ربما لأسباب أخري (من داخل النظام وخارجه) الى خلق شرخ بين مكونات أغلبية الرئيس تحت يافطات وبمبررات مختلفة (التدوير، رموز العشرية، المفسدون،،،الخ). لكنها محاولات مكشوفة لا يبررها منطق ولا تستدعيها مصلحة و مآلها الفشل.
وأعتبر أن مسؤولية كل مخلص للرئيس هو السعي و العمل على وحدة وتجانس الأغلبية الداعمة له والدفاع عن مكاسب البلد ومصالحه العليا وبناء جسور التشاور والتهدئة مع كل شركاء الوطن.
من يؤمن حقا برؤية الرئيس وبرنامجه ويحرص على ذلك عليه أن يتذكر و يعود الى ما جاء في خطاب ترشحه من أمور لامست هوى عند كل الموريتانيين وبمختلف مشاربهم لأنها وبكل بساطة تتفق مع المنطق والفطرة السليمة وتجمع ولا تفرق. كم كان فخامة الرئيس دقيقا وموفقا حينما قال :
<< …لا اوافق على أن كل من حكم البلاد كان مخطئا وإلا لما وصل البلد لما وصل إليه ولم يكونوا مصيبين بشكل مطلق وإلا لما كانت هناك اختلالات تستدعى المعالجة. افترض فيهم جميعا حسن النية والوطنية فقد اجتهدوا وأصابوا فلهم أجر الاجتهاد والصواب واخطئوا في أمور فلهم اجر الاجتهاد و كل منهم وضع لبنة في هذا الصرح الذي لا ينتهي العمل فيه.>>
طبعا لا يجب أن يعني هذا أبدا التساهل أو التهاون مع أي شكل من أشكال الفساد المالي أو السياسي أو الاجتماعي. وكل مفسد يجب أن يؤدي فاتورة سوء ما صنع خصوصا إذا كان ممن ينبري للعمل السياسي وتحمل الشأن العام. لكن الفوضوية في الإتهام بعيدا عن المؤسسية والمعيارية هي أقصر طريق لتمييع محاربة الفساد وإفشال أي جهد يهدف للقضاء عليه أو الحد منه.
٢- بعد كلما جرى، ما هو موقفي من النظام السابق أو ما يسمي بالعشرية؟
إجابة علي هذا السؤال أقول وبكل وضوح أنني لا أري ما يجعلني أشعر بالخجل أو بتأنيب الضمير بسبب الأدوار التي لعبتها خلال تلك الحقبة. اجتهدت وثابرت وواجهت صعابها كثيرة وضحيت تضحيات جسام (الله أعلم بحجمها) من أجل مصلحة بلدي وبلدي فقط من خلال ما أعتبره اصلاحات بنيوية (في الضرائب، والمالية والاقتصاد وحتي في السياسة) في أوقات وفي ظروف صعبة.
بشكل عام أعتبر أنه قيم في الفترة الماضية بانجازات كبيرة وإصلاحات هامة أعتز بمساهمتي في بعضها. لكن بكل تأكيد ارتكبت أخطاء في هذه الفترة و أضيعت فرص ثمينة وارتجلت إصلاحات مهمة وظلمت جهات عدة من المكابرة عدم الإعتراف بها و من الجبن أيضا تهرب القيادات السياسية من مسؤوليتها التضامنية حولها.
بكل تأكيد لست معنيا بتحمل أي مسؤولية في ما يتعلق بالأخطاء الفردية التي قد يرتكبها عمر أو زيد في إطار صلاحياته و لمصلحته الشخصية مهما كان موقعه في النظام. وبالمقابل لم ولن ألقي بمسؤولياتي الفردية في إطار عملي على أي أحد.
ما أستغربه وبعيدا عن كل تهرب من المسؤولية هو محاولة البعض، لحاجة في نفس يعقوب، تقديمي علي أني كنت الشخص المحوري، والذراع الأيمن والأيسر والملهم والمنظر السياسي الوحيد للنظام الذي يجب أن يتحمل وحده كل الأخطاء التي ارتكبت حتي التي يعود تاريخها لفترات كنت فيها معارضا للنظام نفسه (الفترة الفاصلة بين الانقلاب والانتخابات).
صحيح أنني ومنذ أن قررت دعم هذا النظام وآمنت واقتنعت بأنه في مصلحة البلد لم أدخر كعادتي أي جهد في الدفاع عنه وضحيت بالغالي والنفيس في سبيل خدمته. بالرغم من كل ذلك كنت دائما أعبر عن مواقفي في كل دوائر صنع القرار و بكل تجرد وجرأة في ما أراه مصلحة وفي الأخير ألتزم بالقرار المتخذ كأنه قراري.
أعتبر أن محاولة تصوير كلما تم في المرحلة الماضية علي أنه إجرام وفساد مجافية للحقيقة وإساءة كبيرة لجزء معتبر من نخبة البلد المحترمة (وزراء، وسفراء و ولاة وقيادات دينية واجتماعية ومثقفين ورجال أعمال…) يعتبرون أن خدمة الوطن والولاء له كانت هي دافعهم الوحيد بعيدا عن ثنائية الخطئ والصواب وامكانية الإختلاف في التقييم.
خلاصة الأمر أنني أفتخر و أتشرف بمساهمتي في كلما قيم به من انجازات لمصلحة البلد والمواطن وفي نفس الوقت أأسف للأخطاء والمظالم التي قد تكون ارتكبت وأتحمل المسؤولية التضامنية فيما تزامن منها مع الفترة التي تقلدت فيها مسؤوليات إدارية أو سياسية. أما علي المستوي الشخصي فلا تزر وازرة وزر أخري.