الأخبار

نص خطاب الرئيس ولد الشيخ الغزواني بمناسبة ذكرى الاستقلال 63

“بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم

مواطني الأعزاء،

يشرفني، ويسعدني كثيرا، أن أتوجه إليكم، أينما كنتم، داخل البلاد وخارجها، بأحر التهاني بمناسبة الذكرى الثالثة والستين لعيد العزة والكرامة والشموخ، عيد استقلالنا الوطني المجيد.

إنها ذكرى ميلاد أمل جديد في الحرية، والعدالة، والانصاف، وفي التقدم والازدهار. أمل نشأ من رحم تراكمات الفعل المقاوم الذي اضطلع به، عسكريا وثقافيا، مجاهدونا الأبطال وعلماؤنا الأجلاء، من كل مكونات شعبنا الأبي، دفاعا عن حريتنا وكرامة أرضنا. وستظل مواقفهم وبطولاتهم محفورة في الذاكرة، على مدار الزمان، نستلهم منها، جيلا بعد جيل، معاني عظمة النفوس وشموخها، وعزة الأوطان واستحقاقها التضحية والوفاء.

وهي معان استلهمتها، على الوجه الأتم، قواتنا المسلحة وقوات أمننا، في استبسالها وتضحياتها، ذبا عن الحوزة الترابية للوطن وسيادته وأمن مواطنيه. فلها، ولكل منتسبيها، فردا فردا، ضباطا كانوا أو ضباط صف أو رتباء، كل التقدير والامتنان.

ولنترحم جميعا على سائر شهداء الوطن متى وأينما سقطوا في سوح الشرف.

أيها المواطنون أيتها المواطنات،

إن من أقوى ما يحرك عجلة النهوض والتقدم، لدى الأمم والشعوب، قوة الإرادة لدى الإنسان وأمله حين يقترن بالأسباب الموضوعية التي تدعم إمكان تحققه، فذلك ما تتحرر به الطاقات الإبداعية ويتعزز به الجهد الجماعي، فتتنوع المبادرات الخلاقة، ويقوى التنافس على العمل المثمر والابتكار المفيد، وتندفع بذلك قاطرة الإنتاج، والتنمية والبناء.

ولذا جعلنا من الإنسان في رؤيتنا لمستقبل بلادنا، محور التنمية، ومصب الاستثمار الأول، ومدار كل السياسات العمومية، سواء تعلقت بإقامة دولة عصرية، قوية المؤسسات، مسخرة لخدمة المواطنين مع منح الأولوية لأكثرهم ضعفا وهشاشة، أو تعلقت بتأسيس اقتصاد صامد وصاعد، أو ببناء مجتمع معتز بتنوعه، متصالح مع ذاته.

وهدف رؤيتنا هذه، في مبدئها وغايتها، هو بناء وطن يعتز أبناؤه بالانتماء إليه، ويتشرفون بالدفاع عنه، ويشاركون جميعا في تدبير شؤونه، وطن يصون كرامة مواطنيه وحرياتهم وهويتهم الدينية والحضارية، وتراثهم الثقافي المتنوع الثري، ويهيئ لهم، في العدل والأمن والانصاف، أسباب المنعة والتقدم والازدهار التي تعزز فرصهم في تحقيق آمالهم وتطلعاتهم.

وإن الشرط الأول لإمكان تنفيذ هذه الرؤية على الوجه المأمول، قيام الاستقرار واستتباب الأمن، وهو شرط وفقنا، والحمد لله، في إحرازه، على الرغم مما يتردد، في المحيطين الدولي والإقليمي، من دوي عواصف العنف والإرهاب، والتأزم السياسي والاجتماعي.

وما ذاك إلا بفضل الله وقوته، ومساهمتكم جميعا، وبالتنفيذ الناجع لاستراتيجيتنا الأمنية في مختلف أبعادها.

وكذلك بدبلوماسيتنا النشطة، القائمة على مبادئ حسن الجوار، والاحترام المتبادل، والتعاون المثمر والبناء، والتمسك بقيم السلم، والأمن، والإخاء بين شعوب العالم. كل ذلك من دون مساومة في الوقوف بحزم وقوة مع القضايا العادلة، كالقضية الفلسطينية التي هي بالنسبة لنا، مظلومية شعب وحرمة مقدسات ونصرة أشقاء.

إن حرصنا على استتباب الأمن، لا يضاهيه إلا إصرارنا على التخلص، نهائيا، من مختلف أشكال الغبن والتهميش، والإقصاء، والفقر والهشاشة، انسجاما مع مبدئنا الثابت في لزوم مؤازرة مواطنينا الأضعف والأقل دخلا.

ولقد تطلبت منا مواجهة هذه الظواهر، من جهة، الإسراع إلى دعم مواطنينا الأكثر فقرا وهشاشة، وتعرضا للغبن والتهميش، من خلال بناء شبكة أمان اجتماعي واسعة، متعددة الآليات والأبعاد، درئا لتفاقم وضعهم المعيشي وتعزيزا لقدرتهم على الصمود، ومن جهة أخرى، تكثيف الجهود لسد النواقص وتصحيح الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، البنيوية منها والمؤسسية، والتي هي منشأ هذه الظواهر المقيتة، أصلا.

وعلى الرغم مما اجتاح العالم من أزمات حادة، عصفت باقتصاداته وأعاقت المشاريع والخطط التنموية في كل البلدان، بما فيها الأكثر تقدما ونماء، فقد استطعنا أن نحقق، على المسارين، نتائج جد معتبرة.

فلا تزال شبكة الأمان التي بنيناها تتوسع من حيث عدد الأفراد المستفيدين، وتتنوع من حيث أشكال الدعم التي توفرها، كالتحويلات النقدية والمواد الغذائية المدعومة والضمان الصحي والتسهيلات الاستشفائية العديدة كالتكفل بمرضى السرطان والفشل الكلوي وصرف إعانات شهرية لصالحهم.

كما حرصنا على إشراك الجميع في تدبير الشأن العام، فرسخنا اللامركزية وعززنا النسبية توسيعا لقاعدة التمثيل، وأنشأنا لائحة انتخابية جديدة دعما لتمثيل الشباب وفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، تكريسا للانصاف ورفضا للتهميش والغبن والإقصاء.

وقد رسخنا كذلك الحريات الفردية والجماعية، وأعلنا الحرب على الصور الاجتماعية النمطية السلبية، مؤكدين على ضرورة التخلص منها لمصادمتها مقاصد الشرع ومقتضيات القانون ومنافاتها مفهوم الدولة الحديثة وإضرارها باللحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية.

وقد اكتملت دراسة مشروع يهدف إلى توفير المياه لصالح 156 قرية وتجمعا سكنيا واقعة بين بوكى والغايرة، انطلاقا من مياه النهر، وسيتم البدء في أشغاله قريبا.

كما تعمل الحكومة حاليا على إطلاق مشروع لصرف صحي فعال في مدينة نواكشوط لأول مرة منذ الاستقلال.

كما وصل النفاذ إلى الكهرباء نسبة 91,8% في الوسط الحضري و56% على مجمل التراب الوطني، ويجري تنفيذ العديد من المشاريع الهيكلية لتحسين مستواه.

فقد اكتمل:

– مشروع الكهربة الريفية في منطقة آفطوط الشرقي الذي سيغطي مثلث سيليبابي- مونكل– أمبود،

– مشروع المحطة الهوائية 100 ميغاوات في بولنوار والتي بدأ استغلالها فعليا.

– تركيب الدارة الثانية على خط انواكشوط – انواذيبو،

– مشروع كهربة 22 قرية في ولاية اترارزة،

– مشروع خط 225 ك. ف بين انواكشوط وكرمسين،

كما تقدمت الأشغال في مشروع تدعيم محطات إنتاج الكهرباء في 50 مقاطعة.

وانطلقت الأعمال في:

– مشروع مد شبكات بطول (3000) كلم، في ولايات اترارزة، ولبراكنه، وكوركول وكيدي ماغا،

– مشروع كهربة المناطق ذات المقدرات الزراعية والرعوية في ولايات الحوضين ولعصابه عبر بناء محطات هجينة وشبكات توزيع منعزلة،

– مشروع كهربة 46 قرية في ولايتي لبراكنة واترارزة.

وستنطلق الأعمال قريبا في مشروع حلقة شبكات الجهد المتوسط على الخط كيهيدي- لكصيبة- أمبود – سيليبابي- بيديام- دياكيلي- كوري- مقامة- كيهيدي.

للقطاع غير المصنف.

ونظرا لاحتياج تطوير كل الخدمات الأساسية إلى بنى طرقية عصرية، فقد بذلنا في هذا المجال جهودا كبيرة مكنت من إنجاز أكثر من 700 كلم من الطرق المعبدة ومن التقدم في العديد من مشاريع البنى التحتية الأخرى.

فالأشغال متقدمة في طريق تجكجة – ول ينج، وستنطلق أعمال طرق أطار – شنقيط، والصواطة  -مونكل – باركيول في الأسابيع والأشهر المقبلة.

كما تم إطلاق مشروع كبير لتحسين انسيابية النقل الحضري في نواكشوط.

وستكتمل الأعمال في جسر باماكو قبل نهاية السنة الجارية، وفي جسور الحي الساكن ومدريد وروصو قبل نهاية 2024.

وينضاف إلى كل ما تقدم تركيزنا المستمر على تصميم وتنفيذ سياسات متكاملة لتنمية قطاعاتنا الإنتاجية مكن من تحقيق اكتفاء ذاتي من الأرز بلغ نسبة 89%، ومن زيادة الإنتاج الوطني من الحبوب بنسبة 42% مقارنة مع مستواه سنة 2019، ومن استصلاح 8854 هكتارا من المساحات الزراعية وإنشاء محاور مائية بطول 197 كلم وفك العزلة عن مناطق الإنتاج وكهربة هذه المناطق.

وزيدت كذلك، على نحو معتبر، الميزانية المخصصة للصحة الحيوانية، وتم تنفيذ مشروع كبير وطموح لدعم قطاع التنمية الحيوانية، وتفعيل صندوق ترقية تنمية الثروة الحيوانية. واعتمدنا في ذات الوقت، سياسة عززت الحكامة الرشيدة والاستغلال الأمثل للثروة السمكية بما يصون استدامتها ويؤمن دمجها في الدورة الاقتصادية الوطنية.

كما تم إيلاء قطاع المعادن بالغ الأهمية لمحوريته في التنمية الاقتصادية. وفي هذا الإطار عكفنا على وضع وتنفيذ خطة تطويرية للشركة الوطنية للصناعة والمناجم تهدف إلى مضاعفة إنتاجها في أفق 2030.

وكنتيجة لهذه الخطة يتوقع أن يصل إنتاج الشركة هذه السنة حدود 14 مليون طن لأول مرة في تاريخها.

وفي ذات السياق، وضع الحجر الأساس لمشروع افديرك الذي سيزيد إنتاج الشركة، على الأقل، بمليوني طن. وقد بدأت كذلك دراسة الجدوائية لمنجم تزرقاف الذي يتوقع وصول طاقته الإنتاجية إلى ستة ملايين طن.

وتجري المفاوضات، حاليا، بين الشركة وبعض شركائها بخصوص إطلاق مشروع العوج الذي ستصل قدرته الإنتاجية 11 مليون طن.

كما بذلت جهود استثنائية في تنظيم وتأطير التعدين الأهلي وفق شروط سمحت لمختلف فئات المجتمع الاستفادة من هذه الثروة، ومما تتيحه من آلاف فرص العمل للشباب.

كما سمحت بزيادة معتبرة في عدد الوحدات الصناعية، وفي كمية الإنتاج، وفتحت بذلك، أمام هذا القطاع، آفاق واعدة.

أيها المواطنون أيتها المواطنات،

يتبين من مجمل ما تقدم أننا، مع ما اجتاح العالم من أزمات هدامة، وما وجدنا عليه الوضع، إنمائيا، واجتماعيا وسياسيا، قد استطعنا في السنوات الأربع المنصرمة، أن نحرز، بفضل جهودكم جميعا، نتائج جد معتبرة، فالاستقرار لدينا قائم، والأمن مستتب، ووضعنا الاقتصادي مريح، تتوازن فيه المؤشرات الكبرى، وتدعمه ثقة عالية لدى شركائنا، وكل أفقه فرص متنوعة وأمل تغذيه عشرات المشاريع الكبرى التي هي قيد الإنجاز، ودنو موعد تصدير ثروتنا الغازية المبشر.

غير أن تعدد الفرص والإمكانات لا يفيد إلا بقدر ما يكون المواطن مهيئا بالتكوين والتأهيل، مؤمنا بقيم العمل، والجد والمثابرة.

وإنني لعلى ثقة تامة بأننا قادرون، بتعاضدنا وقوة عزائمنا، على الاستغلال الأمثل لما يتيحه وضعنا الراهن وتبشر به آفاقنا الواعدة من فرص متنوعة، لنجسد معا أملنا في الوطن الذي نريده جميعا، وطن الإخاء والتآزر والعدل والتنمية المستديمة الشاملة.

عشتم وعاشت موريتانيا حرة، مستقلة ومزدهرة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى