آراء وتحليلات

ممو ولد الخراشي يكتب: واقع تواصل وتأثير رحيل جميل منصور

هوامش على بيان “المسافة”

– مبدئيا، لا ينبغي أن يفرح حزبي بأي تعثر يصيب تجربة حزبية، مهما كان اختلافنا معها في التنظير والممارسة؛ لأن ما نشهده من تصدعات ينبئ باختلالات في الممارسة الحزبية الوطنية، وفي الساحة السياسية عموما، تلك الاختلالات تأتي من التسيير الحزبي أو من سلوك الأفراد والوعي الاجتماعي العام.

– محمد جميل منصور عضو مؤسس في حزبه، يعد من أمثل نخبة الحزب الفكرية التي هي النواة الأولى لتشكيله، وخطابُه الفكري مرجعية لكثيرين من شباب الحزب، سيما في الجهة الجنوبية.

– انسحاب الدائرة الفكرية في الحالة العادية محدود التأثير، لكنه، في الوقت ذاته، قد يفقد الحزب التوازن؛ لأنه يشكل ذريعة للطوابير غير المنضبطة التي يمكن أن تخضع للتأثير. كما يمكن أن يفت في أعضاد الشباب المتحمس. ويقابله انسحاب النخبة الناخبة (ذات الوزن) الذي يربك العمل السياسي، وهذا التوازن بين النخبتين، فيه الكثير من التناقض مع “المبدئية التي قام عليها الحزب”.

– حزب تواصل حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية، أسس على سردية الأخوة والشورى، وتخطى سن الرشد الحزبي، لكنه، في الوقت ذاته، لم يفرض نفسه بديلا جديا للممارسة الحزبية التقليدية، ولعلكم تذكرون، في سجالات سابقة، قول أحد القادة إن الحزب خرج من رحمه متطرفون، وعند كل سجال أو انسحاب تبرز جزئيتان إحداهما متعلقة بالشورى والأخرى متعلقة بالشرائح، ألا يعد هذا انفصاما بين رؤية الحزب وواقعه، بين التكوين والمخرجات؟! طبعا سيكون جواب المناضلين الآن: لا.. لكنني أذكرهم بأن جميل الذي يقول نعم الآن، كان يقول: لا، ومثله سعداني وغيرها.

– أعرف أن الحزب بين خيارين أحلاهما مر: أن يتخلى عن مبدأ الاختلاف عن غيره، ويسلك السبيل الوحيدة المتاحة (رجال الأعمال وشيوخ القبائل) أو يتمسك بالمبدئية، وعندها سيتراجع إلى حجم الأحزاب الإيديولوجية المنغلقة.. والواضح أن الحزب اختار المسار الأول الابراغماتي، فترشيحاته تخضع للقواعد ذاتها التي تخضع لها الأحزاب الأخرى، وخطاباته المكتوبة والمسموعة لا تختلف عن خطاب غيره، وهنا يضيع الكثير البريق بين النخبة، وتبقى الشعارات للعامة.

– فقد الحزب الكثير من قوته المادية بسبب ضغط النظام، والظروف العالمية غير المؤاتية، وهنا يبرز عاملان كانا مساعدين: أحدهما الدين أو ما يسميه الخصوم باستغلال الدين، والآخر حضور المال الانتخابي، والترضية على مستوى الجمعيات والاتحادات، وفي ذلك يكون تواصل والإنصاف وجهين لعملة واحدة. ويحتفظ تواصل بذراع إعلامية لا بأس بها، وإن تجاوزها الزمن، لصالح صناع البثوث. وتمده روافد مختلفة (جمعيات الشبيبة، الفتاة، يدا بيد… الاتحاد الوطني، الرابطة الثقافية، معهد اللغة العربية، معهد ورش…)

– مرة أخرى، إن سؤالي المبدأ والاختلاف يلحان على قادة تواصل دون البت في شأنهما، لتستعيض القواعد الشعبية بالغنائية الرومانسية، وشيطنة المنسحبين والغض من شأنهم، والسعي لإحراجهم بإخراج صور قديمة لهم قبل أن تظهر عليهم النعمة، ومقابَلتها بصور حديثة، على طريقة أهل هذه الوسائط في “قبل وبعد”. والظاهر أن من أراد الالتحاق بهذا الركب، وهو يعلم أنها ليست “عصمة نصارى” عليه أن يحذف صوره أولا.

ختاما، لا شيء يميز حزب تواصل الآن عن غيره، فهو يستخدم الأدوات ذاتها، ويبتلى بالأمراض ذاتها، والسياسيون جميعا مسلمون، فلم يبق غير أسآر من الإيديولوجيا لا تستدعى في كل وقت، ومكتبة صوتية من الأناشيد. وإن رحيل قائد بحجم جميل سيشكل فراغا كبيرا.

من صفحة الأستاذ: ممو الخراشي


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى