آراء وتحليلاتالأخبار

لقد عم الفساد فكيف نحاربه؟! ح١ / د. عبد الله السيد

 

لقد عم الفساد فكيف نحاربه؟! ح١
في مذكراته أشار الرئيس المؤسس إلى أن الفساد قد يكون من عوامل الانقلاب عليه سنة ١٩٧٨، وأكد بعض رفاقه أن خشية كبار الضباط يومئذ من تفتيش المؤسسة العسكرية هو العامل الرئيس في وضع حد للحكم المدني للبلاد.

 

وبعيدا عن الخوض في صدق هذا الافتراضي من عدم صدقه فقد كان الفساد موجودا يومئذ؛ بالرغم من المستوى التعليمي والخلقي للمجتمع ونخبه، وبالرغم كذلك من بساطة الحياة المدنية، وتناسب رواتب الموظفين مع ظروفهم المعيشية.

 

 

بعد ذلك تغيرت الظروف، وتبدلت القيم، وضعف الوازع الخلقي، بانهيار التعليم؛ نتيجة إهماله من طرف السلطات، وعمت موجات من الرفاهية جعلت وتيرة الفساد تنتشر لتكون القاعدة العامة التي تضمن للموظف الاستمرار في وظيفته.

 

ولم تكن موضة الديمقراطية التي أخذناها حفاظا على السلطة، ولا وصفات المؤسسات المانحة إلا مخابئ وحصونا نضج فيها الفساد وأينع، وقطف أصحابه ثماره، ليستنبتوا بذورها في تربة استصلحوها بالجهل، وإحياء الولاءات التقليدية، والنعرات الاجتماعية؛ تحت لافتات: “الولاء”، و”الكم الانتخابي”، و”المشاركة”.

 

في لعبة الفساد هذه شارك الرؤساء، والوزراء، ورجال الأعمال والموردون الصغار والموظفون ورجال الدين والمثقفون، وبعض الدول المانحة، وبعض المؤسسات النقدية و الشركات المتعاقدة؛ فزورت الأدوية، والشهادات، والانتخابات، والدراسات، والاستشارات، والتقارير الأمنية، وأصبحت الرشوة هدية استفاد منها الخبير الأجنبي، والمفاوض الوطني، والمخبر الذي يكتب التقارير لتلميع فلان أو حرق فلان، والحسناء ذات الوجاهة والشفاعة، والشيخ صاحب الرقيا المشهودة، والوجيه الذي لا يسد دونه باب… فعمت البلوى وبانت الفوارق كبيرة بين الجيل الواحد، وشعر أصحاب الضمائر بالغبن فآثروا الهجرة فرارا بقيمهم، أو السكوت خوفا من مواجهة خصم أكثر منهم خيلا ورجلا.

 

استفدنا من “حرية” الإعلام وتقنيات وسائل التواصل الجديدة في إشاعة فاحشة الفساد بيننا، بالتندر بمظاهره وظواهره، والإشادة بكفاءة رجاله وأطره ونفوذهم، وتمجيد رجال أعماله عن طريق تسابقهم في بناء المساجد، ورعاية الهيئات الخيرية، ومداومة الحج والعمرة، والإنفاق السخي على الحملات الانتخابية للحزب الحاكم، والهئيات الخيرية التي ترعاها السيدات الأول، أو من له صلة بهن.

 

لسنا في هذا المشهد ببدع من الدول؛ فهاهي شقيقاتنا الجزائر والسنغال تكابدان وطأته، ومالي يكاد يجهز عليها، وليبيا أجهز عليها؛ لذلك لا مناص من محاربته، لكنها محاربة لا يمكن أن تكون إجرائية دون مقاربة واعية وجريئة، تراعي السياقات المختلفة، وتحدد الأولويات، وتدرك أن الظاهرة باتت مرتبطة بالقيم والأخلاق الاجتماعية، وأن محاربتها قد تتطلب تقارير وملفات، لكنها ممكنة حين توجد الإرادة القوية والنية الصادقة.

 

وأعتقد أن أول ما ينبغي أن نبدأ به إقناع النخبة والمواطن البسيط بأن أمورا تغيرت على مستوى الأشخاص والخطاب والإجراءات.
فعلى مستوى الرئاسة: من المفيد أن يشفع رئيسنا برنامجه الانتخابي الجميل (تعهداتي):
أولا: بالبراءة من أية هيئة خيرية تتبع لحرمه، أو لأحد من أولاده؛ ذلك أن تأثير النفوذ الذي تمارسه مثل هذه الهيئات يمثل بؤرة للفساد، ومظنة للنفوذ؛ فكم من رجل أعمال فاسد مفسد تسلق بهبات وهدايا لمثل هذه الهيئات فحظي بصفقات عمومية لا يستحقها، وكم من إطار ضعيف المستوى العلمي والأخلاقي ولج أرقى المناصب عن طريق لقاء مع القائمين والقائمات عليها.

 

وأعتقد أن حرم الرئيس وأولاده وأصهاره كي يعينوه عليهم الابتعاد عن استغلال نفوذه، وعليه أن لا يقبل لهم ذلك تحت أي مسمى وبأية حجة.

 

ثانيا: بالاعتماد على الله واستحضار أن النفع والضر من تلقائه وحده، وأن الرقيا النافعة تكون بالكتاب والسنة، لا بنفثات هذا الشيخ المشعوذع أو ذاك، ولا بودع هذه الدجالة أو تلك، وأن يعلن الجهاد على المشعوذين باسم الدين، وأن لايقبل لأهل بيته ممارسة هذه الأمور المخلة بالعقيدة، الجالبة لسوء العاقبة.
ثالثا: بالبراءة من نفوذ رجال الأعمال والموردين وفرض آلية شفافة على مستوى كل مؤسسة تجعل علاقتها بهم واضحة. وهذه النقطة أصعب تنفيذا من سابقتها؛ لأن هذه الطبقة يرجع إليها دور كبير في الفساد والإفساد.

 

رابعا: وضع سياسة تعليمية وصحية رشيدة تضطلع بهما الدولة دون القطاع الخاص؛ حتى نضمن سلامة المخرجات من الغش والتزوير.
خامسا: خلق إعلام وطني يتماشى مع حاجاتنا التنموية؛ ذلك أن إعلام الواقع والشائعة ووسائل التواصل الاجتماعي إعلام وهمي؛ يحمل مخاطر كبيرة على الوحدة الوطنية.
سادسا: جعل المسجد والمحظرة مرفقين عموميين تتكفل الدولة بهما، وترعى مضمون الخطاب فيهما.
( يتواصل بحول الله) .

 


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى