مرض الرئيس السابق.. نهاية كذبة كبرى / محمد محمود ولد عبد الله
بعد لأي وانتظار، وبعد ضجيج غير مسبوق تلبس فيه التزييف والإفك بكل معاني الكراهية وضروب النعرات وزيف الخطاب، انتهت رحلة علاج الرئيس السابق والمتهم الأول في ملف العشرية، بين المستشفى العسكري ومستشفى أمراض القلب، بعد أن تماثل للشفاء واستعاد صحته، وقد تلقى خلالها أفضل رعاية صحية متاحة، وخضع للعلاج وفق أرفع قواعد الأخلاق الطبية والرعاية التمريضية ـ وشهد شاهد من أهله (تصريح ابنة المعني يوم 2يناير 2022) ـ مع تمكينه من اختيار الطبيب المعالج له، واحترام إرادته في كل مراحل التداوي والعلاج.
وقبل أن يصل إلى أسِرّة مستشفى الأمراض القلبية، تم نقله إلى الجناح الرئاسي بالمستشفى العسكري، حيث يتلقى الرؤساء السابقون عادة العلاج، وهناك أحيط بأعلى درجات العناية الطبية، بناء على تعليمات من أعلى مستويات السلطة في البلد، ومتابعة دقيقة لحالته الصحية، كما تم تمكين ذويه ومحاميه من زيارته، وكان الرأي المهني للأطباء ساعتها هو الفيصل في التعاطي مع حالته، بعيدا عن أي تأثير آخر مهما كان، حيث تم نقله إلى مستشفى أمراض القلب لمواصلة العلاج بناء على اقتراح الفريق الطبي المعالج، وخضع هناك لعملية قسطرة، مكث بعدها في المستشفى فترة تزيد على المعهود عادة في مثل هذه العمليات، كل ذلك حرصا على وضعيته الصحية، وتحسن حالته، ثم يزعم الزاعمون ـ تلفيقا وتخريفا ـ أن السلطة أرادت به سوء، أو دبرت له كيدا.
اليوم يعود المعني إلى منزله بقرار قضائي بحت، بعد أن تمثال للشفاء ليتبين للجميع كم كان حبل الكذب قصيرا شنيعا، وكيف خاب ظن حملة لواء دعوة الفوضى والكراهية بحجة سوء معاملة الرجل، واستيأس من تولوا كبره منهم بعد أن ظنوا أنهم أفلحوا في اختلاق أزمة ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، وتوهموا أن قد نفخوا في الصُّور وأجهزوا على الوطن ودقوا بين الناس عطر منشم، وما نفخوا إلا في وهم الحمية والفتنة والبذاء في القول والفجور في الخصومة، فآبوا بالخسران، وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كاذبين.
وهي لعمري منقبة وشنشنة عرفوها من أخزمهم ورئيسهم، الذي شجع أيام حكمه كل معاني الكراهية والعنصرية والجهوية والشرائحية في هذا الوطن، وغادر الحكم والبلاد على شفى جرف هار خوفا ووجلا من قبس نار فتنة أوقدها، وباتت قاب قوسين أو أدنى من فتيل نسيج مجتمع عبث بوحدته وفرق مكوناته وشرائحه، لكن مشيئة الله قيضت لهذا البلد من أخمد جذوة قبس النار، وأعاد السكينة والهدوء بعد الشحن الطائفي والتنابز بالشرائحية والجهوية، بل وأكثر من ذلك كان هذا النظام صريحا وجريئا في اقتلاع أسباب التوتر واستئصال جذور القلق الاجتماعي والشرائحي التي لعب عليها النظام السابق وأذكى جذوتها، وما خطاب وادان منا ببعيد.
لقد تبين اليوم بما لا يدع مجالا للشك أن ما كشفه بيان الأطباء في مستشفى أمراض القلب عن وضعية الرئيس السابق والمعاملة التي يلقاها، وما أعلنته وزارة العدل في بيانها السابق، كان حقيقة لا مرية فيها، وأن الرجل تم التعامل معه بأقصى درجات العناية، وأرقى المتاح من العلاج حتى شفي بفضل الله ومنه، فانقشع غبار معركة الوهم الزائف والدعوات السمجة، تلك المعركة التي آلت صولاتها الوهمية وجولاتها الغبية، إلى درس قاس فقأ حب الرُمان في وجوه ركاب موج الهرج والمرج، وأنهى حلم الفوضى التي راودتهم وسعوا لها سعيها، بل كانت دليلا قاطعا على أن من نفخوا في كير الحمية الجاهلية، وطعنوا في الدولة ورموزها، وابتغوا في وطنهم الضراء والبأساء، قد نسوا أو تناسوا أن البلد اليوم تحكمه قيم وأخلاق، تختلف ـ اختلاف الليل والنهار ـ عن قيم وأخلاق حُكمِهم أيام العشرية التعيسة، حيث عودونا على صور ومشاهد اقتياد سجناء الرأي مصفدين بالأغلال أمام الملأ وعلى رؤوس الأشهاد إلى المستشفيات والعيادات، وحيث يحاربون خصومهم السياسيين في صحتهم وأرزاقهم وفي أدق تفاصيل خصوصياتهم، وما نقموا منهم إلا أن قالوا لا للفساد والظلم والطغيان، أما رأس ذلك النظام الذي أراد شيعته اليوم وبعض محاميه ـ وقليل ما هم ـ أن يوهموا الرأي العام أنه تم التعامل معه خلال مرضه بمنطق عشريته البائسة، والتصرف حيال وضعه الصحي كما تصرف نظامه مع خصومه السياسيين، فقد كذبتهم شواهد الواقع التي كشفت بما لا لبس فيه ولا دخن، عن معاملته بطريقة كادت أن تنسيه أنه متهم وسجين على ذمة التحقيق في قضايا فساد تشيب لها الولدان وتخر الجبال هدا.
وحين قرر الأطباء اليوم أن وضعه الصحي يتطلب “نمط حياة هادئة مع حمية غذائية خاصة”، سارعت النيابة العامة إلى مطالبة قطب التحقيق القضائي بالإفراج المؤقت عنه ووضعه تحت مراقبة قضائية في منزله، حرصا على صحته وسلامته، بعيدا عن المزايدات السياسية التي صدرت عن منسق هيئة الدفاع في تصريحاته الغريبة، التي جنح فيها إلى التصعيد الفج، ومناقضة الحقيقة والواقع، بل وناقض في مزاعمه تصريحات عائلة الرئيس السابق وابنته، وآثر قلب الحقائق ومسايرة بعض التصريحات الساعية إلى النبش في أتون روح الانتقام والثأر زورا وبهتانا وإثما مبينا، وأخذته العزة بتصريحاته الخاطئة، فكررها واستعصم بها، حتى بعد تميكن موكله من العودة إلى منزله.
لقد كشفت تلك المعركة الوهمية التي افتعلها بعض القوم ـ محامين ومناصرين ـ ورسموا لها سيناريوهات كاذبة خاطئة، وصلت حد اتهام السلطات بتعمد إيذاء الرجل أو تصفيته جسديا، وعن حالة حرجة يمر بها في المستشفى، ما لهم بها من علم، ولا لهم عليها من دليل، واستنفروا لذلك خطابا فظيعا تقشعر منه جلود الذين يخشون على مستقبل الوطن، وتشمئز الطباع السوية والنفوس السليمة، فتجلت الكراهية في قولهم، وبدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، عبر تصريحات وصوتيات وفيديوهات، لا تصدر عن ذي عقل سليم وإدراك سديد.
وقد نسي المتحدثون ـ والصمت خير لهم لو كانوا يعلمون ـ ولا أحاشي من الأقوام من أحد، أن خطابا كالذي سمعناه منهم، يناقض ـ بل يصادم إلى حد المجابهة ـ كل قيم الدولة الحديثة، وسائر قوانينها ومنظوماتها، ويخالف الفطرة السليمة ـ إن وجدت هناك ـ ويعيد إلى الأذهان حكايات عبس وذبيان وتغلب وشيبان، أيام فتنة الجاهلية الأولى، بل أقرب من ذلك وأدنى، يعيد إلى الأذهان منطق وفكر رئيس العشرية، الذي ما استطاع صبرا على السكوت عن لفظ ساخر أو تهمة جارحة حيال بعض معارضيه من ذوي الشيبة والوقار، فسب وشتم وحبس وشرد وأهان، دون أن يرف له جفن أو يستدرك له عقل.
لقد كانت فترة علاج الرجل منحة في طيات محنة، كشفت عن سوء طوية لدى بعض القوم، وعن تجذر ثقافة شعبوية غوغائية جذرها الرجل طيلة عشر حجج تعيسة، لا يبالي أصحابها إن مُلأتْ الدنيا كذبا أو شُغل الناس زورا، ولا يرعوون إن فاضت الكأس سوء أخلاق وبذاءة خطاب، لكنها في المقابل كشفت عن رسوخ قدم ثابتة لدى النظام الحالي في قيم الدولة وأخلاق المجتمع الفاضلة، فما استفزته تلك الحملة الشعواء، ولا أثار حفيظته ذلك الجفاء الفظ في الخطاب والوعد والوعيد والتهديد والتقريع، ولا حرضه حجمُ الشائعات الكاذبة والتهم الزائفة، فما تصرف أو تحرك قيد أنملة عن موقفه الأخلاقي من الرجل السجين على ذمة سلطة مستقلة، ألا وهي القضاء، تلك السلطة التي اتهمته وسجنته بناء على مقتضيات ملف حرص رئيس الجمهورية على أن تظل السلطة التنفيذية بمنأى عن التأثير عليه، سواء حين كان ملفا تشريعيا بين يدي البرلمان، أو حين صار ملفا قضائيا على طاولة القضاة والمحققين، بل عمد إلى التخلص من أعضاء الحكومة السابقين الذين شملهم الملف، لكي لا تؤثر مواقعهم التنفيذية على مسار القضاء ومجريات التحقيق.
وطيلة مكوث الرجل على أسرة المستشفى حرصت الحكومة على النأي بنفسها عن السجال السياسي الذي افتعله دفاع المتهم وبعض أنصاره، وزايدوا فيه وأغلظوا القول وشنعوا الأوضاع، فأصدرت وزارة العدل بيانا معززا بالألة والقرائن، كان كافيا لكل ذي موقف منصف ورأي حصيف، وأكد الناطق الرسمي باسم الحكومة أنها ملتزمة بتوفير ما يلزم لعلاجه، وتتمنى له الشفاء، فكان أن لاقى في علاجه التعامل الأنسب، وفاضت عليه المعاملة بالتي أحسن، حتى أقر بها ـ على لسان ابنته ـ وهو المكابر منذ انبلاج فجر هذا النظام وافتضاح بعض تفاصيل ملف العشرية، فلم يعد لذي قول كاذب حجة أو لسان، ولا لذي دعوة باطلة نصير أو برهان.