آراء وتحليلات

الأجانب ؛ منهجية الإنفتاح أَمْ سياسة الإِقصاء ؟ / أحمدو ولدالشيخ ولد أحمدو

توجست خِيفةً، يومًا من الأيام وأنا أَتَرجل فى رُوَاقٍ من العاصمة  أنواكشوط ..أَطْلَقت العِنان للبصر فى كل زوايا المكان ،فلم أَرَ مَعْلَمًا أتذكره للتّعرف عليه ، حيث أنني ترعرعت فى هذه الرّبوع وكنت أَجُوبها فى حياة الصِّبى وكَبُرت هناك…! المكان تَبَدَل كما تَبَدَل الزّمان ..لا أُضْمر أنّ شعوري بالغيرة وخِبرتي بالمكان أَوْجَبَا عَلَيَّ طرح تساؤلات عن الأسباب وراء ذلك وأين الألوان الأخرى من فئات النّاس التى كانت بالأمس القريب تَتّرَاءى للمشاة فى تلك الأَرْوِقة ؟ ما طبيعة السّاكنة الجديدة وهل يمكن للعمالة الأجنبية أن تكتسح وطنًا أو على الأقل عاصمة؟ لماذا بلادي لا تَسُنّ قوانين صارمة للهجرة كما نرى فى دول أوربا وأمريكا والخليج  ؟ قوانين تُرَاعى المصلحة وتحفظ وتصون كرامة الوافدين الجُدُد؟ ذَاكَ التّوجس تَنَامى فى ذهني المُثْخَن  بالجراح  وهواجس الوطن ، لِيَمْتَزِجَ بِخَواطر طرأت على البَال، حَوْلَ ما يقوم به اللاّعبون الكبار ، المستثمرون المستنزفون القادمون من وراء البحار (الآسيويون -الأوروبيون -الروس -الأتراك-وغيرهم ) ولماذا يطلق العِنان فى البّر والبحر للغُرَباء وماهي مآلات الأمن القومي الوطني وحقوق الأجيال القادمة من خَيْرَات البلاد؟ وهل هناك خطوط حمراء وماهي تداعيات المال الأجنبي وتَبِعَات الإستنزاف المُمَنهج لثرواتنا الطبيعية؟ لماذا تتوزع الأدوار بين النّازحين بسبب الفقر والحرب من القارة وبين القادمين من وراء البحار ،الأثرياء  الذين يحتكرون بشراسة قوة الإقتصاد والثروة وبالكاد يُزِيحون القطاع العام والخاص وبالأخص ،الثروة السمكية والمعدنية ؟
إنّنا فى هذا المقال ،سنطوي صَفْحًا عن لغة الأرقام لأنها مُخيفة وتبعث على القلق ،ثم إنّ المصداقية تعوزها، وكذلك غياب مؤشرات الشّفافية وعدم إهتمام القائمين على المصالح الحكومية بإنسيابية المعلومة ومرونتها، حتى يتسنى للدّارسين تحليلها و إستخلاص توصيّات تساهم فى خطط التّنمية ودفع المخاطر عن البلد ومستقبل أجياله !!!! إنّنا نَزِيد الخَطْوات فى إِتّجاه لفت الإنتباه الى ملف الهجرة والأجانب والإستثمار الأجنبي المشبوه(خاصةً) وخطورة وإنعكاسات ذلك على الإنسان والثروة والأرض..! إنّنا لا نؤسس لمنهجية الإقصاء بِقَدرما نريد الإنفتاح الآمن وستبقى مفردات الكرم والتّسامح والإيواء والإستقبال والضّيافة من مَسْلَكِيَاتِنا الحضارية ومبدأ أصيل فى التّعاطي مع الجيران وغيرهم من الشركاء  فى المصالح والإنسانية  حتى تحقق التنمية التى ننشدها فى إطار من الإحترام المتبادل بعيدا عن لعبة الرّبح والخسارة فى أبعادها السّلبية.!!!! وعليه فإنّه لا يغيب على ذى عقل ، أنّ العمالة الأجنبية رافد من روافد التنمية وإنتعاش الإقتصاد الوطني ،وأنّ دُوّلا كثيرة نهضت على أكتاف الوافدين مثل أوروبا وأمريكا واليابان ودول الخليج ،والإحصائيات تُوَثق أنّ من بين دافعي الضّرائب فى تلك الدّول ، أجانب ،كما أنّ العقول والخبرة والإستثمارات الأجنبية عوامل ساعدت على النّهوض بإقتصادت الدّول المُضيفة ..ناهيك عن المنافسة الدولية فى الأسواق على تلك العقول وبراءة الإختراعات …! ولكن أين نحن من ذلك ؟ ماذا جَنَيْنا من الضّيوف الأجانب ؟ للأسف ليست هناك إحصائيات محلية  وَثِيقة لمدى تأثير العمالة الأجنبية على الدورة الإقتصادية الوطنية ،إلا أنّ المتتبع لهذه الظّاهرة لا يجد بُدًّا من الإمتعاض على الأقل فى تأثيرها على الأمن المجتمعي وخَلق بيئات الجريمة والرّذيلة وتعكير المِزاج الإجتماعي وتهديد السيادة الوطنية ومنافسة اليد العاملة الوطنية وإزاحتها عن بعض القطاعات الحيوية ذات النفع العام مثل :المطاعم والمقاهي وورشات ميكانيكا وطِلاء السيارات والشاحنات والزّوارق وفى مجال البناء والإعمار وبيع الطّوب الإسمنتي والخدمة المنزلية (الخدم) والباعة المتجولة وعلى الرصيف والمجازر ..والقائمة طويلة !!! هذا الواقع لا يبعث على الأمل ويجب أن نأخذ الحيطة ونلتفت الى الوطن ومستقبل أجياله -قطع الأعناق لا قطع الأرزاق-حيث أنّ قضية الهجرة متشابكةوقنبلة موقوتة ومن أكبر التّحديات المطروحة على الحكومات وتتقاطع فيها المصالح الوطنية والإقليمية والدولية ولها  أبعاد جيوسياسية لا تخفى على ذى بصيرة ، إِذْ أنّ الأطماع المُتخفية فى الأيادي الأجنبية،مَعَاوِل هدّامة ،خصوصا  أنّنا نمتلك أرضًا واعدة تزخر بالثروات (غاز -بترول-معادن -طاقة متجددة-ثروة حيوانية -أسماك وأحياء بحرية-أراضى خصبة- ساكنة قليلة….)
إنّ الإحتياجات لليد العاملة الأجنبية ليس سِيَان ،فى كل من الإقتصادات المتقدمة (حالة اليابان -أمريكا -أوربا الغربية…..) والإقتصادات النامية (حالتنا)..تلكم مجتمعات شائخة ذات نسبة منخفضة فى الولادات ،مع نمو إقتصادي متسارع وتحتاج الى المهاجرين لِسَدّ الفجوة البشرية القائمة ولمواكبة متطلبات النّمو الإقتصادي وديمومته ،بينما نمتلك نحن مجتمعات فتية وفئات عُمرية فى سِن العمل ونسبة بطالة عالية فى صفوف الشباب وهي مِيزات وإمكانات بشرية رائدة سيكون إستغلالها عاملا حاسما فى ترشيد وتقليص الإحتياجات من اليد العاملة المهاجرة ،وهذا التّصور ليس من ضُروب الخيال إِنْ تَمّ إعتماد سياسات هجرة صارمة وبطاقات إقامة دورية وعقود قانونية ملزمة وخَوْصَصة بعض المِهن للعمالة الوطنية عن غيرها ،كالقرار الذى أصدرته  المديرية العامة للأمن الوطني والقاضي بتفعيل حظر ممارسة الأجانب للنقل العمومي ….بالإضافة الى تكثيف برامج التكوين والتدريب المستمر،حتى يتم إشباع إحتياجات السوق الوطنية من التخصصات و الخبرة المطلوبة…هذا بخصوص العمالة الأجنبية ،فماذا بخصوص الإستثمارات المتدفقة من الخارج؟ إنّ تأثير جائحة كورونا (التى تتجه الى تكون حالةمزمنة) سَيَظَل من الشّدائِد التى تُغَصّص بِرِيقِهَا،المستثمرين والإقتصادات النامية ، ولن تكون الخيارات المتاحة كثيرة أمام حكومتنا وقطعا مساعي جلب الإستثمار من ضمن تلك الخيارات وهو أكثر إسعافا من التمويلات والقروض المُقدمة من الحكومات والمنظمات الدولية والبنوك والمشروطة بنظام الفائدة والتسديد فى آجال محددة ،بالعملة الصعبة أو السلع والمواد الأولية (الخام)..!! إلا أنّ ذلك لا يجعلنا نَغُضّ الطّرف عن مصالحنا على المدى البعيد وكذلك حقوق الأجيال القادمة ونصيبهم من الثروات….وحتى لاتتحول نعمة الثروة الى نقمة فإنّ مبدأ الرّيبة سلاح فعّال مع الغرباء ،الذين قد يدفعهم الجشع الى نهب الثروات فى لمح البصر.
إنّ تقارير منظمة السلام الأخضر العالمية وكذلك بعض الكتابات والنّدوات الوطنية والسّجالات التى شهدها البرلمان ،حول مخاطر هوندونغ الصينية العملاقة والأساطيل الأجنبية بما فى ذلك الأتراك وغيرهم وكذلك شركات التعدين وتازيازت وأيضا منح تسيير المطار و بعض الموانئ للأجنبي ….كُلُّهَا كتابات وسجالات تندرج فى إطار تنامي الوعي بالأخطار المحدقة بمخزوننا من الثروات وكذلك أمننا البيئي والقومي،وتدق ناقوس الخطر ،كما شَكّلت ضغطا على السّلطات من أجل إعادة النظر فى بعض الإتفاقيات المبرمة ومراجعتها -وهو ما تحقق بعضه-ولكن الحصاد لم يبلغ حدّ النّصاب ولم ينعكس على حياة المواطن العادي ولاحتى لم ينعكس على البنية التحتية ومازال الإنتكاس البيئي مشهودا والثروات البحرية والمعدنية تَتّوارى!!!!!!! وأخيرًا فإنّ دعم قطاع الصّيد المحلي وكذلك توسيع مجالات شركة معادن موريتانيا وخلق أطر قانونية وتنظيمية فعّالة، وتبنّي مبدأ الشّفافية وفرض رقابة حقيقية على مدى الإلتزام بتطبيق بُنُود الإتفاقيات مع المستثمرين ونبذ الفساد والرشوة وتقليص منح الرُّخص لغير مستحقيها مع غيرها من الإجراءات ..ستبقى خطوات فى الإتّجاه الصحيح .
فى حِين أنّ إستمرار نضوب الأسماك والأحياء البحرية وعدم مراعاة الحفاظ على التنوع البيولوجي وتدهور البيئات فى مناطق التّعدين ومحيطِها، تُشَكل فى مُجملها بواعث قلق على المستقبل وتُحَتِّم ضرورة إتّخاذ سياسات ثورية، من قَبِيل تأميم ومَرتنة قطاع الصيد والمعادن – فَآخِرُ الدّاء الكَيّ


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى