ولد منصور يكتب: ثلاث سنوات من حكم الرئيس غزواني.. أي حصيلة.. أي أفق؟
ثلاث سنوات مرت على استلام رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني مقاليد السلطة في البلاد، وهي مناسبة للتقويم والمساءلة، وأدرك وأنا أكتب هذا الكلام صعوبة تقبل رأي يقيد التزكية وينسب الانتقاد، لأن أغلب المهتمين لايريدون إلا معارضا منتقدا بإطلاق ولسته، أو مواليا مزكيا بإطلاق ولسته طبعا.
مما دفعني لهذا الحديث بعد أسبوع من الذكرى الثالثة لتنصيب الرئيس، ما لمسته من مجانبة التوازن والموضوعية في كثير مما قيل أوكتب.
لابد أن يتوقف المتابع لمسار هذه السنوات الثلاث عند الصعوبات التي واجهها هذا النظام وهو يبدأ مسيرته في إدارة البلد، لعل أولها كان التركة الثقيلة التي تركتها العشرية السابقة على المستويين الاقتصادي والمالي (خزينة فارغة تقريبا، مشكلات بنيوية وعميقة في القطاعات الرئيسية، ملفات فساد من الحجم الكبير والمتمدد، إدارة مترهلة وكبيرة وعاجزة…….) يعزز هذه التركة طموح سياسي للرئيس السابق ترجمته أزمة المرجعية المشهورة، ثم جاءت ثاني الصعوبات ممثلة في أزمة صحية عالمية (كوفيد 19) أربكت أقوى الاقتصادات وأنهكت أكثر الأنظمة الصحية تطورا، أما ثالث الصعوبات – وليست أبسطها – فهو حجم الآمال التي علقها الناس على الرئيس الجديد، والانتظارات التي ينتظرونها في عهده، وقد عمقت خطابات الرئيس عند الترشح والتنصيب وفي مناسبات لاحقة هذه الصعوبة نظرا لعدم مواكبة التنفيذ والتطبيق لمستوى التعهدات والآفاق الواردة في هذه الخطابات، وأكملت الحرب على أوكرانيا بما خلفته من أزمة غذائية وطاقوية مربع الصعوبات والتحديات الكبيرة.
القول بأنه عند التحديات والأزمات يظهر الفرق بين الأنظمة، قول صحيح، والمستحق لقيادة الشعوب هو من يستطيع مواجهة الأزمات والكوارث والطوارئ، لامن يحسن شرح آثارها وانعكاساتها على الواقع والتنمية والمعاش فحسب.
ومع هذا القول قول آخر صحيح، وهو أن الأزمات الطارئة والعميقة تؤثر على الوعود والالتزامات التي أخذت أوأعلنت قبلها، وأن التعامل العقلاني الذي يستحضر المستقبل ولايخل بالتوازنات الرئيسية أولى من الأسلوب الشعبوي الذي قد يرضي قطاعا واسعا من الرأي العام، ولكنه يضر بنيويا بقطاعات واسعة من كيان الدولة ومستقبلها.
هناك مجالات نجاح لنظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لاتخطئها العين، ويصعب تجاهلها، منها الجو السياسي الذي حرص منذ البداية على الاسنثمار فيه تهدئة وتقاربا وتجنبا لحدية طالما طغت على العلاقات السياسية، وإن أثر تعليق الحوار أوالتشاور السياسي -والمسؤولية في ذلك مشتركة بين أطراف معارضة وأخرى موالية – على هذه الإيجابية ومنعتها الخاتمة السياسية المناسبة والمستثمرة لها.
ومنها الاهتمام بالفئات الضعيفة والمهمشة، وتوجيه برامج كبيرة ومخصصات واسعة في هذا السياق، وتعزيز ذلك بالخطاب السياسي الرسمي الذي افتتحه وأطر له خطاب وادان الذي شكل نقلة نوعية في الخطاب الرسمي ذي الصلة بالميراث الاجتماعي السالب.
رافق هذا التوجه الاجتماعي قرارات بزيادات جزئية في الرواتب واكتتابات في عدد من القطاعات، وتحسنات جوهرية عرفتها قطاعات مركزية في محوري التنمية والخدمات، كان من آخرها ما عرفه قطاع التعليم من إجازة القانون التوجيهي للتعليم الذي جمع أهم المطلوبات الإصلاحية في تعليم وطني جامع.
المتابع لكثير من مقررات الدولة ومخرجات الحكومة سيلحظ دون كبير عناء النفس المستقبلي في عدد من القوانين التي أقرت، والمؤسسات التي أنشئت، والمشاريع التي دشنت، وهنا يكمن الفرق بين الأنظمة التي تفكر في المآلات وتلك المحكومة بحسابات اللحظة والصورة.
أما سلبيات نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فتظهر أساسا في:
– أزمة الفريق، فمهما كان الرئيس من وضوح النظرة ونبل المقصد، فإن المجموعة المحكوم بها (المنفذة) هي من يتحكم في المخرج والصورة معا، ورغم وجود شخصيات نوعية في فريق الرئيس وظهر ذلك في قطاعاتها أوفيما يسند إليها من ملفات ومهمات فإن أطرافا في هذا الفريق ممن تعودوا على أساليب وطرق معينة مازالوا يشوشون على الصورة، ويضرون بالمخرج والنتيجة وأحيانا ضررا بالغا.
– مساوئ التطبيق، ويظهر هذا الأمر أكثر في البرامج الاجتماعية الموجهة للمستضعفين والمهمشين والتي لو أحسن تنفيذها ووصلت فعلا لكل مستهدفيها لكان لها بالغ الأثر اجتماعيا على الناس وسياسيا لصالح النظام.
– التساهل مع ممارسات فساد استمرت بل توسعت أحيانا، ومع أخطاء وتقصير في تنفيذ بعض البرامج والمشاريع التي لو رافقتها المتابعة والصرامة والمضاء لكانت أسرع ننفيذا وأبلغ أثرا وأكبر نتيجة.
إن أي نظام جديد لابد له من رؤية تميزه ومركب يحمله وأثر يحسه الناس في حياتهم، وأمل يتعلقون به
ولاشك أن لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني رؤية تميزه، وأشهد من خلال لقاءات جمعتني معه أنها واضحة ويغلب عليها التماسك والترابط، أما المركب فهو الفريق وهنا مشكلة النظام الرئيسية فالإصلاح لا يستطيعه إلا مصلح أوصالح على الأقل، والناس في حاجة لمزيد من الأثر وقد أحسوا ببعضه، ويبقى الأمل قائما يتراجع حينا ويتعزز أحيانا، وفي السنتين الباقيتين أمل حمل إليه بعض من أمل الثلاث المنقضيات أرجو أن يغلب فيهما التوفيق الارتباك، ويهزم النجاح الفشل، والإنسان يكسب والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.