آراء وتحليلاتالأخبار

خطاب لاستقلال…وطن يتصالح مع ذاته وقيمه / د.أحمد سالم ولد فاضل

 

تتعزز مع الزمن القيم الوطنية والمسارات الأخلاقية التي مثلها وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى السلطة، وما من شك أن قيمة القرب من المواطنين، والحنو على الفئات الهشة من شعبنا الحبيب يمثل مسلكا أساسيا من مسالك تدبير الشأن العام وإدارة العملية التنموية في البلاد منذ وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى سدة الحكم، ومنذ أن بدأ تنفيذ برنامج تعهداتي الذي يمثل نصا تأسيسيا في مسارنا الوطني، فلم يكن برنامجا انتخابيا فحسب، ولا مجرد خطة عابرة لتسيير  شأن الحكم في فترة محدودة، بقدر ماهو استيراتيجية نهوض وطنية شاملة.

 

وما من شك أن الوفاء بما تضمنه” تعهداتي” من برامج تنموية ومن أنماط الحكامة، ومن بناء الأسس القيمية التي تحكم مسارنا الوطني الشامل، الذي اطرته الحكمة والمرونة والحوار والتهدئة، وعبرت فيه الكلمة الفصيحة الطيبة ذات الظلال الوارفة كالشجرة الطيبة عن أمل الشعب وقيمه وأعربت عن طموحه ورسمت معالم مستقبله بجلاء.

 

إن خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة عيد الاستقلال الوطني المجيد كان في مضامينه وفي ما أعلن عنه من قرارات ومواقف لصالح الفئات الهشة والقطاعات العمالية الأكثر فعالية وتأثيرا في حاضر ومستقبل موريتانيا، عنوان إقلاع حضاري مهم بالنسبة لبلادنا اليوم ولأجيالنا القادمة.

وما من شك أن هذا الخطاب بمضامينه السالفة كان استجابة لصوت الشعب ولحراك الواقع، الذي جاء برنامج”تعهداتي” لإصلاحه وتطوير إيجابياته ومعالجة إشكالاته.

 

الإعلان عن القرارات العشر الموجهة للعمال والفئات الأقل دخلا، مع نهاية السنة الأولى من المأمورية الأولى لرئيس الجمهورية وفي ظل وضع اقتصادي عالمي بالغ التعقيد، يمثل رسالة مهمة بأن القادم أفضل وبأن قطار الإصلاح يسير على سكة ممهدة من الحكمة والانتماء التام للشعب ولمطالبه ولقيمه.

 

كما أن تنوع الفئات المستهدفة بهذا القرارات، يمثل هو الآخر  رسائل متعددة، تحمل بين الوفاء والإكبار والتقدير لجهود المتقاعدين الذين قامت الدولة على سواعدهم واستقر بناؤها بعرقهم، ليؤكد لهم زيادة معاشهم التقاعدي بنسبة 100% وصرفه لهم شهريا بأنهم لم يعودوا وحدهم في معترك الحياة، وأن السلطة اليوم بيد من يحس بواقعهم ويقدر ما أسلفوا من عمل نبيل في خدمة البلاد والعباد، وأنه قد آن الأوان لينالوا الوفاء الذي يستحقون والتقدير الذي هم أهل له.

وإلى جانب هؤلاء المتقاعدين ظلت أرامل المتقاعدين يعانين خلال الفترات المنصرمة، ضآلة المعاش التقاعدي وصعوبات الحياة، ورغم ما التحفن من قناع الصبر النبيل، فإن واقعهن كان صارخا داعيا إلى لفتة إنسانية كبيرة، وكان من توفيق الله تعالى لرئيس الجمهورية أن كان صاحب هذه اللفتة الإنسانية، التي ستطبع بسمة الامتنان والتقدير في بيوت متعددة، وعلى تقاسيم وجوه مضيئة من أمهات البذل والعطاء في بلدنا الحبيب، وما من شك أن شمل أرامل المتقاعدين بالضمان الصحي هو لفتة إنسانية أخرى تنضاف إلى إكراميات الاستقلال وإلى المواقف النبيلة التي أخذ بها الاستقلال موقعه في نفوس المواطن الذي يرى في الاستقلال بسمة وحنوا، وهوية مصانة ورزقا حلالا وتعليما وصحة وأمنا وأمانا، ولا شك أن كل هذه القرارات السابقة، تؤكد تلك المعاني وتجذر تلك السياقات التي أخذها الاستقلال مع خطاب رئيس الجمهورية.

 

وفي قطاع الصحة، حيث تكلل نياشين الرحمة البيضاء مناكب محاربي الألم وزارعي البسمة الوهاجة على الوجوه، كان التقدير والإكبار بزيادة 30% على الراتب الصافي، ولا شك أنها زيادة معتبرة تنضاف إلى جهود متعددة لتثمين وتطوير المصادر البشرية للقطاع الصحي، وتوفير الظروف المناسبة لتغطية صحية شاملة، ونهضة استشفائية فعالة.

وفي التعليم، وتكريما لمعلمي الناس الخير، ورسل العلم والوطنية والتهذيب والنهوض – وهو دون شك من أهم أولويات فخامة رئيس الجمهورية – كانت الزيادات متعددة المجالات، فقد تمت مضاعفة علاوة الطبشور وصرفها طيلة العام، كما تمت مضاعفة علاوة البعد، للعاملين في قطاع التهذيب خارج العاصمة، وهو ما يعني أن المدرس أصبح يحصل على قرابة راتب إضافي كل ثلاثة أشهر، وهو أهل لذلك ولغيره من الزيادات والتقدير.

كما نال طاقم التأطير أيضا زيادة معتبرة من خلال منح علاوة الطبشور لمديري المؤسسات التعليمية، مع زيادة علاوة التأطير لمفتشي التعليم الثانوي، وما من شك أـن هذه الإجراءات التحفيزية تأتي تأطيرا لإجراءات متعددة للنهوض بقطاع التعليم، من خلال مراجعة وتطوير البرامج التعليمية، وتمكين المدرسين من البرنامج من خلال وحدة رقمية متاحة لكل مدرس، زيادة على التحضير لبناء مئات الفصول، وتجهيزها بما يناسب النهوض التعليمي المطلوب، زيادة للتحضير للأيام التشاورية حول التعليم، سعيا إلى وضع أسس نهضة تعليمية تحمي الأجيال القادمة، وتنير لها دروب الإبداع في شتى مجالات المعرفة والقيم.

ومن الفئات التي نالتها اللفتات الإنسانية في خطاب رئيس الجمهورية بنصيب وافر، فئة مرضى الكلى وهاهي الدولة تتكفل اليوم بنسبة 50% من تكاليف التصفية، إضافة إلى منح مرضى الكلى – أكمل الله لهم بالشفاء التام – تحويلات مالية بقيمة 15000 أوقية لكل مريض من مرضى التصفية.

أما ذوو الإحتياجات الخاصة، وهم الطاقات المجنحة التي تحتاج من الدولة والمجتمع أخذا بأيديهم وعونا لهم على مشاق طريق الحياة، فقد نالوا جملة من الإجراءات الإنسانية المهمة من بينها تحويلات مالية بقيمة 20000 أوقية لأصحاب الإعاقات الذهنية والبدنية، إضافة إلى مستوى كبير من التكفل الصحي بهم.

هذه الإجراءات هي منح من مستنير عارف بأوجاع وطنه، تؤرقه همومه، ويحمل على عاتقها مسؤولية النهوض بها، وهي أيضا منح لمستحق، ومكرمة إلى من هم أهلها وأحق الناس بها، وهي ترسيخ وتطوير للوظيفة الاجتماعية للدولة، والمنحى الأخلاقي في أداء السلطة، والتدبير الإنساني في تعاطي الحاكم مع المحكومين.

 

تكريم الأبطال …وطن يصالح ذاته وإلى جانب تلك الإجراءات كان توشيح أعلام ورموز من قادة المقاومة الثقافية والعسكرية في البلاد وفي ذكرى الاستقلال رسالة مهمة جدا ومؤثرة، تؤكد أن هذا البلد هو نسيج متواصل يجمع بين الماضي المجيد والحاضر الفعال المتوثب والمستقبل الباهر بحول الله تعالى.

وأن قيادة رئيس الجمهورية لقاطرة النماء الوطني، هي قيادة مستنيرة، تنزل الوطن منزلته اللائقة في قيمه وأعلامه ومعالمه، وتراثه، وأن التكامل الحضاري الذي حمى البلاد بالدماء والمداد، وأقام بناء الوطن بالسواعد المجاهدة بمحراث العزم والتضحية في الحقول وتحت ظلال النخيل، وبين التلال والمساقي ومسارب النهر وشعاف القمم، وبإبداع العقل الصناعي التقليدي الذي أبدع وزخرف حياة هذه البلاد بجلال العلم والإبداع وجمال الاكتفاء الذاتي وتسخير أدوات الصحراء لصناعة سور وطني يجمع ولا يفرق ويضم ولا يشتت.

كل ذلك كان حاضرا روحا واستلهاما في خطاب رئيس الجمهورية، وكان تأسيسا جديدا لوطن متصالح مع ذاته، غير متنكر لماضيه، ولا متجاهل لإشكالاته.

ولا شك أن هذه الإجراءات جاءت أيضا مكللة لمسار من الحكامة المستنيرة، حيث وضع رئيس الجمهورية أسس الضمان الكافي للفصل بين السلطات، ومحاربة الفساد، ومراجعة الاتفاقيات التي لم تكن في صالح البلد ولا تتقصد حماية ثروته بالحد الكافي.

وما من شك أن مسؤولتنا في تثمين هذه النهضة، وهذا المسار البناء هي مسؤولية مجتمع، يرفع قواعد نهضته، ويزرع حقول اكتفائه الذاتي وتنميته الراشدة، ويعزز أواصر المحبة بين أبنائها، ويرفع أجنحة إقلاعه الحضاري.

فشكرا لكم فخامة رئيس الجمهورية، حفظكم الله ذخرا للبلاد والعباد


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى