الفلك والمناخ

كيفية حصول الزلازل وما يمكن فعله للتخفيف من عواقبها

عند الساعة 4:17 فجر الاثنين الماضي، ضرب زلزال كبير مدنًا في جنوب تركيا وأثر على مدن في شمال شرق سوريا وشعر به آلاف الناس في الدول المحيطة مثل لبنان وفلسطين والأردن والعراق.

خرج الناس في المدن المحيطة ببؤرة الزلزال إلى الشوارع، فيما كانت مئات المباني في مدن كهرمان وأنطاكية وغازي عنتاب وهاتاي التركية ومدن حلب وإدلب واللاذقية السورية قد انهارت على ساكنيها، ما تسبب بوفاة ما لا يقل عن 11 ألف شخص وتشريد وإصابة عشرات الآلاف، حتى وقت نشر هذه المقابلة.

ومنذ حدوث الزلزال الرئيسي شعرَ سكّان بعض المدن في الشرق الأوسط بالهزّات الارتدادية لزلزالٍ وصفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالكارثة الأسوأ التي مرّت على تركيا منذ نحو ثمانين عامًا. كارثةٌ استدعت إرسال المساعدات وفرق الإغاثة من عشرات الدول إلى المناطق المنكوبة.

نحاول في هذا الحوار مع الأستاذ الدكتور عيد الطرزي، أستاذ علم الزلازل والجيوفيزياء في الجامعة الهاشمية فهم ما حدث علميًا وجيولوجيًا، ونسأل عن ارتدادات الزلزال، وحركة الصفائح التكتونية في منطقتنا والفروق بينها، وما يمكن فعله في مواجهة أخطار الزلازل مستقبلًا.

حبر: علميًا وجيولوجيًا، ما الذي حدث فجر الإثنين الماضي ليتولّد هذا الزلزال الكبير؟

 

الطرزي: لفهم ما حدث صباح ذلك اليوم، يتوجّب علينا العودة إلى ما قبل لحظة وقوع الزلزال. تُعتبر المنطقة التي ضربها الزلزال منطقةً هشة وضعيفة، ذلك أنها منطقة التقاء صدوع تكتونية، أي أنها حدٌ فاصل بين صفيحتين هما الصفيحة العربية التي تضم الجزيرة العربية والعراق وسوريا والأردن بما فيها نهر الأردن والبحر الميت، والصفيحة الأوراسية التي تضم أوروبا وآسيا باستثناء الجزيرة العربية.

منذ ملايين السنين، تتحرك الصفيحة العربية بفعل التوسع أو الانفتاح في البحر الأحمر، أي باتجاه الشمال الشرقي، وهو ما يؤدي لاصطدامها بالصفيحة الأوراسية، وهذه الاصطدامات تقع منذ مئات السنين أو أكثر، مولدةً ضغوطات تكتونيّة تظلّ داخل الصخور لسنوات طويلة حتى تُجهد الصخور وتفقد قدرتها على تحمل الضغوطات، فيحدث الزلزال.

بكلمات أخرى، ما حدث فجر الإثنين الماضي هو تفريغٌ أو تحريرٌ مفاجئ لطاقةٍ متراكمة بسبب الضغوطات. تخزّنت هذه الطاقة في الصخور عبر سنوات طويلة، ثم تحرّرت في أقل من دقيقة في منطقة محددة، وهنا تكمن خطورة الزلازل، وقد كانت منطقة كهرمان مرعش جنوبي تركيا هي الأقرب لبؤرة الزلزال.

فجر ذلك اليوم وقع زلزال بقوة 7.8 ريختر، ثم في العاشرة ونصف صباحًا وقع زلزال آخر بقوة 7.4 ريختر، هل كان الزلزال الثاني متوقعا؟ ولماذا حدث؟ 

نعم، لقد كان متوقعًا، إذ أن أي زلزال كبيرٍ مدمرٍ تتجاوز قوته 6 أو 7 درجات ريختر، مثل الزلزال الأول، لا بدّ أن يتبعه في وقتٍ قريب زلازل ارتدادية كبيرة، وعادة ما تكون قوة الزلزال الارتدادي أقل بدرجة ريختر واحدة عن الزلزال الرئيسي، ثم يتبعها لاحقًا عشرات أو مئات الزلازل الارتدادية الأضعف.

تحدث الزلازل الارتدادية لاستكمال تفريغ الطاقة، أي تلك التي لم يفرّغها الزلزال الرئيسي، إذ يفرّغ الأول 60-70% من الطاقة المخزنة في الفوالق أو الصدوع التي تقع في الصخور، ثم تفرغ الزلازل الارتدادية ما تبقّى على مدار أيامٍ أو أسابيع، وأحيانًا شهور. وعادة ما تقع الزلازل الارتدادية في المنطقة المحيطة ببؤرة الزلزال الرئيسي وفي محيطٍ قُطره 150 كم. الزلزال الثاني -مثًلا- وقع على بعد 60 كم من بؤرة الزلزال الرئيسي.

وفي العموم، نحن نستخدم مصطلح «الزلازل الارتدادية» إذا كانت قوتها كبيرة وأحدثت دمارًا في المنازل والمنشآت، أمّا ما يقل عن ذلك بكثير، بحيث لا يشعر الكثيرون بها، إنما ترصدها الأجهزة، فنسمّيها «الهزة الارتدادية». وعادة ما تكون الزلازل الارتدادية غير مقلقة، إلا إذا كان الزلزال الرئيسي كبيرًا، ما يعني أن الارتدادي، وإن كانت ستقل قوته درجة واحدة، إلّا أنه سيظل كبيرًا، وهو ما حدث في تركيا وسوريا.

هل يمكن توقع موعد الزلازل الارتدادية أو المنطقة المتأثرة بها؟ ولماذا شعر أشخاص على مسافات بعيدة عن بؤرة الزلزال، في الأردن مثًلا، بالهزّات الارتدادية اللاحقة؟

لا يمكننا توقع موعد أو مكان الزلازل الارتدادية، يمكننا فقط توقع أنها ستحدث خلال ساعات أو أيام، وقد تمتد لأسابيع وأشهر من الآن، ، لكن كلما ابتعدنا زمنيًا عن الزلزال الرئيسي صار الارتدادي أضعف. مثلًا، عام 1995 حدث زلزال قوته حوالي 6.5 درجات على مقياس ريختر في جنوب خليج العقبة، شهدنا بعده حدوث نحو خمسة آلاف زلزال وهزّة ارتدادية، وإذا ما قسنا هذا على زلزال سوريا وتركيا، فإننا نتوقع عمليًا آلاف الزلازل الارتدادية في مسافة لا تزيد عن 200 كممن بؤرة الزلزال.

خلال اليومين الماضيين، تلقّيت العديد من الاتصالات من أشخاص اعتقدوا بحدوث زلازل أخرى في المنطقة لإحساسهم بهزّات ارتدادية. إن ما شعر به الناس ناتج عن زلزاليْ سوريا وتركيا، الرئيسي والارتدادي، رغم أن المسافة بين الأردن وتركيا تصل إلى 750 كم، وذلك لأن الزلزال كبير وفرّغ طاقة هائلة جدًا. سأضرب مثالًا، لقد كان مقدار الطاقة في القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية يعادل زلزالًا قوّته 5.6 درجات، والصعود بمقدار درجة واحدة في مقياس ريختر يمثّل 30 ضعفًا في الطاقة، وعليه فإن زلزال سوريا وتركيا أنتج طاقة تزيد عن 900 ضعف ما أنتجته قنبلة هيروشيما. وهذه طاقة ضربت البيوت جنوبي تركيا وشماليّ سوريا فدمّرتها، لكنها كذلك اتجهت لنواحي عدة منها فلسطين والأردن والعراق وقبرص وغيرها من الدول، دون أن تُحدِث -لبعد المسافة- تدميرًا. إن الزلزال إذا زادت قوته عن 6 درجات فستسجّله كل محطات رصد الزلازل في العالم نظرًا لحساسيتها لأي اهتزاز في الأرض، والأمواج الصادرة عنه تنطلق من البؤرة في كل الاتجاهات بسرعة تصل إلى 7-8 كم في الثانية.

نرجو أن تعطينا لمحة عن تاريخ الزلازل في منطقتنا.

شهدت منطقة بلاد الشام، بما فيها الأردن وفلسطين، زلازل منذ التاريخ القديم، وهي من أكثر المناطق في العالم التي لديها سجلات حول هذه الزلازل، نظرًا لأن المنطقة كانت مأهولة بالسكان منذ آلاف السنين، ففي أريحا أقدم حضارة، ودمشق أقدم عاصمة، فضلًا عن حضارة الأنباط، والحضارات التي مرّت في بلاد الشام، بالتالي لطالما كان هناك تدوينٌ للأنشطة الزلزالية وما صاحبها من دمار؛ لم تكن تسجّل قوة الزلازل إنما وصفٌ لنشاطها، وهي معلومات ثمينة للمختصين تعود إلى حوالي أربعة آلاف عام.
لقد تأثر الأردن وفلسطين -مثلًا- في آخر ألفي عامٍ بحوالي 70 زلزالًا مدمرًا، أي ما يزيد قوته على 6 درجات. وتاريخيًا، شهدت منطقة البحر الميت والحدود اللبنانية السورية ومناطق أنطاكية وشمال غربي سوريا زلازل مدمرة وصلت قوتها أحيانًا إلى ما يعادل 7.5 ريختر. أمّا آخر زلزال مدمر في بلادنا [زلزال أريحا] فوقع سنة 1927 المعروفة بـ«سنة الهزّة»، وراح ضحيته قرابة 600 شخص في الأردن وفلسطين. وفي منطقة صدع شرق الأناضول سُجلت عشرات الزلازل المدمرة، منها مثًلا زلزال مدينة أرزنجان سنة 1939 الذي كان كارثيًا ونتج عنه مقتل حوالي 30 ألف شخص في جنوب تركيا.

هل تختلف النشاطات الزلزاليّة بين الصفيحة العربية وصدع شرق الأناضول في الصفيحة الأوراسية؟ 

تختلف بالطبع. لو قارنّا حجم الدمار بفعل النشاط الزلزالي في فالق البحر الميت-نهر الأردن؛ والذي يصل إلى أنطاكية، مع حجم الدمار الذي حدث تاريخيًا في صدع شرق الأناضول، لوجدنا أن الزلازل في الأخير غالبًا ما تكون أكثر قوة و شدّة. ومردّ ذلك أن شرق الأناضول هي منطقة تصادم الصفائح، بينما ما يحدث في فالق البحر الميت هو حركة انزلاقية أفقية. يضاف إلى ذلك أن عمق الزلازل شرقي الأناضول قد يصل إلى 60-70 كم، فيما تكون زلازل البحر الميت بعمق حوالي 10 كم. وحيث أن الكثافة السكانية شمالي سوريا وجنوب تركيا أعلى، فإن أعداد الضحايا تكون أكثر.

بالحديث عن البحر الميت، ثمة تحذيرات من احتمالية وقوع زلزال فيه قريبًا، هل نقترب من هذا الخطر؟ وهل هناك توقعات لشدّته ومداه فيما لو حدث؟

لا يمكن لأحد أن يتنبأ بموعد الزلازل، حتى اليوم لم يتمكن إنسان في أي دولة من التنبؤ بالزلازل، وما أشيع حول التنبؤات المتعلقة بزلزال سوريا وتركيا كان مستندًا إلى حركة الكواكب وهو ليس دقيقًا وبحاجة لدراسات إضافية.

تحدث مئات الزلازل سنويًا في اليابان والهند والصين، وما زال يتعذّر التنبؤ بها. وحتى لو أمكن التنبؤ بالزلزال فلا يمكن منعه أو وضع حدٍّ له. لذا، الأهم والأمثل هو التفكير في البدائل من أجل التخفيف من أثره.

ما الذي يمكن فعله لمواجهة الزلازل والتخفيف من عواقبها؟

يكون التعامل مع الزلازل عبر ثلاث مراحل، الأولى ما قبل الزلزال، وهي تمتدّ لسنوات طويلة من التخطيط والتنظيم والبناء وفق ما يسمّى كودات البناء، أو دستور البناء، بحيث تلزم الشركات والمقاولون بإنشاء أبنية ذات قدرة على مقاومة الزلازل، مع الأخذ بعين الاعتبار الصفات الجيولوجية لمواقع الإنشاءات.

أما المرحلة الثانية فهي تدريب الناس؛ بمن فيهم النساء والأطفال وطلبة المدارس والجامعات والأهالي في التجمعات السكنية والعاملين في المستشفيات، على التعامل السليم عند حدوث الزلزال، بحيث يعرف كل فردٍ خطوات السلامة العامة والتصرف السليم في مثل هذه الحالات.

أما المرحلة الأخيرة، فهي ما بعد الزلزال، وتكون عبر توفير الإمكانيات والكوادر المؤهلة لإدارة الكارثة، إضافة إلى الأشخاص المدربين على التعامل مع إزالة الأنقاض ومع المصابين والمنكوبين، فضلًا عن تأمين الغذاء والدواء والماء. ليس هذا أمرًا سهلًا، لكنه يعكس مقدرة الدول على التعامل مع الزلزال والتخفيف من آثاره على السكّان والمنشآت.

7iber.com


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى