اقتصاد

الأمن الغذائي لموريتانيا .. مؤسسات متعددة وعقود من الانتظار/ إعداد موقع الفكر

ظل ملف الأمن الغذائي أبرز التحديات التي واجهتها موريتانيا منذ استقلالها إلى اليوم، وقد دخلت موريتانيا إلى استقلالها قادمة من مجاعة مؤلمة خلال منتصف الأربعينيات، قبل أن يستقبلها موسم جفاف ماحق استمر طيلة عقد بعد منتصف الستينيات.

وخلال العقود المنصرمة نفذت موريتانيا عدة برامج متعددة، وأقامت مؤسسات كبيرة لمواجهة أزمة الغذاء، ومع ذلك ظل شبح الفقر والجوع، يصارعان الأمن الغذائي الضعيف في بلد يعيش على ضفاف نهرية تمتد على مساحة أكثر من 500 ألف هكتار زراعي، وبين رمال زاحفة تعزز سيطرة التصحر على أجزاء كبيرة من البلاد.

لقد قام المستعمر بقليل من المحاولات في ميدان الزراعة المروية يمكن الوقوف على أطلال اثنتين منها،  واحدة لزراعة الأرز العائم في منحفض قرب مدينة كرمسين حاليا، والآخر عبارة عن استصلاح للري بالقرب من مركز دار البركه الإداري، مشروع اسمه (أعمر لعويني ويجري ترميمه حاليا) بتمويل أجنبي، وأما الولادة الحقيقية فترجع إلى نهايات العقد الأول للاستقلال وبدايات الثاني، فقد تم تأسيس مزرعة امبورية في تلك الفترة تم تأسيس الشركة الوطنية للتمية الريفية صونادير، وكان ذلك استجابة للجفاف الذي ضرب أهم دعائم الاقتصاد الوطني في تلك الفترة، مثل الثروة الحيوانية والصمغ العربي والزراعة الفيضية والمطرية ولدعم هذا التوجه بذلت الدولة وقتها جهدا كبيرا لتأسيس منظمة استثمار النهر بهدف تنظيم منسوب المياه على مدار السنة، وهكذا انتشرت المزارع المروية وتأسست التعاونيات ووجدت أنشطة كالتموين بالمدخلات والتسويق انفصلت لاحقا عن الشركة الأم كما انفصلت بعد ذلك شركة الاستصلاحات.

فموريتانيا أكرمها الله سبحانه وتعالى بأن منحها الكثير من العوامل التي تمكنها من أن تكون في مصاف الدول المتقدمة في مجال الزراعة وكان من المفروض أن تكون كذلك؛ لأن لديها المياه والأراضي الخصبة بمساحات شاسعة ولديها الشمس  فالبلد الذي تتوفر فيه هذه العوامل يكون من أحسن البلاد في مجال الزراعة إقليميا ودوليا، والكادر البشري موجود.

ومن أراد أن يقوم وضع الزراعة يمكن أن يقول إنها شهدت في العشرية الأخيرة نهضة أو شبه نهضة فزرعت مساحات بعضها نجح وبعضها فشل تماما.

وكانت هناك  إرادة في أن تتضاعف المساحات المزروعة لتصل أكبر مساحة مزروعة ومن بين تلك المشاريع مشروع قناة  آفطوط الغربي،  وكان نموذجا  وحيدا على المستوى القاري وكان ضروريا ويلعب مكانة هامة في الجانب الاقتصادي فيما يتعلق بالزراعة،  ولكن للأسف هناك مشاريع أخرى استنزفت أموالا كثيرة ولم تعد بمردودية اقتصادية كمشروع “انتيكان” وهو مشروع استصلاح زراعي ل600 هكتار وقد

دشنه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ومكث العمل فيه سنتين  ومع ذلك  لا يمكن أن يسقى الآن  منها هكتار واحد، وكذلك مشروع “انكك” الذي كانت تستصلحه- حسب مصادر خاصة لموقع الفكر – شركة أجنبية،  ففيه جزء صالح وجزء لا يمكن أن يصله الماء أبدا، و تقول بعض المصادر إن المفارقة تكمن في  أن نفس الشركة اسندت لها الدولة عملية الاستصلاح في مناطق أخرى.

ومن الضروري التذكير بانه لا يمكن أن تؤسس زراعة دون تأمين ولا زراعة دون تمويل، وذان العنصران يجب توفيرهما للمزارعين، وهما الأولوية بالنسبة للدولة حتى تؤتي الزراعة أكلها، وتوفير الحاصدات التي يجب توفرها بأسعار في متناول المزارعين، وهذه الحلقة مفقودة  خاصة أن هناك فوضى شديدة البعض  يبرر ذلك بأن السوق ليبرالية، والليبرالية ليست معناها الفوضى أو الانتهازية.

وفي المرحلة الأخيرة شهدت الزراعة المروية تطورا كبيرا خاصة على مستوى ولاية اترارزه وذلك بوصول المرحلة الأخيرة إلى أرقام تتراوح ما بين 30 إلى 70 ألف هكتار ما بين الحملتين ووصلت أعداد مصانع تقشير الأرز إلى 12 مصنعا على مستوى مدينة روصو وتحقيق نسبة لا بأس بها  في مجال الاكتفاء الذاتي بلغت نسبة 85%.  من مادة الأرز.

أما بالنسبة للزراعة المطرية فما زالت للأسف تعاني من اختلالات كبيرة من أهمها الاختلال على مستوى البذور المحسنة فلدينا فيها إشكالات وكذلك الري التكميلي ما زالت فيه إشكالات هو الآخر، كما أن إدخال المكننة الزراعية في الزراعة المطرية ما يزال يواجه بعض التحديات،   البعض يقول إن  الدولة عاكفة على إجراء بعض التعديلات على هذه الزراعة من أجل أن تحذو حذو الزراعة المروية.

إمكانيات زراعية مهدورة:

سد فم لكليته له بعدان بعد على مستوى جلب الماء الشروب لمثلث الأمل وبدأ العمل فيه وهذا أمر إيجابي والبعد الثاني  هو انطلاق مشروع زراعي كبير  ونملك في هذا السد 2400 هكتار مستصلحة ولم تزرع منها في  السنة الفارطة إلا  400 هكتار ولدينا ألفي هكتار مروية وجاهزة وتحتاج إلى عملية إصلاح بسيطة إضافة إلى توجه الدولة للبحث عن شركاء في مجال زراعة قصب السكر وهو محصول استراتيجي مهم جدا.

وهنا يجب التنبيه على أن استراتيجية المحاصيل الاستراتيجية غائبة،  فالدول كلها تهتم بها كالسكر والقمح والزيوت فنحن نستورد السكر والقمح والزيت من خارج موريتانيا وهذه المحاصيل محاصيل استراتيجية وعلى الأقل يجب أن يحظى سد فم لكليته بأحد هذه المشاريع أو باثنين منها أو ثلاثة وهو سد كبير يعاني من الإهمال.

منطقة تامورت النعاج منطقة واعدة في مجال زراعة القمح فمناخها ملائم جدا وتربتها جيدة و من الجدير ذكره  أن بعض المهندسين عملوا عليها دراسة  وكانت نتائجها جيدة حوالي (2 ) طن للهكتار، وبالتالي فإن ولاية تكانت يجب الانتباه لها بامتياز خاصة المناطق الرطبة كتامورت النعاج فهي مناطق واعدة.

إمكانياتنا المائية حوالي 6 مليار متر مكعب لا يوجد منها خارج النهر إلا0.5مليار متر مكعب، وهذا خطير جدا وبالتالي يجب علينا أن نزيد من استفادتنا من النهر   مثلما عملنا في قناة  آفطوط بكرمسين وتكون على مستوى لبراكنه وربما على مستوى كيهيدي  أو الاستفادة الكبرى من  سد فم لكليته وهذا السد له أهمية كبيرة ومع الأسف كان لدينا مشروع لإنتاج السكر في هذا السد وواجهته بعض المشاكل.

 

مؤسسات متعددة …وإخفاقات كبيرة

 

واجهت موريتانيا خلال عقد الستيينات أزمة الجفاف الماحق الذي ضرب منطقة الساحل بشكل عام، وأهلك الحرث والمواشي وهدد النسل،  وكانت أولى قرارات الحكومة الموريتانية إنشاء شركة الإيراد والتصدير سونمكس التي استطاعت أن تكون الذراع التموينية للدولة الموريتانية، حيث وفرت المواد الغذائية الأساسية وساهمت في إنعاش الزراعة الموسمية في مناطق متعددة من البلاد.

ومع الزمن انهارت مؤسسة سونمكس منذو منتصف عقد الثمانينات بفعل رفع شعارات اللبيرالية المتوحشة وتطبيق أسوء أجندات صندوق النقد الدولي  لتصل إلى المحاق مع نهاية حكم الرئيس السابق معاوية ولد الطايع، قبل أن يتم إحياؤها من جديد مع بداية الفترة الانتقالية 2005وحتى نهاية حكم الرئيس سيدي محمد بن الشيخ عبد الله، ومن ثم آلت بعد ذلك إلى الانهيارالشديد لتنسحب بشكل مؤلم من السوق بخسائر هائلة ومديونات واتهامات لكثير من أطرها بالفساد إلى أن تفضلت الحكومة الموريتانية بتصفيتها 2017،  وخير شاهد على ذلك تقرير محكمة الحسابات الصادر مع بداية حكم الرئيس الحالي.

 

صونادير ..الذراع الزراعي الذي قتله الفساد

أنشأت السلطات الموريتانية شركة صونادير سنة 1975 وذلك بعد استصلاحات زراعية في مناطق الضفة، عبر البرنامج الوطني للحبوب، وقد استطاعت صونادير خلال العقدين الأوليين من عمرها القيام بمهام كبيرة ومتعددة، واستقطاب عدد من الكفاءات الوطنية، الذين هجروها بعد ذلك بسبب التصفية والطرد من الوظيفة، أو الانهيار المؤسسي الذي عانت منه، ومن أهم الأعمال التي أنجزتها صونادير رغم الملاحظات الكثيرة عليها خلال العقدين الأولين من عمرها:

المزرعة النموذجية 1 بقورقول سنة 1977

– السهل النموذجي ببوغي سنة 1983

– مزرعة الركيز سنة 1986

– المزرعة النموذجية 2 بقورقول

– استصلاح مقامة للزراعة الفيضية

– عشرات المزارع القروية الصغيرة.

– سد فم لكليتة الذي اكتمل بنائه في سنة 1986، هو سد فريد من نوعه في المنطقة،  و الشركة التي أنجزته أفلست بعد ذلك  لكثرة ما أنفقت فيه من الأموال،   ويخزن هذا السد الكثير من المياه ولكن الأراضي المحاذية له فسدت بسبب عدم استغلالها وكان من المفترض أن  يزرع فيه الأرز ولم يعد يزرع من أراضي السد الصالحة للزراعة  إلا القليل ، وكان من المقرر أن تستغل اراضي السد  في مشروع لزراعة قصب السكر ولكن ذلك المشروع تلاشى، ومن طبيعة الأرض أنها إذا مكثت عاما أو عامين دون استغلال تتغير بنيتها وتنبتها الأشجار والأعشاب الضارة،  و في وقتنا الحالي فالدولة تفكر في أن تسقي  منه القرى التي تقع بالقرب منه.

كما استطاعت صونادير أيضا العمل بفعالية في مختلف مناطق الضفة، والتدخل في مناطق الواحات وإنشاء سدود في مناطق متعددة من البلاد.

ومع بداية التسعينيات بدأت صونادير في الانهيار قبل أن تصل مرحلة المحاق هي الأخرى، لتنتهي إلى مؤسسة عديمة الجدوائية ومرهقة بالديون ومئات العمال.

ورغم إعلان وزير الزراعة السابق توجه الحكومة إلى إحياء صونادير وتمكينها من دورها وإعادة مقرها إلى نواكشوط، بعد نقله إلى روصو، فإن ضعف الأداء ما زال يسيطر على الشركة التي تخطو إلى عقدها الخامس.

 

اسنات..إنقاذ عابر وانهيار سريع

 

لم تختلف شركة اسنات هي الأخرى عن تجربة سابقاتها، رغم ما حظيت به من دعم واهتمام رسمي مع إعلان إنشائها خلال الحملة الزراعية الكبرى سنة 2007، حيث كان الرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله يراهن على أن هذه الشركة ستنقذ قطاع الزراعة بشكل تام.

عند تأسيسها كان هناك الكثير من الآليات التي تم اقتناؤها من قبل، وكان جزء من هذه الآليات في حالة غير جيدة أو إهمال مع أنها آليات جديدة. كان الجزء الكبير من هذه الآليات يتكون من جرافات(bulldozers)  ومحملات أمامية(chargeurs sur pneus)  وحفارات(pelles hydrauliques)  وممهدات(niveleuses)  ؛ وهذه الآلات تستخدم بالأساس في أعمال استصلاح أراضي جديدة و تقسيمها إلى حقول جاهزة للزراعة.

المهمة الأولى المطروحة على المؤسسة هي توفير الآليات الكافية وبأسعار مبسطة لتشجيع و دعم المزارعين في تحضير الحقول الصالحة للزراعة وعند الحصاد، و كانت مشكلة حقيقية لأن عدد المعدات الموجودة لا يمكنها سد حاجيات الولايات الثلاثة (الترارزة، لبراكنة، غوركول) و (SNAAT) لا تتوفر على مخزون من قطع الغيار والأدوات الضرورية لتشغيلها مع غياب خبير فني يواكب هذه المعدات مدة الضمان والمساهمة في تكوين الطاقم الذي يشغلها.

كان واضحا أن المعدات الموجودة غير مكتملة لتسهيل المهمات الأساسية للمؤسسة؛ و كان من الممكن نقص عدد من الآليات(bulldozers, chargeurs, …)  أو الاستغناء عنها و تخصيص المبلغ الذي صرف فيها لاقتناء آليات أخرى (bennes, porte engins, outillages, camion  entretien, …)  وشراء قطع غيار(pieces de rechange, consommables, …)  والتعامل مع خبير فني يضمن انطلاقة ناجحة لهذا المشروع الحيوي.

رغم هذه النواقص و الصعوبات الإدارية السائدة سنة 2009م فقد تمكنت الشركة من اعتماد هيكلة مناسبة  و وفرت  الآليات الموجودة للحملة الزراعية وفتحت الشركة  مشاريع أخرى استعملت فيها الآلات الثقيلة الموجودة (مشروع تمهيد أحياء الترحيل بعرفات، مشروع بناء حواجز رملية في 9 ولايات، مشروع صيانة ممرات لحماية المراعي من الحرائق في 6 ولايات، وكذالك مشروع صيانة CPB في بوقي و في كيهيدي)؛ كانت هذه المشاريع هي السند المالي الذي مكن المؤسسة من عبور سنة 2009م

غير أن الشركة انهارت هي الأخرى وتعطلت  آلياتها التي كلفت الدولة الموريتانية عشرات المليارات، حيث بيع عدد منها في السوق السوداء، وبزبونية وفق ما يتداوله المزارعون.

وما تزال الشركة المذكورة تحمل بنية إدارية، دون أن تتمكن من تحقيق أهدافها المطلوبة.

.

المفوضية…من جمع الإسعافات إلى تنسيق الأمن الغذائي.

تأسست مفوضية الأمن الغذائي سنة 1982 لتكون النسخة الثالثة بعد برنامج الإسعاف والصندوق الوطني للحبوب
وقد تأسست المفوضية على أساس استقبال الدعم والإسعافات وتوزيعها في المناطق المستهدفة لتكون بذلك حلقة وصل بين المانحين والفقراء.

ومع الزمن استقطبت المفوضية مساعدات معتبرة من مختلف البرامج الدولية.

وقد عانت المفوضية من الفساد والانحراف عن المسار ودخلت ملفاتها ضمن التداول السياسي فيما يعرف بصفقات القمح والأرز الفاسد خلال عشرية الرئيس السابق
وفي السنوات الأخيرة حملت المفوضية على عاتقها عدة برامج منها
– تنسيق دكاكين الأمل وإدارتها، بعد تصفية سونمكس.
– البرامج الاستعجالية التي تطلقها الدولة
– التدخلات الجزئية في مناطق متعددة.
– إقامة منشآت تنموية ورعوية (محميات رعوية – تعاونيات الخ)
كما ترتبط المفوضية بعلاقات مع برامج دولية متعددة تعتبر هي الداعم الأساسي للرئة التنموية للمفوضية

مشروع الأعلاف المدعومة

ويمكن القول إن تعدد هذه الأجهزة لم تصاحبه فعالية في الأداء تذكر فلربما كان من العوائق البيروقراطية التي تقتل العمل والإبداع والإتسيابية و تعطل الانتاج.

الزراعة..استيراتيجيات متعددة وإخفاقات متجددة

 

اختبرت موريتانيا عدة استيراتيجيات في الزراعة طوال العقود المنصرمة لكنها آلت دائما إلى الفشل والتعثر، ويواجه القطاع إشكالات مهمة أبرزها

قوة لوبيات النفوذ والضغط في الوزارة: حيث تعمل هذه اللوبيات على إدارة الملف والمشاريع الملحقة به منذ قرابة أربعة عقود، حيث عجز الوزراء السابقون، وربما اللاحقون  عن احداث أي تغيير جوهري في قطاعاهم.

مشكل العلاقة مع رجال الأعمال: المستثمرين في القطاع، وخصوصا كبار رجال الأعمال والمجموعات الاستثمارية الضخمة التي يمكن اعتبارها أباطرة الزراعة في موريتانيا، ورغم ما حصل عليه هؤلاء من تسهيلات وامتيازات فإن نتاج أدائهم على مستوى تأمين المنتوج وتسويقه، أو على مستوى التشغيل ظلت دون المستوى

وخلال السنوات المنصرمة ربط بعض هؤلاء النافذين علاقات واسعة مع الوزراء السابقين وكبار النافذين في القطاع، ويشكو بعض هؤلاء بأن علاقتهم بالوزارة لم تسلك مسارا  شفافا، بل كانت تدور بين المحاباة والابتزاز.

–  ضآلة المساحات المستصلحة حيث لا تتجاوز حوالي 20% من الأراضي الصالحة للزراعة في موريتانيا، ورغم أن القطاع زاد المساحة الزراعة بحوالي 10% إلا أنه ما زال بعيدا من استغلال كامل المساحات الصالحة للزراعة في البلاد.

رغم ما يقال عن الفساد المستشري في هذا الحيز من عمل الوزارة، وربما تكون قصة” بكمون ” يصلح للاستشهاد على الفساد الحاصل في استصلاح الأراضي الزراعية.

مشروع بكمون ورغم أنه كان محجة لكل الناس وأنفقت فيه قرابة 9 مليارات،  فلم يبق منه أثر بعد عين ولا يسكنه اليوم إلا الحيوانات المتوحشة وإعادة ترميمه ستكلف نفس المبلغ أو أكثر وهناك مشروع آخر يسمى “الدخلة” وكلاهما تلاشى لأن استصلاحهما رديء إلى أقصى درجة وأصرت الوزارة القائمة آنذاك على ضرورة أن تزرع فيها حملة حتى يكون تسلمه مبررا، وأنه قيمت فيه واحدة وتوقف.

 

أزمة الوسائل والبنى التحتية: يعتبر قطاع الزراعة قطاع بنى تحتية ووسائل بشكل خاص، وما زالت الوسائل المستخدمة في القطاع أقرب إلى البدائية رغم ما يصرف عليها من أموال هائلة، حيث لم يستطع القطاع توفير القدر الكافي من الآليات الزارعية.

ضعف وسائل مكافحة الآفات الزراعية: وخصوصا في مجال مواجهة الآفات الزراعية التي تقضي كل سنة على محاصيل زراعية هائلة، وتستنزف مقدرات مالية كبيرة بالنسبة للدولة والمسثتمرين.

 

أزمة الملكية العقارية: يحسب لمرحلة الثمانينيات  وضع مرسوم الإصلاح العقاري سنة 1983م والذي سيسمح لاحقا بميلاد القطاع الخاص، والذي ساهم في تطوير الزراعة المروية مساهمة كبيرة.حيث ما تزال مئات الآلاف من الهكتارات خارج إطار الزراعة، وبسبب أزمة الملكية العقارية، ووضع عشرات القبائل  والفئات الاجتماعية ورجال الأعمال اليد على الأراضي، وهو ما يقف حجر عثرة في وجه كثير من المشاريع الزراعية.

واسوأ من ذلك احتكار الأراضي ” البور” من قبل بعض النافذين الذين يجنون من تأجيرها أكثر من يحصل عليه المزارع العادي.

 

إدارة الموارد المائية: فموريتانيا لاتمتلك شبكة ري بالمعنى العلمي الصحيح، وبدون شبكة ري لايمكن الحديث عن نهضة زراعية أو أمن غذائي.

وحسب شبكة منظمة العربي فإن موريتانيا لاتستغل سوى 5% فقط من حصتها من مياه النهر.

تتركز الزراعة بشكل عام في موريتانيا في ضفاف النهر الممتد بمسافة طولية قدرها 700كم،  وتحت الواحات، أو في المناطق الرعوية، وتعاني موريتانيا شحا في إدارة مصادرها المائية المتعددة والكثيرة، ويمثل هذا المسار جزء كبيرا من اهتمام السلطة، ورغم ما أنجزته من سدود في كثير من مناطق البلاد، إلا أن ذلك لم يحقق بعد نهضة مهمة في قطاع الزراعة.

 

جاذبية الزراعة للعمالة الوطنية: وخصوصا في المناطق الزراعية، حيث يغادر الشباب إلى المدن الكبرى بحثا عن العمل، ويعتمد المسثتمرون في قطاع الزراعة بشكل خاص على العمالة الأجنبية وخصوصا من مالي، وأمام ضعف جاذبية العمالة الوطنية، فإن القطاع مهدد دائما بضعف الإنتاجية، ينضاف إلى ذلك استنزاف العمالة المتبقية من خلال قطاع التعدين الأهلي الذي صرف آلاف العمال من قطاعات مختلفة إلى مجاهل التنقيب عن المعدن الأصفر.

ضعف جذب الاستثمار الخارجي: رغم أن الحكومات الموريتانية المتعاقبة ومنذ أواخر الثمانينيات ضخت تمويلات وقروض خارجية لتمويل الزراعة عبر القرض الزراعي وتموسل سنات وصونادير وشركة السكر ومزرعة مبورية وقروض لشراء الأسمدة والمدخلات الزراعية، من المؤسسات المالية فإن النتائج على الأرض مخيبة للآمال بسبب مايعتقده العض من أن هذه التمويلات قد استخدمت في العموم لأغراض غير التي أخذت من أجلها.

وتقف حجر عثرة أمام الشراكات الدولية والعربية  من الاستثمار الخصوصي وخصوصا في شراكات فاعلة ضعف البنية التحتية والمنشآت المساعدة في تطوير القطاع.

ويعود ضعف مناخ الاستثمار في موريتانيا لأسباب غير مجهولة فنية وقانونية وغياب حوكمة رشيدة.

ولعله من المسلم به أن القطاع الخاص لن يستثمر إلا في أمور محدودة سلفا، وربحها مضمون.

 

 

التنمية الحيوانية ..ثروة تستنزف ثروة البلد

 

تمثل الثروة الحيوانية جزء أساسيا من الأمن الغذائي لموريتانيا، حيث تعتبر اللحوم والألبان ركنا مهما من العادات الغذائية للبلاد، إلا أن هذه الثروة ما زالت خارج الدورة الاقتصادية الرسمية، بفعل ضعف مساهماتها في الناتج المجلي، واستنزافها المتواصل عبر برامج التدخل والخطط الاستعجالية، إضافة إلى استمرار الممارسة التقليدية في البحث عن المراعي وفي تنمية أكثر من 37 مليون رأسا من المواشي.

ورغم ذلك فلازلنا نستورد اللبن والجبن …

وتقف أمام تطوير هذا القطاع أزمات متعددة من أبرزها

–  فوضوية ملاك المواشي وضعف اعتمادهم على وسائل عصرية للرعي والتسمين والتهجين.

–  وجود عقليات تقليدية تمنع الاستفادة من هذه الثروة وتحول ملاكها إلى أثرياء تحت خط الفقر

–  موجات الجفاف المتعددة التي ضربت البلاد خلال السنوات المنصرمة، وضعف المراعي.

–        ضعف التصدير إلى الخارج.

وقبل طل ذلك وبعد غياب استراتيجية وطنية لتثمين قطاع المواشي في موريتانيا لسد حاجات البلاد من الألبان ومشتقاتها واللحوم وبقية المنتجات الحيوانية المتنوعة، حتى أصبح هذا القطاع شبه خارج الدورة الاقتصادية.

مع ضعف مساهمته في الناتج الداخلي الخام للبلاد.

رغم أنه يوفر العمل لعشرات الآلاف من النشطاء في سن العمل.لكنه يخضع لتهديد عاديات الزمن وتغيرات المناخ التي لاترحم، ويتأثر كلك بأوضاع دول الجوار المضطربة أصلا وفرعا.

إن فشل مصنع ” نكادي” ليس إلا نموذجا لمايمكن أن تؤل إليه المشاريع التي لاتحاط بهالة من عوامل النجاح وبالرؤية الواضحة والتنفيذ السليم.

فما بقي منه هياكل من الديون مما اضطر الحكومة إلى خصخصته، مما يطرح السؤال التالي: هل يعقل أن يغامر مستثمر بشراء مؤسسة مفلسة؟.

خطة الأمن الغذائي ..هل تصمد أمام العوائق

مع وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الحكم بدأ مسار جديد للأمن الغذائي من خلال سلسلة مشاريع تمثلت في:

– احياء شركة سونادير

–        إحياء وإعادة ترتيب مفوضية الأمن الغذائي

– إنشاء مركزية المواد الأساسية كخليفة لشركة سونمكس

–        إنشاء مؤسسة تآزر

–        الإعلان عن برامج وطنية استعجالة للتدخل في المناطق الهشة

–        إعلان مواد رئيسية استيراتيجية لا يمكن أن تخلو منها السوق

–        تخصيص ميزانية خاصة للأمن الغذائي

– محاولة اشراك القطاع الخاص في الاستثمار في المجال الزراعي

 

ورغم كل هذه البرامج المتعددة، فإن الاستيراد ما زال السقف الأعلى الذي يظل الأمن الغذائي الموريتاني وما زالت البرامج التنموية المختلفة، تحت خط المأمول فلا يلوح في الأفق بصيص أمل في نجاح هذه المشاريع التي ولدت من رحم الارتجالية واتعدام الرؤية.

في هذه السنة الصعبة ومع تعقد الوضع الدولي في بلد يستورد أكثر مما ينتج(85% من احتياجاته الغذائية من الخارج )، ومع تعقد سلاسل التوريد بسبب الجائحة والحرب. فإن الحكومة مدعوة لوضع وتنفيذ سياسة واضحة المعالم ومكتملة الأركان يضعها الخبراء وتنفذها الحكومة بجدارة واقتدار حتى ” نمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزدد كيل بعير ” وذلك كيل يسير.

إعداد موقع الفكر وعنه نقلنا

 


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى