هذا الصنف من الأشخاص قد تكفيه جرعة واحدة من لقاح كورونا
يشير عدد متزايد من الدراسات إلى أن العديد من الأشخاص ممن سبق أن أصيبوا بكوفيد-19 يمكن الحصول على جرعة واحدة فقط من لقاح كورونا دون مخاطر، وفقا لما نشره موقع Nature.
يمكن أن تساعد نتائج هذه الدراسات في توسيع نطاق إمدادات اللقاح، التي لا تكفي للجميع في الكثير من البلدان بما سيؤدي إلى تعديل سياسات التطعيم في بعض البلدان. لكن تظل هناك أسئلة حول ما إذا كانت النتائج تنطبق على جميع الأفراد وجميع اللقاحات، ولهذا قام موقع Nature باستطلاع آراء الخبراء في سياق التقرير التالي.
تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين تعرضوا سابقًا لعدوى فيروس سارس-كوف-2 تتكون لديهم استجابات مناعية قوية بمجرد الحصول على الجرعة الأولى ولا تتحقق لهم سوى استفادة محدودة من الجرعة الثانية. كما أن الأشخاص الذين يتمتعون بالمناعة المكتسبة نتيجة لإصابتهم بالعدوى، فإن جرعة واحدة عادةً ما تزيد من أعداد الأجسام المضادة إلى مستويات مساوية أو غالبًا أكبر من تلك الموجودة في أجسام من لم يسبق لهم أن أصيبوا بالعدوى والذين تلقوا جرعات مزدوجة من اللقاح.
تنصح فرنسا وألمانيا وإيطاليا، من بين دول أخرى، بجرعة واحدة فقط من اللقاح للأشخاص الذين يتمتعون بجهاز مناعي سليم وتشخيص سابق مؤكد بإصابتهم بعدوى كورونا.
يقول العديد من العلماء الذين درسوا الاستجابات المناعية للتطعيم إن مثل هذه السياسات هي طريقة معقولة لتحقيق أقصى استفادة من الكميات القليلة المتاحة في البلدان التي تتسابق لتلقيح مواطنيها.
يقول غوردي أوشاندو، اختصاصي المناعة في كلية إيكان للطب في ماونت سيناي بنيويورك : “إن اتباع جدول التطعيم الحالي بإعطاء جرعتين للأفراد المصابين سابقًا، في حين ان هناك ملايين الأشخاص ينتظرون جرعتهم الأولى، هو أمر لا معنى له”.
تحفظات موضوعية
لكن مازال غير معروفًا للعلماء ما إذا كانت برامج جرعة واحدة للمصابين سابقًا يمكن أن تحقق حماية أقل من المستويات المثالية المنشودة لبعض الأفراد. كما أنه ليس من الواضح أن مثل هذه البرامج ستكون فعالة لجميع أنواع اللقاحات.
تقول جوليانا ماغري، اختصاصية المناعة في معهد أبحاث مستشفى ديل مار في برشلونة بإسبانيا: “إذا كان الشخص سبق له الإصابة بالعدوى، فمن المحتمل أن تكون جرعة واحدة كافية”، لكنها تقر بأن وضع مثل هذه الفرضية النظرية موضع التنفيذ هو “أمر معقد”.
خلاف حول عدد الجرعات
إن هناك أدلة معملية وافرة على أن الأشخاص الذين سبق أن أصيبوا بعدوى فيروس سارس-كوف-2 يستفيدون من التطعيم، مما دفع منظمة الصحة العالمية ووكالات الصحة العامة الأخرى للتوصية بأن ينبغي أن يتم تطعيمهم. ولكن مازال هناك قدر أقل من الوضوح حول ما إذا كان يجب أن يحصلوا على جرعتين.
تقدم ورقة بحثية نُشرت في مجلة Nature في 14 يونيو بعضًا من أحدث الأدلة على أن جرعة واحدة يمكن أن تكون كل ما هو ضروري للمتعافين من كوفيد-19. درس فريق من الباحثين في جامعة روكفلر في مدينة نيويورك وأماكن أخرى 26 حالة لأشخاص أصيبوا بالفيروس في وقت مبكر من بداية انتشار الوباء، بعد تلقيهم جرعة واحدة على الأقل من لقاح فايزر أو مودرنا، وكلاهما يعتمد على تقنية مرسال الحامض النووي الريبي “أم أر إن إيه”.
حلل الباحثون مستويات المشاركين في “تحييد” الأجسام المضادة، وهي جزيئات مناعية قوية يمكنها منع الفيروس من دخول الخلايا. في الوقت الحالي، تعد كمية وحيوية الأجسام المضادة المعادلة للشخص أفضل العلامات لتقييم ما إذا كان هذا الشخص محميًا من العدوى والمرض – على الرغم من أن العلماء لا يزالون يعملون على دراسات تهدف للتأكد من ما إذا كانت مستويات الأجسام المضادة يمكن أن تكون بمثابة بديل واقعي للحماية المناعية.
قام فريق الباحثين أيضًا بتقييم مستويات خلايا الذاكرة B لدى المشاركين في الدراسة، والتي تتذكر مسببات الأمراض ويمكنها بسرعة إخراج الأجسام المضادة المستهدفة إذا واجه الجسم عاملًا معديًا سبق أن تم التعرض للإصابة به من قبل. وفي غضون شهر أو شهرين من تلقي التطعيم، ارتفعت مستويات خلايا الذاكرة B لدى المشاركين في الدراسة، في المتوسط، بما يقرب من 10 أضعاف، وارتفعت مستويات الأجسام المضادة المعادلة بنحو 50 ضعفًا، مما يشير إلى المكاسب واضحة في الحالات التي سبق إصابتها بالعدوى، سواء حصلوا على جرعة واحدة أو اثنتين.
كما تبين أن جرعة واحدة فقط من اللقاح أدت إلى تحقيق مستويات مساوية أو أعلى من تلك التي تتحقق من خلال جرعتي لقاح للأشخاص الذين لم يسبق لهم الإصابة بعدوى كوفيد-19. تقول الباحثة المشاركة في الدراسة وعالمة الفيروسات ثيودورا هاتزيوانو: “إنه لأمر مدهش حقًا،” معربة عن تمنياتها بأن تكون مستويات الأجسام المضادة لدى الجميع “على هذا النحو.”
مقوي ذاكرة
تشير النتائج التي توصلت إليها هاتزيوانو وزملاؤها أيضًا إلى أن الأسس البيولوجية لفعالية جرعة واحدة في الأشخاص السابق إصابتهم بالعدوى خلال الأشهر الـ 12 التالية، لم تكن خلايا الذاكرة B ثابتة، وإنما قضت الخلايا عام بأكمله في مرحلة التطور، مما جعلها قادرة على تصنيع أجسام مضادة أكثر قوة وتنوعًا من تلك التي تنتجها فور الإصابة بالعدوى.
أكدت دراسات أخرى نفس النتائج، حيث أظهر بعض الحاصلين على التطعيم أن جرعة واحدة يمكن أن تحفز نمو الأجسام المضادة والخلايا التائية المقاومة للعدوى على حد سواء. يقول جون ويري، عالم المناعة في كلية بيرلمان للطب في فيلادلفيا، إن الجرعة الثانية لا تقدم الكثير من الفوائد بالنسبة للأشخاص الذين تعافوا من كوفيد-19.
وعلى الرغم من أن معظم الأبحاث حول هذا الموضوع ركزت حتى الآن على لقاحات تعمل بتقنية المرسال “أر إم إن إيه”، إلا أن الأدلة الأولية من الدراسات التي أجريت في المملكة المتحدة والهند تشير إلى أن استراتيجيات الجرعة الواحدة يمكن أن تنجح إذا اعتمدت على استخدام جرعة من لقاح أسترازينيكا أو الحصول على Adenovirus المصمم لتحفيز الاستجابة المناعية ضد سارس-كوف-2.
أظهرت دراسة نُشرت الشهر الماضي، على سبيل المثال، أن جرعة واحدة من لقاح أسترازينيكا أدت إلى تحقيق استجابة مناعية أقوى بكثير لدى العاملين في مجال الرعاية الصحية في بريطانيا، الذين أصيبوا بالعدوى، بالمقارنة بزملائهم لم يسبق لهم الإصابة بكوفيد-19. وقال الباحثون إن النتائج “تدعم استراتيجية التطعيم بجرعة واحدة للأفراد السابق إصابتهم بالعدوى لزيادة التغطية وحماية عدد أكبر من السكان”.
تقول خبير تسويق ستايسي وود، من جامعة نورث كارولينا، إن سياسة جرعة واحدة لأولئك الذين أصيبوا بالعدوى يمكن أن تساعد في التغلب على اللامبالاة أو حالة الارتباك بشأن الحصول على اللقاحات بين من سبق لهم الإصابة بالعدوى ويمكن أن تساعد في إقناعهم بالحصول على اللقاح. ويمكن أيضًا أن يكون تقليل عدد الجرعات، وجميع الآثار الجانبية المصاحبة لها والقلق والوقت المتضمن، عناصر جذب لبعض من هم يتخذون موقفًا محايدًا من الحصول على التطعيم.
مع اللقاحات الإضافية المتاحة، التي سيتم توفيرها من خلال منح جرعة واحدة من اللقاح لمن سبق إصابتهم بالعدوى، فلن يكون هناك حاجة لتأخير جرعة اللقاح الثانية للأفراد الذين لم يسبق لهم الإصابة بكوفيد-19، بحسب ما ذكره 8 باحثين في مقال تم نشره في مايو بدورية EBioMedicine. ومن هذا المنطلق، وبشكل متزايد، فإن البلدان والمناطق، التي تعاني من نقص في إمدادات اللقاحات، سيمكنها الأخذ بما توصل له العلماء، على الأقل بالنسبة للبالغين الأصغر سنًا، الذين لا يعانون من ضعف في جهاز المناعة.
العربية نت