الأخبار

عالم موريتاني دخل باريس بمسدس نسيه في محفظته – انظر ما ذا كان؟

يوم دخل والدي باريس حاملا سلاحه

كنت منذ الصغر مولعا بالسلاح مع اني “جايبها من لخلة” فحين عرض مسلسل ابن عمار منتصف الثمانينات جمعت مصروفي زمنا واشتريت سيفا من رجل نيجيري وذلك ناثرا بشخصية الصعلوك عكاشة.

وتطور الأمر نهاية الثمانينات حين قررت تأثرا بأفلام الحركة أن اشتري مسدسا وهو ما حصل بالفعل بعد ان دفعت مقدما من ثمنه لأحد صغار المهربين عبر الحدود مع السينغال.

أعرت مسدسي لخالي الذي اتطابق معه في كثير من الخصائص الوراثية المتعلقة بالهوايات والطباع وحتى الملامح الخلقية و لا غرابة فالمرأة تلد أخاها غالبا.

كاد الخال ان يتسبب في موت احد أصدقائه بعد أن انطلقت من المسدس رصاصة طائشة مرت بضع سنتمترات من رأس الشاب المحظوظ الذي نجا بأعجوبة من موت محقق.

علمت جدتي رحمها الله بالواقعة فأخذت المسدس من خالي واخبرته بأنها ردمت عليه عمق متر تحت الأرض.

كانت حادثة الرصاصة كفيلة بقبولي لخسارة المسدس بل ونكران أي صلة به رغم أني كنت وقتها وما أزال مدينا لبائعه بمبلغ خمسمائة أوقية.

مرت قرابة الشهر على الحادث ليقرر الأطباء في المستشفى الوطني أن أختي تحتاج إجراء عملية لمعالجة خلل في الصمام التاجي وهو ما يتطلب رفعها إلى الخارج لتكون باريس الوجهة المقررة.

كانت كلمة “عملية” وقتها مصطلحا مرعبا مع ما تحمله من دلالات الخطر المحدق وروائح أروقة المستشفيات، فما بالك بعملية في القلب.

نزل الامر كالصاعقة على الوالدة مما أنساها موضوعا ما كان لها ان تنساه.

بدأ التحضير لسفر الأخت رفقة الوالد الذي رفض – عليه رحمة الله – أن تسافر دون رفقته رغم تطمينات العاملين في وزارة الصحة وقتها.

كان السفر في شهر يناير حيث كان الشتاء قارسا في نواكشوط مما لا يطمئن على الوضع بين ضفتي نهر السين خاصة على خمسيني من اهل آفطوط.

رتبت الحقائب وارتدى الوالد جلابية مغربية فوق دراعته ولوى عمامته البيضاء في حين طلب ان يوضع في حقيبته معطفه الرمادي ذو البطانة المزدوجة الذي كان مركونا في خزانته الخاصة لأكثر من سنة، إنه معطف خاص كان قد اشتراه من مراكش ذات شتاء قارس.

أُخذ المعطف كما هو ووضع في الحقيبة اليدوية للوالد حتى يتمكن من ارتدائه فور الخروج من الطائرة ليتوقي به زمهرير عاصمة النور في عز الشتاء.

بعد حادثة المسدس قامت جدتي رحمها الله بتسليمه للوالدة سرا وأعلنت جهرا أنها وارته التراب.

أخذت الوالدة حفظها الله المسدس ودسته بين طيات المعطف الذي كان يقبع آمنا في خزانة ملابس الوالد التي كانت حَصانا من أكف اللامسين وتستمد حرمتها وهيبتها من هيبة الوالد رحمه الله، ورغم أنها لم تكن موصدة بقفل إلا أنه لم يكن لأحد – عدى الوالدة- عليها من سبيل.

لكن الوالدة نسيت – في غمرة مرض البنت – أمر المسدس والسبع عشرة رصاصة التي كانت في سرة معه
لم تظهر أجهزة مطار نواكشوط – إن كانت هناك أجهزة كشف حينها- ما بداخل الحقيبة، لتقلع الطائرة متوجهة إلى مطار شارل ديغول وعلى متنها شيخ محظرة و إمام مسجد يحمل بين طيات ملابسه مسدسا من نوع Magnum revolver وسبع عشرة رصاصة من الذخيرة الحية.
في باريس هبطت الطائرة على المدرج بعيد الفجر، لم تكن هناك ممرات محمولة وقتها فكان على الركاب عبور المساحة المفتوحة الفاصلة بين الطائرة و بوابات الدخول، كان الجو باردا إلى درجة لا تناسب غير ذكور طائر البطريق.

تابع الرجل الوقور مشيته في تؤدة وسكينة حاملا حقيبته في إحدى يديه وممسكا بيده الأخرى معصم الفتاة، وصلا إلى البوابة التي انفتحت آليا لتستقبلهم نسمات نظام التدفئة المركزي، جلسا هنيهة لتستريح الفتاة التي انتهزت الفرصة قائلة لأبيها أرى ان ترتدي معطفك فالجو في الخارج سيكون باردا جدا، فتح الوالد حقيبته وأخرج المعطف المطوي ووقف استعدا لارتدائه، وقفت الفتاة لتساعده وما إن أفردت المعطف حتى سقط المسدس على أرضية القاعة محدثا صوتا مسموعا، شلت المفاجأة حركة الفتاة فتسمرت واقفة لتروي بعد ذلك ان الوالد لم يزد على أن قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم أخذ المسدس وسرة الرصاص وأعادهما إلى الحقيبة وأغلقها ثم ارتدى المعطف وجلس يحرك شفتيه ببعض الأدعية. تقول الفتاة نظرت من حولي فإذا رجال امن المطار يتحركون جيأة وذهابا وكنت متأكدة من أنهم رأوا ما حصل وأنتظر ان يقبضوا علينا لكن الوالد قطع حبل تفكيري قائلا وهو يحمل الحقيبة في يده: إن كنت قد ارتحت فلنكمل طريقنا.

جاء دورهما في الطابور امام جهاز كشف محتويات الأمتعة فوضع الوالد الحقيبة علي القاعدة المتحركة للجهاز وعبَر الإطار الكاشف للمعادن منتظرا حقيبته التي ابتلعها جهاز المسح الضوئي.

تقول الفتاة عبرت خلف أبي وكانت عيني على الشرطي الجالس أمام الشاشة يراقب بانتباه محتويات الحقيبة وكنت انتظر اللحظة التي سيحيط بنا فيها رجال الشرطة طالبين فتح الحقيبة لإخراج السلاح.
لكن الحقيبة خرجت من الحهاز ليشير إليهم مراقبه باستلامها،

استلم الوالد حقيبته و أخذ بمعصم ابنته وواصل طريقه نحو شرطة الجوازات بكل هدوء.

هل تعطل الجهاز للحظة؟
هل تغير المسدس من هيئته وتحول إلى شيء آخر؟
هل طمس على عيون العسكري المكلف بالجهاز أم قدر له أن يلتفت عن جهازه أثناء عبور الحقيبة؟ مع أن الفتاة أكدت أنه كان يحدق في الشاشة
ما لا خلاف عليه أن أمرا غير مألوف وخارق للعادة قد حصل وقتها
أخذا ختم الدخول فكان ممثل السفارة في باريس ينتظرهما ليتوجها مباشرة إلى مستشفى Henri Mondor الجامعي على شارع Gustave Eiffel.

بنفس المستشفي كان ينزل أمير الترارزة احبيب ولد أحمد سالم رحمه الله يرافقه ابنه الأمير أحمد سالم أمير الترارزة حاليا.
كانت بين الوالد والأمير احبيب سابق معرفة توطدت في غربتهما وكان الأخير يقول للوالد ممازحا : لم يدخل باريس جهارا نهارا حاملا سلاحه غيرك أنت أو القائد هتلر.

 

لي عودة بإذن الله إلى مصير المسدس ضمن يوميات الوالد بباريس وما رافقها من أحداث كان أحدها حسب رأيه هو “كرامة حقيقية” لا تقارن باختفاء المسدس.

 

من صفحة الدكتور عبد الله محمدن أمون

 


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى