آراء وتحليلاتالأخبار

ما بعد الجائحة: المنح قد تولد من رحم المحن / د.محمد الأمين ولد حمادي

إن الانطباع السائد لدى الغالبية العظمى من المواطنين والمراقبين للشأن العام أن الحكومة، بحسب الامكانات المتاحة، استجابت بشكل سريع نسبيا ومناسب لتداعيات هذه الأزمة التي لم تسلم منها دولة في العالم . وبين وضع الحلول السريعة وتطبيقها في الواقع يكمن الرهان الأكبر بحسب ملاءمة آليات التطبيق والمتابعة والرقابة.
ومن مظاهر الاستجابة السريعة بل الاستباقية ما أعلن عنه رئيس الجمهورية في خطابه بمناسبة عيد الفطر المبارك من تشكيل لجنة وزارية للتحضير لما بعد الجائحة وهي وسيلة فعالة لتقديم المشورة لأصحاب القرار. ولا شك أن التشاور سنة كونية من السنن التي أقرها الإسلام قال تعالى: “وشاورهم في الأمر”. والمشورة تأخذ من الخبير المجرب المتسلح بالمهارات العلمية أو العملية . و لا يشترط فيه وظيفة معينة أو انتماء سياسي. لتعبير رؤيا ملك مصر تم الأخذ بمشورة يوسف عليهم السلام وهو وراء القضبان.
إن التحضير الجيد لما بعد الجائحة يقتضي توسيع دائرة التشاور وعدم الاقتصار على فريق وزاري محدد. فكلما اتسعت دائرة التشاور كلما كان كانت خطة الاستجابة أكمل. لقد سن رئيس الجمهورية سنة حسنة بتوسيع دائرة لجنة تسيير “صندوق كورونا” لتشمل كل الطيف المجتمعي والسياسي والإداري. ولا مانع من العمل بهذه السنة بتوسيع الفريق المكلف بالتحضير لما بعد الجائحة ليشمل خبراء وباحثين مختصين من خارج الفريق الحكومي ما دام الأمر يتعلق بوضع خطة استثنائية محكمة تضمن الاستجابة المناسبة لوضعية ما بعد جائحة كورونا. وقد قيل : إذا ازدحمت العقول خرج الصواب.
يجب ألا ننسى أن بعض تداعيات هذه الجائحة خارجة عن سيطرتنا ويتم التحضير لها خارج حدود دولتنا. وكما هو معلوم منذ تفاقم هذه الجائحة فإن اقتصادات الدول بدأت تتجه نحو الانغلاق على الذات بإعطاء الأولوية لرفاهية مواطنيها بدل التوجه نحو التبادل التجاري الخارجي. كما يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن الجانب المتعلق بالمعاش ليس إلا جزءا من الأزمة وقد لا أكون مبالغا إن قلت إنه ليس إلا الجزء الظاهر من الجبل الجليدي. ومعنى ذلك أن علينا أن نحول آثار هذه الأزمة إلى نواتج إيجابية. فنعهد إلى تلك اللجنة بالتفكير في وضع حلول للآفاق البعيدة وأخرى للمستقبل القريب.
سيكون علينا أن نواجه وضعية آنية مباشرة بعد انتهاء الجائحة و أن نعمل على وضع خطة لتغيير عميق بتحسين ظروف معيشة السكان وهنا تحضرني مقولة وردت على لسان رئيس الجمهورية في خطاب ترشحه حيث قال : “سأعمل على توفير أكبر قدر ممكن من السعادة للمواطنين”.
إنها فرصة سانحة لنا كي نستلهم من هذه الأزمة حلولا فعالة ومستدامة. وكما هو معلوم فإن الأزمات قد تكون أيضًا فرصة لأفكار وحلول خلاقة .  وتلك سنة أخرى من سنن الكون التي أثبتتها التجربة عند شعوب متعددة في العالم مرت بأزمات ماحقة ومن أمثلتها ألمانيا التي خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمرة مقسمة منهزمة وفرضت عليها التزامات دولية أثقلت كاهلها، وعلى الرغم من كل هذه التحديات استطاعت النهوض ثم الصعود إلى ذروة التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي على مستوى العالم.
علينا الإيمان بأن مع العسر يسرا، وأن الغيث إذا اسودّت السماء، وأن الفرص تولد من رحم الأزمات. لكن لا بد من العمل على مواجهة التحدي، وعدم التسليم وقبول التغيير، والعزم على بناء مجتمع خلاق ذي كفاءة وتنافسية عالية.
قال تعالى: ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. “


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى