60 عاما : مخاوف من 3 خيانات / محمد بوي الشيخ محمد فاضل
إن أسوأ ما يمكن تصوره ، هو أن تستلم وطنا كلف إيجاده الكثير ، فتفشل في العيش عليه احتراما للمؤسسين وتضحياتهم ، وتخون أمانة توصيله لأجيال المستقبل بما يضمن حقهم في العيش الآمن !
ترى كيف وجدنا وطنا ؟
– هل لأن فرنسا تحترمنا وتقدر قيمة هويتنا وتؤمن باصطفاء أعراقنا ؟
– أم هل أن الدول المجاورة تتعفف عن الاستيلاء علينا ؟ أم أنها لا ترغب فينا ؟
– أم هل أنه لا مصلحة لجهة ما فينا ؟
أسئلة تظهر الجانب السلبي والعدمي والضدي لوجودنا ، والجواب عليها واضح بالنفي ، غير أن الجانب الحقيقي لذلك الوجود يبرزه السؤال التالي :
– من ضحى لأجل وجودنا ؟
حين تجد وطنا بكل عزته ، يمنحك التمايز عن الآخر ( الأجنبي ) بكل أهميته ، ويعطيك الحياة بكل ملذاتها ، ويشعرك بالأمن بكل سيادته ، ويعطيك القيمة الإنسانية للوجود ، فعليك التفكر مليا في مسألة هامة هي ( من منحك هذا الوطن ؟ )
حين تتأكد تاريخيا وعلميا أن الوطن لا يوجد صدفة ، وأن الوطنية ليست مخزونا للاستهلاك ، بل عضلة رياضية للترويض والتقوية ، فإنك في سبيل البقاء ستبحث عن وسائل وآليات الممارسة الوطنية ، بعيدا عن تبديدها وتخريبها ، منطلقا من حتمية حقيقة اكتسابها بعيدا عن التكسب بها ، وهو اكتساب له عملة واحدة هي التضحيات ، وتكسب له سوءة ثابتة هي الخيانة .
فياترى ، من ضحى من أجل الوطن ؟
حين تتبع التاريخ الحديث لما قبل الاستقلال تجد أن التضحيات التي أورثته كانت متعددة :
1- فمنها ما كان بالنفس عبر المجاهدين الأشاوس ، من جميع أطياف المجتمع الموريتاني ، الذين قدموا أرواحهم الزكية رخيصة في سبيل الله والوطن .
2- ومنها تضحيات بالعلم ، مقاومة للمستعمر ثقافيا ، بحجب القوى المجتمعية عنه سدا لباب التأثير والتبعية.
3- ومنها التضحيات بالصبر ، ممانعة اقتصادية عن التعامل مع المستعمر أخذا في ظل قسوة الظروف ، أو عطاء مع تعريض المصالح الخاصة للخطر .
ويبرز السؤال : هل أرواحهم أرخص من أرواحنا ؟ هل فرصهم للتعلم أكثر من فرصنا ؟
هل ظروفهم الاقتصادية أحسن من ظروفنا ؟
الجواب طبعا بالنفي القاطع ، ولكن إيمانهم بالقضية الوطنية أقوى من إيماننا ، واستعدادهم للتضحية أكبر من استعدادنا …
لقد وجدنا وطنا لأنهم قدموا التضحيات الشاملة ، فما هو المطلوب منا ؟
الجواب ببساطة هو أن نتحمل الأمانة بالحفاظ على الوجود ، وأن لا نخون الوطن ثلاث خيانات قاصمة .
الوجود : معركة البقاء :
تقوم عملية البقاء على ثلاث أسس متوازية :
#الأول : الأساس الديني
#الثاني : الأساس الديموغرافي
#الثالث : الأساس الاجتماعي
فالوجود الوطني الموريتاني مبني على حماية ونشر الدين الإسلامي ، الذي هو أساس امتلاك الجغرافيا ، وحافز مقاومة المستعمر ، وصمام أمان الدولة ، وكل تنازل عن الهوية الإسلامية هو عامل تفكيك ، ومنحدر انزلاق ، وعلامة نهاية .
في حين أن البعد الديموغرافي ، هو سلاح البقاء في ظل تجاذبات الشمال التي لم ترس على بر آمن حتى اللحظة ، وفي ضوء عدم الاستقرار شرقا لمجموعة عرقية لم تجد ذاتها بوضوح في دول الساحل ، وفي تتبع استمرار حركة الهجرة جنوبا لمجتمعات ترزح تحت ظل التهميش والفقر والأمية .
أم الأساس المتين للحمة والوحدة والتعايش ، فهو مراعات وتعهد التنوع الاجتماعي الموريتاني الوطني ، الذي يعد مصدر غنى ومنبع ثراء وحجر قوة للدولة ، التي تجد فيه التاريخ المشترك والمستقبل الواعد ، في حالة تطبيق العدالة الشاملة والكاملة ، التي لا مفر منها بالدولة أو بالمجتمع .
الخيانات الثلاث :
حين أدركنا أن الوطن لا يوجد صدفة ، وأن سبب وجوده هي تضحيات الأوائل ، وأن مهمتنا هي مهمة بقاء ، فإن تسليط الضوء على المخاوف ، يبرز الخوف من 3 خيانات قاصمة ، هي :
#الخيانةالأولى : خيانة تضحيات الأوائل .
#الخيانةالثانية : خيانة تحمل الأمانة في الحاضر .
#الخيانةالثالثة : خيانة حفظ مستقبل جيل الأحفاد في حق البقاء .
حين نتنازل عن هويتنا نخون تاريخ الدماء الزكية التي سالت من أجلها ، ونفرط في الأمانة الملقاة على عاتقنا في تسيير حاضر الوطن ، ونضيع حق الأجيال القادمة في مستقبل آمن في وطن واحد ، يضمن العيش المشترك لمجتمع متفاهم ومتجانس …
آلية كل ذلك ووسيلته هي التعليم .