تعليق مختصر على تشكلة الحكومة الجديدة/ عثمان جدو
تأتي الحكومة الثالثة لفخامة رئيس الجمهورية بعد خطابات متكررة اتسمت في أغلبها بنقد الواقع وعدم الرضى عن أداء الآلية المباشرة لتدبير شؤون الدولة؛ آلا وهي الحكومة وأذرعها الإدارية.
كثير من المتابعين للشأن العام الوطني تفاعلوا مع هذه الخطابات وإن بطرق مختلفة، منهم من تشاءم كثيرا واعتبر التلميح والكلام وردا في وقت القطع بسيف التدخل المباشر؛ بل منهم من راعه ذلك واعتبره نذير ضعف ممن تفترض فيه القوة لحظة لزومها، ومنهم من اعتبر هذه الخطابات خاصة الأخير منها؛ انهزام في وجه عاصفة الفساد.. ظهر ذلك في تعليقات هؤلاء كتابة وتصريحا وعلى جنبات الأحاديث الثنائية.
ومن المتتبعين، وهم الذين ظهرت قوة بصيرتهم؛ من اعتبر هذه الخطابات إنذار حكيم يخفي ما هو قادم من تنظيم ومحاولة التصحيح وإزالة العوائق، وتهيئة جهاز الدولة لأن يكون عونا للمواطن الذي يشتد عليه خناق ارتفاع الأسعار وانتشار الفوضى وتبديد المال العام الذي تظهره أماسي وسهرات انواكشوط الماجنة، ويفسر ظهور أسراب العاطلين عن العمل من عباد الظل وعشاق الظلام في السيارات ذات الأثمان الباهظة؛ التي لا يمكن لجاهل بعلم الحساب أن يفوته أن صاحبها قفز عليها دون أن يوصله راتبه إليها؛ حتى لوكان من جنس حيوان لكوالا الذي يأكل التراب ولا يشرب الماء!!؛
إن راتب أغلب هؤلاء الذين نشاهدهم يقدمون هذه الصور الهدامة للمجتمع من تبذير وفساد وظهور في فاره السيارات لا يخولهم إيجارها أحرى امتلاكها؛ وكثير منهم لم تعلم له أنشطة تجارية تبعث على عدم الاستغراب منه ومن تصرفاته؛ وهنا يلزم الدولة ممثلة في أجهزتها الأمنية والرقابية والقضائية أن تضع حدا لهذه الفوضى؛ قبل أن يصل الوضع مرحلة اللا عودة.
بعد إعلان هذه التشكلة الحكومية ظهرت السعادة على كثيرين إما لاستجلاب من يؤمل فيه عندهم او بالخلاص ممن كان مصدرا للخيبة والسخط والتندر، وظهر الاستغراب وبدت الصدمة تعلو محيا آخرين؛ حتى من أعضاء الحكومة المغادرين؛ لاندهاشهم بخروجهم المفاجئ، ومنهم من ابتلع الخبر على مضض وأظهر طلاقة المحيا، وبقي من ظن بهم غيرهم المغادرة، وبقي كثير من التعليقات والتوقعات بعيدا عما حصل تماما.
أحتفظ بعض الوزراء بحقائبهم أو بحقائب توازيها خاصة في بعض وزارات السيادة؛ وينظر البعض إلى أن مرد ذلك هو محوريتهم وارتكازهم في جسم السلطة القائمة، وبالإضافة إلى إعادة الثقة في وزير التهذيب الوطني فقد حصل على ترفيع معنوي بتكليفه بالنطق بإسم الحكومة؛ في تأكيد واضح أن رئيس الجمهورية يرى فيه صاحب مشروع إصلاح التعليم ويمنحه الوقت الكافي لذلك والذي قد لا تتبادر نتائجه الحقيقية قبل خمس سنوات على الاقل، وهنا يكون الوزير الذي عرف بالرزانة والكياسة عند كثير ممن لقوه على المحك الآن أكثر من أي وقت مضى، لكونه يتولى وزارة من أصعب الوزارات وأكثرها تعقيدا؛ بفعل طبيعة الاختصاص، ونوعية الأشخاص؛ سواء منهم طاقم الوزارة أو هيئة التأطير والتدريس في الميدان؛ الذين يشكلون بطبيعة الحال العمود الفقري للمنظومة التربوية، وهنا لا بد من بسط بعض الإشارات؛ لأن التعليم إذا صلح صلح كل شيء وإذا فسد فلا وجود لأي شيء؛
فبخصوص الطاقم الإداري وما تقتضيه المرحلة فإن الوزير مطالب أكثر من أي وقت مضى بإعادة ترتيب البيت الداخلي حسب مقاسه هو وبمسطرته وفرجاره؛ دون إيعاز أو إملاء من أي كان؛ سواء اقتضى الأمور إزالة كل ما على الطاولة أو إبقائه بنفس تموقعه، المهم أن يكون بهندسة ذاتية من الوزير تتكئ على دعم وتفويض تام من رئيس الجمهورية الذي يعي أكثر من غيره دلالة كل عبارة وردت هنا صريحة دون لف أو اختفاء خلف إشارة؛ وعن هيئة التدريس فإن ظروفهم لا تخفى على فخامة الرئيس الذي لا يمكن أن يسعفهم من هو دونه في تجاوز وضعهم المادي المؤرق رغم التحسينات على العلاوات؛ مما يستدعي التفكير في زيادة الراتب خاصة مع بدء اقتراب انتشار رائحة الغاز الموريتاني، ثم إن تنظيم المدرسين الذي يستمر منذ فترة سيكشف عن سوء توزيع للمدرسين في السابق مما كان له الأثر السلبي المغذي للنقص المزمن في تغطية المدرسين للخريطة المدرسية؛ مما يعطي للعملية في نهاية المطاف قدرا كبيرا من الأهمية رغم ما يصاحبها الآن من تذمر واستياء قد يكون بفعل ردات فعل جانبية بفعل تضرر منتفع ما من موقع أندى من وجهة ما تزال مجهولة، ضف إلى ذلك ضرورة تعميم التكوينات التي حصل بعضها وظهرت فائدتها؛
أما عن العلاقة مع النقابات؛ فأظن أنه من الضروري الآن بعثها من جديد والسعي من الطرفين إلى التلاقي الإيجابي وتجاوز المطبات وردم هوة التجافي؛ وطبعا كلا الطرفين يعرف ماله وما عليه بعيدا عن التسييس من جهة وبعيدا عن تغذية التأزيم من الجهة الأخرى.
وعن الكتاب المدرسي الذي يشكل عنصر ارتكاز في المنظومة التربوية؛ والذي وصلت منه كميات كبيرة مؤخرا فإن الإسراع في تنفيذ طباعة العناوين المتبقية أدعى للاطمئنان على عدم تكرار حالات النقص الماضية، هذا مع ضرورة وإلحاح اقتناء طابعة عصرية لن تحل مشاكل الكتاب المدرسي دون وجودها وانتظام التأليف وتأطيره بما يقتضي الثبات والانسجام؛ مع حتمية تفعيل هيكلة المعهد التربوي من أجل ضمان الانتعاش والخروج من سبات التذبذب المعيق.
أخيرا يجب التأكيد على ضرورة تسريع اعتماد مخرجات التشاور حول التعليم من خلال تمريرها عبر البرلمان؛ لما يتوقف عليها من أسباب النهوض المباشرة بالمنظومة التربوية.