الزلازل التي تسببها الأشطة البشرية
تتحدث النظرية التي يرويها لنا الجيولوجيون عن أننا نعيش على أرض لا تتوقف عن التحرك وأن أبرز ما يميزها هو عدم الاستقرار.
فتبعاً لنظرية تكتونية الصفائح تشكل الأرض مجموعة قطع تطفو سابحة وهي ترتطم وتحتك ببعضها بعضاً في حركات متقاربة ومتباعدة، الأمر الذي يجعل من حدوث الهزات حدثاً يومياً مع اختلاف درجاتها. ووفقاً للمركز الوطني لمعلومات الزلازل (National Earthquake Information Center)، يتعرض كوكب الأرض إلى نحو 20 ألف زلزال كل عام، ويحدث كل يوم نحو 55 زلزالاً حول العالم.
وبناء على السجلات التاريخية يتوقع حدوث نحو 16 زلزالاً كبيراً كل عام، وهذا يعد نشاطاً طبيعياً للأرض، فالزلازل تحدث في كل وقت وهذه عادتها منذ ملايين السنين. لكن السؤال ما دور الإنسان في صناعة الزلازل؟ وهل يمكن أن تتسبب الأنشطة البشرية الصناعية والتجارية في حدوث مزيد من الزلازل؟
الحقيقة أن التحرك التكتوني هو السبب الرئيس للزلازل، لكن هناك أسباباً أخرى تتعلق بالنشاطات والأفعال البشرية، مثل عمليات التعدين وبناء السدود والتكسير (عملية حقن لسائل التصنيع تحت ضغط عالٍ في الصخور الجوفية والآبار من أجل فتح الشقوق واستخراج النفط أو الغاز) ومشاريع المناجم والتخلص من مياه الصرف الصحي وغيرها، ففي حين تحدث الزلازل الطبيعية عند التقاء الصفائح التكتونية تتكون الزلازل التي يصنعها البشر في أماكن بعيدة عنها.
730 موقعاً
حددت دراسة نشرت عام 2017 في مجلة Seismological Research Letters)) البحثية 730 موقعاً تسبب فيها النشاط البشري بحدوث زلازل على مدى الـ150 عاماً الماضية.
وكان الاكتشاف الذي فاجأ الباحثين هو أن النشاط البشري تسبب في حدوث زلازل تصل قوتها إلى 7.9 درجة، وأن عدد الزلازل أخذ في الارتفاع بشكل واضح ببعض مناطق العالم. وتماماً كما الزلازل التي تسببها الطبيعة من المحتمل أن تكون الزلازل التي يسببها الإنسان خطيرة ومميتة أيضاً، وقد بدأ علماء الجيولوجيا في فهم تداعيات هذه الزلازل على الناس والبيئة.
ووجد الباحثون أن تأثيرات الزلازل التي يسببها الإنسان قد تكون مشابهة لتلك التي تحدثها الطبيعة، لكن غالباً ما ترى في المناطق ذات نشاط زلزالي خفيف أو بمناطق لا تملك نشاطاً زلزالياً سابقاً. وفي حين تحدث معظم الزلازل الطبيعية على طول خطوط الصدع، التي توجد غالباً بمكان تلاقي الصفائح التكتونية، يمكن أن تحدث الزلازل الناتجة عن النشاط البشري بعيداً من حدود الصفائح التكتونية.
التعدين وبناء السدود
يعد التعدين واحداً من الأنشطة القديمة المسببة للزلازل، إذ وبينما تقوم شركات التعدين بالحفر بشكل عميق تحت سطح الأرض لاستخراج الموارد الطبيعية، تزيل في طريقها عديداً من الصخور والمواد الأخرى من الأرض، مما يحدث عدم استقرار فيها.
كما يمكن أن يتسبب بناء السدود الكبيرة في حدوث الزلازل أيضاً، وتاريخياً تسبب بناء السدود في حدوث مجموعة من أكبر وأخطر الهزات التي تسبب فيها الإنسان عبر التاريخ.
على سبيل المثال لقي ما يقرب من 80 ألف شخص مصرعهم في مقاطعة سيتشوان بالصين عام 2008 نتيجة زلزال بقوة 7.9 درجة، نتج عن 320 مليون طن من المياه التي تم جمعها في خزان زيبنجبو (Zipingpu) بعد بناء سد كبير فوق خط صدع معروف.
وبحسب الإحصاءات فقد بني عديد من سدود العالم في مناطق معرضة للزلازل، وذلك لأن السدود غالباً ما تبنى بالوديان التي تتشكل نتيجة التعرية، بالتالي يمكن أن يؤدي ثقل وزن خزانات المياه الكبيرة إلى حدوث زلازل بسبب تراكم الإجهاد في الأرض.
تكسير الصخور
كذلك يتسبب التكسير الهيدروليكي للنفط والغاز في حدوث زلازل بالمناطق التي تتم فيها، إذ يضخ في هذه العملية كل من المياه والرمل والمواد الكيماوية تحت ضغط عالٍ في الصخور تحت الأرض بغرض تكسيرها واستخراج الموارد الطبيعية، الأمر الذي يؤدي إلى إنتاج كميات من مياه الصرف، الذي يتسبب التخلص منها في حدوث زلازل أيضاً.
وبحسب علماء هيئة المسح الجيولوجي الأميركية يمكن أن يؤدي حقن السوائل تحت الأرض إلى حدوث زلازل، إذ تزيد هذه العملية من ضغط السوائل داخل مناطق الصدع، مما يؤدي بشكل أساسي إلى ضعف مناطق الصدع، ويعتقد العلماء أن كلاً من عملية التكسير والتخلص من المياه العادمة يتسببان في حدوث زلازل. ووفقاً لـ”ناشيونال جيوغرافيك” تحدث مئات الزلازل الصغيرة كل عام في أماكن مثل أوكلاهوما، حيث يرتفع عدد أنشطة التكسير بمواقع كان فيها النشاط الزلزالي ضعيفاً في الماضي.
وفي كندا مثلاً تم ربط معظم الزلازل الكبيرة التي وقعت بمقاطعة ألبرتا بعمليات التكسير، وفي الولايات المتحدة رفع عديد من الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من مواقع التكسير دعاوى قضائية بسبب الإصابات التي لحقت بهم في الزلازل الناجمة عن التكسير، فضلاً عن الأضرار التي لحقت بمنازلهم.
إضافة إلى المسببات السابقة يشير العلماء إلى أن الزلازل يمكن أن تحدث أيضاً بسبب أنشطة أخرى، مثل بناء ناطحات السحاب والتفجيرات النووية. ووفقاً للعلماء في مرصد “لامونت دوهرتي” للأرض بجامعة كولومبيا فإن اختبار كوريا الشمالية القنبلة النووية عام 2017 تسبب في هزات ارتدادية استمرت لنحو ثمانية أشهر بعد الانفجار.