الكشف عن أسرار ومواقف من انقلاب 2003
انتهى كل شيء بعد أن تدمرت القوة الانقلابية ..دبابة ..دبابة، وبدأ ولد الطايع يستعيد قوته الأساسية، خرج الآلاف من سكان نواكشوط وكل المدن تنديدا بتلك “المحاولة الأثيمة” وتوالت بيانات الشجب والتنديد…
يقدم القيادي في المحاولة الانقلابية محمد ولد شيخنا رواية أخرى لما وقع خلال ساعات الانقلاب الأربع والعشرين، محملا رفيقه صالح ولد حننا جزء أساسيا من المسؤولية عن فشل الانقلاب.
تعرض محمد ولد شيخنا لجراح متعددة، في تلك المحاولة، وكان المسؤول عن اقتحام الرئاسة، حيث أصيب في الركبة والرأس، وكاد يفقد روحه بسبب بقائه وحيدا في الرئاسة بعد أن انسحب عنه صالح ولد حننا ببقية الدبابات وتركه وحيدا هنالك رفقة النقيب البطل أحمد ولد محمد امبارك ولد هبول.
كان ولد شيخنا على صلة بأحد أقاربه العاملين في حراسة الرئيس معاوية ولد الطايع، وكان مكلفا باعتقال الرئيس أو منعه من المغادرة، لكنه فقد الاتصال بولد شيخنا الذي ترك هاتفه عند مرافقه العسكري.
ووفق محمد ولد شيخنا فقد ارتكب صالح ولد حننا خطأ آخر وهو عدم التعاطي مع مبعوث قائد الأركان العقيد محمد الأمين ولد انجيان، الذي أرسل رقم هاتفه إلى الانقلابيين لكي يتحدثوا معه مباشرة.
ويرى ولد شيخنا أن ولد حننا رفض التجاوب مع المبعوث المذكور بحجة أنه غير مخول لذلك، وفي المقابل أيضا لم يرسله إليه، وهو القائد الفعلي للانقلاب.
بعد فشل السيطرة على الرئاسة، ومعاودة الكرة من جديد لم يكن هنالك بد من الانسحاب بسبب جراحه التي تفاقم تأثيرها.
وبعد لحظة وداع إنسانية مؤثرة غادر ولد شيخنا منزله إلى أسرة من أقاربه في توجنين قبل أن يبدأ رحلة أخرى
ما بعد الانقلاب
خرجت المظاهرات في كل قرية أو مقاطعة موريتانية، عاد السجناء الإسلاميون إلى زنازينهم، باستثناء اثنين أو ثلاثة استطاعوا الخروج من البلد
وبدأ ولد الطايع تجميع حكومته من جديد وبعض قياداته العسكرية، التي فر أغلبها بما فيهم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.. لكنه عاد مساء اليوم التاسع كان سلاحه حينئذ وبذلته العسكرية ملقاة قريبا من منزل رئيس البرلمان مسعود ولد بلخير الذي لم يسجل إعجابه بتلك “الصورة”.
هكذا تقول تلك الرواية “المعارضة” لكن رواية أخرى أكثر تماسكا تقول إن الرجل كان خارج العاصمة وأنه استدعي للعودة من أجل تأمين أسرة الرئيس وأنه نجح في ذلك، ولذلك تم توشيحه لاحقا.
كان ولد الطايع قد نظر إلى أغلب وزرائه حينئذ فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقية من “أهل الكتاب” أعاد بهم تشكيل حكومته وأسلم قياد الحكومة إلى وزيره الأول حينها السغير ولد امبارك وأقال الشيخ العافية ولد محمد خونه الذي تندرت عليه صحيفة اشطاري حينها بأنه ” خرج في ملابس غريبة على مجتمعنا”.
بدأت طاحونة الاعتقال التعسفي، تدور وبعنف وانفتحت شهية السجون لتبتلع عددا كبيرا من الضباط والجنود، اعتقل كل الانقلابيين باستثناء 5 أشخاص تمكنوا من مغادرة البلد يتعلق الأمر بكل من صالح ولد حننا، ومحمد ولد شيخنا، عبد الرحمن ولد ميني، ومحمد ولد السالك وأحمد سالم ولد كعباش، إضافة إلى النقيب ديدي الذي استعادته موريتانيا في عملية انتقدتها المنظمات الحقوقية بشدة.
وجد البعض في “غضب ولد الطايع” فرصة مناسبة لتصفية بعض الحسابات وخصوصا مع أقارب ولد حننا، وفي إحدى جلسات المجلس الوطني للحزب الجمهوري، تحدث أحد النواب مع ولد حننا والمدافعين عنه وخصوصا النائب الرشيد ولد صالح، بعد انتهاء الجلسة، قام ولد الطايع إلى الرشيد وحدثه بأسلوب أخوي، فهم منه المجتمعون أن ولد الطايع يود أن يرسل رسالة للجميع بأن لا مشكلة له مع “أقارب ولد حننا”.
لكن على أرض الواقع كانت هنالك تصفية متعمدة ضد أطر وشخصيات قبيلة أولاد الناصر التي تم تجريهما بالقرابة، وقد عبر ولد الطايع بصراحة لمرافقه العسكري السابق المرحوم محمد ولد عبدي ولد افليفل بأن “الأسرة لم تعد تطيق رؤية أحد من ذلك المسمى”، وأن كل معاونيه أبلغوه بأن محاولة من هذا القبيل ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه لولا سند قبلي”
اعتقلت في هذه الفترة بسبب القرابة رئيس المحكمة العليا القاضي القاضي محفوظ ولد لمرابط، والوالي محمد ولد ارزيزيم، وأقيلت الوزيرة منتات بنت حديد، وبدأت الاعتقالات والإقالات تترى.
بعد أشهر وجهت إحدى الشخصيات من أقارب ولد حننا رسالة قاسية وواضحة إلى الرئيس معاوية ولد الطايع عبر مدير الأمن اعل ولد محمد فال مفادها أن “تصفية أولاد الناصر من المؤسسات والوظائف لا يمكن أن تستمر وأن عناصر القبيلة اليوم ما بين شيخ وامرأة يرفع الدعاء في كل صلاة من أجل أن ينتقم الله من نظام ولد الطايع، أو شاب مستعد في أي وقت لحمل السلاح ضده” وفهم ولد الطايع الرسالة، وبدأ يتراجع لاحقا عن إجراءاته التعسفية.
خروج القيادة
فيما ابتلع مساء التاسع أحلام الفرسان في الإطاحة بولد الطايع، كان أيضا قد نشر لهم رداء الستر والتخفي، وبدأ البحث عن مخابئ بالنسبة للقلة الباقية التي لم تطلها يد الاعتقال
بدأ زعيم الانقلابيين صالح ولد حننا الانتقال من مخبئ إلى آخر، وكان عليه أن يستعين ببعض الأصدقاء القدماء، حينما بدأ الكثيرون يتبرأون منه ومن اليوم الذي جاء فيه من البدو ليحمل السلاح، ويفكر في الإطاحة بولد الطايع..وطيلة عشرين يوما استنفر الأمن أغلب وسائله، في البحث عن الانقلابيين، فيما حاول بعض المقربين منهم نشر شائعة مفادها أن “الجناة” قد خرجوا بالفعل من البلد متلبسين بظلام الليل، وجريمة “الانقلاب”.
التحق ولد حننا رداء الاختفاء في بعض منازل نواكشوط، فيما التحق الرائد محمد ولد شيخنا بجماعة الدعوة والتبليغ، لأيام عديدة، فربما كان في “الخروج في سبيل الله”، فرصة للخروج أيضا من “هذه القرية الظالم أهلها”.
يقدم محمد ولد شيخنا رواية أخرى مغايرة تماما لهذه الرواية، حينما يركز على دوره شقيقه الشاب المعتقل ضمن الإسلاميين يومها سيد أعمر ولد شيخنا في ترتيب عمليات اختفائه.
فبعد أن انتقل إلى أسرة من أقاربه في توجنين وبعد أن كتب رسالة تشرح ظروف الانقلاب، وأسبابه ودوافعه، وأخفاه عند أقاربه المذكورين طالبا تسليمها لأخته إذا تم اعتقاله.
ربطه شقيقه المعتقل سيدي أعمر بشخصيات أخرى سيظهر لاحقا أنها من الإسلاميين.
اختفى ولد شيخنا في منزل بحي كرفور بمقاطعة عرفات، وشاء الله أن اعتقل مرافقه الذي كان يقيم معه ويجلب له الطعام، مما اضطره إلى القفز من الحائط المغلق عليه وشراء هاتف جديد وإعادة التواصل مع شقيقه سيدي أعمر ولد شيخنا.
وبعدها ظهر شاب آخر ليقوم بمهمة المرافقة والتكفل بالمعنيين وهوالشاب إدومو ولد بمباي.
وفي يوم 26 من نفس الشهر، التقى ولد حننا وولد شيخنا في المنزل المذكور، بعد أن ربط بينهما القيادي الإسلامي مولاي ولد إبراهيم، وهنالك تم التقاط صور لهما من أجل إعداد جوازات مالية.
وتم تسجيل بيان عن أسباب الانقلاب، جاء مولاي حاملا معه نص البيان مؤكدا أن أحد ألمع السياسيين الموريتانيين هو من كتبه.
وكالعادة آثر ولد شيخنا رفيقه صالح ولد حننا بقراءة البيان، مؤكدا أنه كان زاهدا في الأضواء، كما أن وضعية ملابسه وشكل رأسه الذي طال لم تكن تسمح له بالظهور في بيان متلفز.
و بعد 20 يوما من الانقلاب، و بعلاقات خاصة مع بعض الأصدقاء السابقين استعرض الرجل قائمة أصدقائه، و في النهاية وجد الاستعداد عند رجلين يعتبرهما “أخوين عزيزين ” يردد عند ذكرهما دائما ” ألا إنما الإخوان عند الشدائد”..
الخروج من نواكشوط
وفي مساء اليوم العشرين بعد الثامن من يونيو، خرجت من نواكشوط سيارتان يقود إحداهما سيدي محمد ولد احريمو وتقل كلا من صالح ولد حننا، ومحمد ولد شيخنا، كان الزاد قليلا بعض حقائب تحمل ملابس خفيفة، فيما كانت الأخرى “سيارة دليل” يخبر الفرسان بما رأى أمامه وخرجت الرفقة من نواكشوط خائفة تترقب، تردد للزمن
كأن بلاد الله وهي فسيحة على الخائف المطلوب كفة حابل
لايحمل ولد شيخنا ولا ولد حننا أي بطاقات هوية، لكنهما يحملان رغبة جامحة في الخروج من سلطان ولد الطايع وإعادة الكرة لإدالة ذلك “السلطان الحديدي”.
كانت الخطة واضحة جدا، سيقوم الدليل، بإخبار ولد احريمو بوضعية الطريق، وعند كل وحدة عسكرية على “طريق الأمل” كان على “الرائدين صالح ولد حننا، ومحمد ولد شيخنا ” أن ينزلا على بعد 500 م على الأقل، ليقوما بتجاوز نقاط التفتيش،
ونجحت الخطة بهدوء، على طول الطريق تجاوزا واد الناقة ..بوتلميت .. ألاك ..مقطع لحجار ….. قبل أن يصل “الخارجون” إلى نقطة تفتيش قريبة من “جوك”… حيث فوجئ الجميع بوحدة من الدرك، تقطع الطريق وتفتش كل السيارات العابرة تفتيشا دقيقا.
وبعد تشاور سريع، عادت سيارة ولد احريمو أدراجها، إلى مخيم صغير.. يبعد أقل من 300 م عن وحدة الدرك التي لاحظت انحراف السيارة عن الطريق وتوجهها إلى المخيم.
أوقف ولد احريمو سيارته داخل المخيم، بحيث حجبتها الخيام البيضاء عن أعين الدرك، وترجل ولد شيخنا، وواصل مسيرته، المقررة، حيث سيلتف على الطريق وينتظر ولد احريمو في مكان آمن.
أما ولد حننا فقد جلس مع “المخيمين” وبدأ يسائل عن أسعار ” الماعز” ..
– بعد سلام بدوي تقليدي… طلب ولد حننا شراء تيس صغير، لنقله إلى بقية رفاقه الذين يستمتعون بموسم الكيطنة عند واحة نخل قريبة، وفق تعبيره.
وانطلت الخطة على البدويين الذين ربطوا ” التيس” بسرعة في إحدى أوتاد الخيمة.
على الجانب الآخر عاد سيدي محمد ولد احريمو إلى الثكنة، تعرض لاستفسار طويل جدا… جزم الرجل أنه كان وحيدا طول الرحلة، وأن لا أحد كان برفقته.. لم تساعد الحقائب المكدسة داخل السيارة الدركيين على تقبل الجواب بسرعة وطال الاستجواب.. وبسرعة أرسلوا سيارة صغيرة، رابطت قرب المخيم.. واستشعر ولد حننا الخطر.. قبل أن يحمل “مغراجا” ويتجه إلى تلة قريبة ..ليقضي حاجة هنالك …واصل الرجل طريقه..وبعد أكثر من ساعتين تمكن من صعود جبل قريب من جوك…والاختباء في بعض الكهوف التي تمكنه من رؤية ما يجري.
بعد لحظات اقتربت سيارة الدرك من المخيم، واستفسر الدركيون عن السيارة ومن نزل منها، وبكل أريحية تحدث القرويون عن كل ما حصل ” نزل رجل هنا واشترى من عندنا ذاك العتروس، وأخذ مغراجا وذهب …”
طال انتظار العودة، وأخيرا انسحبت سيارة الدرك إلى بقية الوحدة، كان الدركيون قد سمحوا قبل ذلك لسيدي محمد ولد احريمو بمواصلة السير، بعد مسافة تقارب الكلم توقف الرجل لانتظار رفيقيه ولد حننا وولد شيخنا، وبعد لحظات كانت وحدة الدرك قد أبلغت قيادتها في كيفة وفي نواكشوط أيضا باشتباهها في السيارة المذكورة.
أما الثلاثي فقد قرر مواصلة السير وعدم التوقف لأي وحدة عسكرية، مالم يؤد ذلك “إلى مواجهة “… تضافر عامل الاشتباه وعامل ” تجاوز نقاط التفتيش” ليشعل حالة استنفار قوية في ولاية لعصابة بحثا عن السيارة.
وواصل الرفاق سيرهم… وواصل الدليل عمله في تأمين الطريق لسيارة الفرسان… وفي النهاية حصل مالم يكن متوقعا …عند مدخل كيفة..حينما وقع الاحتمال الأسوأ بالنسبة للفرسان .. اصطدمت سيارة ولد احريمو بسيارة صغيرة أخرى … وبعد دقائق وصلت الشرطة… يتواصل
نقلا عن موقع ريم آفريك