الروس هم أصدقاؤنا / محمد محمود إسلم عبد الله أمام
أمام قوة الهالة الإعلامية الغربية يقف المواطن العربي مشدوها حائرا حيال الموقف من الحرب “الكونية” التي تدور رحاها على أرض أوكرانيا منذ أزيد من أسبوعين .
نفس الموقف ينطبق بشكل أو بآخر على الأنظمة العربية الضعيفة في مجملها التي لا تستطيع أن تجاهر بمناصرة روسيا خشية الغرب المتوحش الذي ما زال يتبنى بوقاحة مقولة (إن لم تكن معي فأنت ضدي) التي أطلقها الرئيس الآمريكي الأسبق جورج بوش الإبن ، ليس لأول مرة كما قد يظن البعض ، وإنما كشعار في حربه على “الإرهاب” بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
إن موقف العرب من حرب أوكرانيا يجب أن يتحدد على أساس نظرة موضوعية للماضي والحاضر لمعرفة مع من نحن بوجداننا على الأقل كشعوب ، هل يجب أن نتعاطف مع روسيا؟ أم مع أوكرانيا وآمريكا والأوربيين؟
ومن أجل إلقاء نظرة موضوعية تنير في فهم الماضي الذي هو مرآة الحاضر نطرح التساؤلات التالية :
ـ من أعطى وعد بلفور، ومن زرع الصهاينة بين ظهرانينا يدنسون قدسنا ، ويبيدون أشقاءنا ، ويجرحون كبرياءنا؟
ـ من وقف خلف الكيان الصهيوني بالمال والسلاح والإعلام ومختلف أشكال الدعم منذ وجوده؟ ـ من حمى إسرائيل في حروبها ضد العرب ، وجعل لها اليد الطولى في المشرق العربي ووطد وجودها أمام كل الهزات والعواصف والقلاقل؟
ـ من قاد وغذى الحروب المذهبية والطائفية والدينية في أرجاء المعمورة ، وفي بلداننا بشكل خاص ، وسكب الزيت على النار ، وصب الجمر على البارود؟
ـ من غزى العراق بحجة واهية ؛ أسلحة الدمار الشامل ، وشرد وأباد ملايين العراقيين ، وهدم تراث حضارتهم المادي والمعنوي؟
ـ من قتل الشهيد صدام حسين في يوم عيد الأضحى المبارك وأدمى قلوب ومشاعر كل العرب؟
ـ من أطر وقاد الجحيم العربي إعلاميا ودعمه عسكريا ؟
ـ من قتل الزعيم معمر القذافي بوحشية ، ودمر ليبيا ، واليمن ، وسوريا ، وحاول تدمير مصر وبقية الدول العربية؟
ـ من يبتز العرب من محيطهم إلى خليجهم ، وينشر القواعد العسكرية على أراضيهم ، ويستنزف خيراتهم ، ويزرع فيهم الرعب والدمار ، ويحيك ضدهم المكائد والمؤامرات ؟
لا أعتقد أن السبب في كل ذلك السيد بوتين ، ولا الإتحاد السوفيتي سابقا ، ولا وريثه الحالي الاتحاد الروسي ، بل رأس الحية آمريكا وأتباعها من الأوربيين وخاصة الإنجليز.
وإنصافا للتاريخ وحتى لا ننسى ، لقد دعم الاتحاد السوفيتي بشكل منقطع النظير العرب في كل حروبهم ضد إسرائيل بدء بالنكسة مرورا بحرب الاستنزاف وانتهاء بحرب أكتوبر التي محت جزء كبيرا من عار الهزيمة المذلة سنة 1967 ، وقد سار وريثه الاتحاد الروسي على ذات النهج في دعم قضايا العرب رغم الصفعات التي تلقاها السوفييت والروس منهم في أفغانستان والشيشان وأماكن أخرى.
فضلا عن كل ذلك في عالم القوى العظمى اليوم يمكن القول دون مبالغة إن الروس يحتفظون ببقية أخلاق وقيم افتقدها الغرب الغارق في العجرفة والتكبر والإنحراف وتقديس حقوق مجتمعات الميم (المثليين) والرذيلة والفجور.
إن دموع الغرب وإنسانيته الزائفة لن تخدعنا حتى لو غيروا جلودهم ، فمنذ متى كان الغرب يهتم لسيادة الدول ؟ ومنذ متى كان يبكي على موت المدنيين الأبرياء العزل ؟
لقد رأت البشرية جرائمهم الكارثية في آمريكا اللاتينيه وفلسطين والعراق والصومال وليبيا وسوريا واليمن وأفغانستان ويوغسلافيا وقبل ذلك افيتنام والجزيره الكوريه ، وغيرهم كثير.
أما التدخل في شؤون الدول الداخلية ، وخلق الصراعات ، وسياسات الاحتواء ، والحرب على ما يسمى الإرهاب التي لم تقتصر على أفغانستان بل امتدت إلى حوالي نصف دول العالم ، والثورات الملونه ، وتصدير الديمقراطيه على أفواه المدفعية والدبابات ، فسرد ذلك يحتاج مئات المقالات إن لم نقل عشرات الكتب.
إن دموع التماسيح في الغرب التي تذرف على أوكرانيا ممجوجة ، لقد جرب الغرب على مدى العقود الماضية كافة ألوان الجرائم ضد المدنيين في مختلف القارات ، بما فيها استخدام الأسلحة النووية من طرف الولايات المتحدة نفسها ضد اليابان ، وفي الوقت الذي كانت الحرب العالمية الثانية تلفظ أنفاسها ، ولم يكن هناك داع لذلك.
اليوم ومن أجل تحقيق مآربه الشيطانية في احتواء روسيا يراقب العالم أجمع بذهول شديد كيف دفع الغرب الميكافيلي بأوكرانيا في فم الدب الروسي وعرض شعبها ومستقبلها للدمار ، ثم بدأ يلقي محاضرات عن الإنسانية والقيم والحريات وسيادة الدول وحق الشعوب .
إن حال الغرب مع أوكرانيا شبيه بمن يقتل القتيل ويمشي في جنازته ، أو من يلقي برضيع في حفرة من نار ثم يجلس بعيدا يبكي عليه وقد كان السبب المباشر في هلاكه.
في كل الأحوال الرهان الغربي في أوكرانيا رهان خاسر ، سيكسب بوتين الحرب بخبرة جيشه وحرفيته ، وصمود شعبه ، وسينجرف العالم بأسره إلى قاع أزمة اقتصادية عالمية كارثية بسبب غلاء أسعار النفط والغاز والغذاء والمواد الأوليه ، وسينزل الغربي المترف إلى الشوارع احتجاجا على الوضع الاقتصادي المتردي قبل نهاية العام الحالي على الأرجح ، ستسقط أنظمة عديدة ، وتترنح بلدان إلى الفوضى والحرب الأهلية ، وتتم صياغة العالم من جديد .
كل ذلك لا مهرب منه إلا إذا تنازل الغرب تنازلات مؤلمة ومذلة لكي يتوقف القيصر عن حربه الكونية التي باتت تهدد النظام العالمي بأسره.
الأيام والأشهر القادمة ستكون حبلى ليس بالمتغيرات فحسب بل بالعجائب.
مشاعرنا مع الروس وسخطنا على الغرب قديم ويتجدد .