نبذة من حياة البطل الشهيداسويدات ولد وداد / أحمد فال ولد الشين
المشكلة الكبرى في كتابة الشهادات أو في كتابة المذكرات الشخصية هو تفرغها للأحداث والتفاصيل والمعاينات، وعدم القدرة على تمكنها من أدب ولغة فخمة يستحقها الذين نكتب عنهم علينا وعلى الوطن، وهذه مشكلة حقيقية أواجهها في محاولتي للكتابة أو الحديث عن الراحل الشهيد اسويدات ولد وداد رحمه الله، ومن البداية ليعذرنا الشهيد إن لم نقدر أن نوفيه من الكلام حقه.
الشهيد اسويدات ولد وداد رحمه الله رجل من طينة خاصة نادرة إنه حجر ثمين يزين جوهرة عظيمة هي الصحراء، لقد كان واحد من أبناء هذه الأرض الأوفياء والمشهود لهم بالتعلق بها، وفوق شجاعته وكرمه المتعاليين فوق كل وصف أو تقدير، كان رحمه الله محبا لهذه الأرض بشرها وحجرها جبالها ورمالها وبحرها ونهرها متعلق بها تعلق الجنين بأمه، إنه يرفض دائما قطع حبل المشيمة الذي يربطه بالأرض وسبق أن سافر على قدميه من تكانت إلى أطار ومنه إلى انواكشوط، ويعرفها معرفة الأدلاء الحداة.
إن تعلق الراحل الشهيد اسويدات رحمه الله، بهذه الأرض جعله ينظر لها بالكثير من الإعتزاز وينظر للمستعمر الفرنسي بالكثير من الأنفة والإستعلاء حتى أنه كان يضرب الضباط الفرنسيين والمدربين أثناء مرحلة تكوينه العسكري ولم يكن أبدا يقبل منهم التوجيهات أو الأوامر وينظر لهم دائما كمستعمرين .
وتعليقا على شهادة أخي محمد ولد لكحل حول الراحل الكبير الشهيد اسويدات ولد وداد رحمه الله، وكلامه أن الراحل فيه شيء من علامات أولياء الله وعباده الصالحين، فأضيف على كلامه، أنه في العام 1969 ذكر الراحل اسويدات رحمه الله للأستاذ محمد يحظيه ولد ابريد الليل، أنه قابل الشيخ الصالح الراحل اعل الشيخ ولد أمم رحمه الله، ولم يكن يومها معروفا، وقال له :ان الرجل إن كتب له العمر سيكون من أكبر أقطاب زمانه، وكان الأمر .
رجوعا للشهادة حول الراحل والأحداث التي عايش، فالراحل اسويدات وإن لم يعش عمرا طويلا فقد عاش عمرا عريضا وعايش الكثير من الأحداث وكان فاعلا فيها وصاحب مواقف نادرة وحازمة، مثلا في احداث 66 احداث الحركة الزنجية التي حركتها فرنسا والسنغال .. كان المختار ولد داداه رحمه الله قادم في طائرة من مالي وطلب منه المرافقون أن ينزل في دكار باعتبار أن نواكشوط تعيش احداثا خطيرة وبلدا ناشئا ولم يوافق المختار على الأمر، وهذا من حكمة المختار رحمه الله.
وبعد نزول المختار ولد داداه في العاصمة توجه للقصر، ووقع مرسوما يضع فيه السلطات المدنية والإدارية والعسكرية في انواكشوط بيد الملازم اسويدات ولد وداد، والمختار يعرف رجال الدولة يومها ويعرف بالأخص الضباط لأنهم قلة ويعدون على رؤوس الأصابع يومها، وبالتالي فاختياره للضابط اسويدات رحمه الله عن معرفة وثقة.
قام اسويدات بما يمليه الواجب وقاد بشكل شخصي رجاله وأشرف على تأمين العاصمة وضبط الأحداث، والوضع في تلك الفترة حرج جدا وحساس، حيث أن المغرب مازال يرفض موريتانيا والجزائر حديثة عهد بالاستقلال، وبومدين وصل للسلطة منذ 6 أشهر فقط ولديها مشاكل عديدة، وفرنسا والسنغال هم من يقفون خلف الأحداث، حيث أجتمع السفير الفرنسي في انواكشوط يومها جون فرانسوا دانيو (jean François Deniau) بقيادة حراك الزنوج، وفي اليوم المالي زارهم بارا ديوف(bara diouf) مدير جريد Le solei، وهو صديق شخصي لسينكور واجتمع بهم في فندق مرحبا.
من تفاصيل أحداث 66 أن المرحوم أسويدات كان يقود رجاله بنفسه، وكان يتقدم للمتظاهرين شخصيا ويطلب منهم العودة للمنازل قبل مواجهتهم بالقوة، ومن التفاصيل أنه وجد قوة من الدرك تحاصر منزل الأستاد محمذن ولد باباه أطال الله بقاءه، ويمنعوه من الخروج، والراحل اسويدات يعرف جيدا محمذن ولد باباه، بحكم المنطقة وبحكم حجم رجل مثل محمذن اطال الله عمره، قام اسويدات بسحب عناصر الدرك، وقال إن موريتانيا لن يأتيها الخطر ولن تكون مشكلتها في محمذن .
في العام 71 كانت الاحداث أقل حدة، والحقيقة ان نواكشوط كانت فيه قوة حركية مهمة ونشطة من الكادحين والناصريين والبعثيين وتحركت كاملة في وقت واحد وبشكل متزامن وتقريبا احتلت الشارع.
استدعى المرحوم المختار الراحل الشهيد اسويدات وسلمه قيادة الحرس الوطني، ومن يومها والحرس الوطني في تحسن مستمر ويمكن اعتباره أحد أحسن قطاعات الأركان الموريتانية وأكثرها فاعلية، نظم الراحل اسويدات رحمه الله، قطاعه ورتب جنوده ووحداته، وواكب الأحداث في انواكشوط وضبط المظاهرات وسير الأمور بحكمة كبيرة وكياسة نادرة، والاهم دون أن يعرف أحد أنه هو من يمسك الخيوط ويتحكم في الملف الأمني .
في العام 1975 كانت أحداث حرب الصحراء المفجعة والتي كادت تضيع فيها موريتانيا .. كان ساعتها الراحل البطل الشهيد اسويدات رحمه الله والي مساعد في النعمة ، وطلب الالتحاق بالجيش على أساس انه لايمكن ان يكون رفاقه في الحرب وهو جالس في النعمة ، وللأسف حين قدم حدث خطأ فادح وأذيع في الاذاعة الرسمية بأنه أصبح الحاكم العسكري والمدني،” لعين بنتيلي”، وهذا كان خطأ فادح ” فعين بنتيلي” لم يكن فيها أي شيء وكانت عبارة عن فراغ كبير، وقائد الأركان انذاك محمد الحسن ولد الحسين رحمه الله، قال له إذا استطعنا أن نرسل لكم تعزيزات فسنفعل، وفعلا تحدث الراحل اسويدات لبعض الأشخاص أنه لن يعود من عين بنتيلي.
كالطود الأشم والسد المنيع وقف بين رجاله وضباطه في عين بنتيلي حتى ضمخها بدمه الزكي، هو ورجاله وصعدت أرواحهم للسماء ناقشة على الأرض أعظم الملاحم، وحتى ولو لم تكن تلك الحرب ساعتها مقدسة أو مبررة، لكن الراحل كان متعلقا بأرضه ومحبا لها ومستعدا في كل وقت للتضحية والموت في سبيلها.
وفي الاخير وبعد متابعتي لما قدم على قناة الوطنية، اردت تقديم هذه الشهادة لتكون حافزا لوسائل الإعلام الوطنية ، لتعد أكثر من برنامج عن الراحل الشهيد اسويدات رحمه الله لأن ربع ساعة لا يوفيه حقه، وبرنامج واحد لا يوفيه حقه ولاحقه على الوطن، الذي منحه اغلى ما يملك، ويوجد العديد من الأشخاص يعرفون الراحل عن قرب وعايشوه في محطات عديدة ويمكن من خلالهم تجميع مادة ثرية عن البطل الراحل وفاءا له وللوطن