الدر المسبوك في النصيحة لأهل الفيسبوك / محمد الأمين بن الشيخ بن مزيد
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، أما بعد فإن الله عز وجل أنعم على عباده نعما عظيمة جليلة لا يستطيعون إحصاءها ومنها في هذا العصر :وسائل التواصل التي وفرت الوقت ، وخففت الجهود المبذولة ، وساهمت في التسريع في إنجاز المهمات ، وهذه النعمة العظيمة شكرها : صرفها في طاعة الله عز وجل . وكفرُها : استخدامها في معصية الله عز وجل .وقد حدثنا الله عز وجل في القرآن الكريم كثيرا عن شكر النعم وكفرها ، وحدثنا عمن شكروا ومن كفروا .
ومساهمة مني في توضيح وجوه شكر هذه النعمة ، ووجوه كفرها كتبت هذه الكلمة بعنوان (الدر المسبوك في النصيحة لأهل الفيسبوك ) أوجِّه فيها المدونين والمستخدمين لهذه الوسائل فأقول وبالله التوفيق
تذكروا رقابة الله عز وجل وتدبَّروا قول الله عز وجل (إن الله كان عليكم رقيبا) وقول الله عز وجل (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تُفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغرَ من ذلك ولا أكبرَ إلا في كتاب مبين )
تذكروا أن آثار الإنسان المادية والمعنوية مكتوبة عند الله عز وجل كما قال الله عز وجل (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) وهذه الآثار تشمل الآثار المادية والمعنوية ومنها ما سن الإنسان من سنن حسنة وما دعا له من هدى وما سن من سنن سيئة وما دعا إليه من ضلالة .
فلا تكتب بخطك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه
عظموا حرمات الله وعظموا شعائر الله قال الله عز وجل (ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ) وقال الله عز وجل (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) ومن مقتضى ذلك الأدب عند الحديث عن الله وملائكته ورسله وانتقاء الألفاظ الأكثر أدبا والأكثر تعظيما
قال القرافي في الفروق في الفرق المائة بين قاعدة النواح حرام وبين قاعدة المراثي المباحة (ج2ص 620)
” ومن الرثاء المحرم الفظيع ما وقع في عصرنا في رثاء الخليفة ببغداد في أيام الملك الصالح رحم الله الجميع فعمل له الملك الصالح عزاء جمع فيه الأكابر والأعيان والقراء والشعراء فأنشد بعض الشعراء في مرثيته
مات من كان بعض أجناده الموت ومن كان يختشيه القضاء
فسمعه الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله وهو جالس في المحفل فأمر بتأديبه وحبسه وأغلظ الإنكار عليه وبالغ في تقبيح رثائه وأقام بعد التعزير في الحبس زمانا طويلا ثم استتابه بعد شفاعة الأمراء والرؤساء فيه وأمره أن ينظم قصيدة يثني فيها على الله عز وجل . ”
ومن مقتضى ذلك أيضا أن لا تُستخدَم ءايات القرآن في مجال الهذر والهزل والنكت ذكر القاضي عياض في المدارك في ترجمة القاضي عبد الله بن غانم وهو ممن سمع من مالك أنه كان مع سليمان بن زرعة فقُرِّب إليهم الطعام وفيه كنافة (نوع من الحلوى )فجـــــــــرَّ رجل من القوم الزبد إلى جهته، فقال ابن زرعة: أخرقتها لتغرق أهلها فقال ابن غانم: استهزاء بكتاب الله تعالى؟ لله علي إن كلمتك أبداً (ما كلمتك أبدا )
تذكروا خطورة الكلمة فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم . ” رواه البخاري .
وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه ” ….ثم قال ألا أخبرك بِملاك ذلك كلِّه ؟ قلت بلى يا نبي الله فأخذ بلسانه قال : “كُفَّ عليك هذا فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال : ” ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم .” رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح
والكلمة الكاذبة في عصر الأنترنت يعظم إثمها لأنها تبلغ الآفاق وفي حديث الرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وأما الرجل الذى أتيتَ عليه يشَرشَر شدقــُه إلى قفاه ومَنخَره إلى قفاه، وعينُه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكَذبة تبلغ الآفاق . ” رواه البخاري (يشرشر شدقة إلى قفاه ) أي يشق ويقطع
كونوا هادفين فيما تكتبون فإنما الأعمال بــــالنيات لذلك عليكم أن تسألوا أنفسكم لماذا تكتبون ما تكتبون ؟ اكتبوا ترغيبا في الخير وترهيبا من الشر ، اكتبوا أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ، اكتبوا نصيحة لله ولكتابه ولرسوله(صلى الله عليه وسلم ) ولأئمة المسلمين وعامتهم ، اكتبوا مناصرة لقضايا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، ونقلا لأخبارهم ، وتبليغا لمطالبهم ، ودفاعا عنهم ، ولا تكتبوا ليقال كاتب أو ليقال مبدع أو ليقال متميز ، و لا تكتبوا لمجرد إضحاك الناس وإمتاعهم وإظهار البراعة في الإطراف .
احذروا القذف الذي يستحق صاحبه الجلد ثمانين جلدة مع سقوط الشهادة والوصف بالفسق واعلموا أنه لا فرق بين التصريح والتعريض في مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى قال القرطبي في تفسيره : ” حبس عمر رضي الله عنه الحطيئة لما قال :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
لأنه شبهه بالنساء في أنهن يطعمن ويسقين ويكسون . ”
احذروا كثرة الكلام وقولوا خيرا أو اصمتوا وقد عد الغزالي في إحياء علوم الدين عشرين آفة من آفات اللسان منها الغيبة والنميمة والكذب والسخرية والاستهزاء وإفشاء السر واللعن والفحش والسب والخوض في الباطل .
احذروا القول على الله بغير علم فالقول على الله بغير علم من المحرمات العظيمة قال الله عز وجل (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) قال الغزالي في إحياء علوم الدين : ” وكل كبيرة يرتكبها العاميُّ فهي أسلم له من أن يتكلم في العلم . ”
التزموا الصدق وتحروا الصدق حتى تكتبوا عند الله من الصديقين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا . ” متفق عليه
التزموا العدل في القول قال الله عز وجل (وإذا قلتم فاعدلوا )
احذروا التعميم عندما يكون التعميم غير صحيح ، لقد علمنا الله عز وجل الإنصاف في الخطاب قال الله عز وجل (منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ) وقال الله عز وجل (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما) وقال الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله )
انتبهوا إلى قول الله عزو جل (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )
فلا خير في كثير من نجوى المتناجين وتدوينات المدونين إلا إذا كانت من هذه الأمور المذكورة في الآية الكريمة أما الثواب على ذلك فمرتبط بإرادة وجه الله عز وجل
تتأدبوا بآداب سورة الحجرات ومنها 🙁 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ولا بد من الانتباه في نقل الأخبار والتأدب بهذا الأدب القرآني( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) وعن أبي هريرة رضي قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع “رواه مسلم
وأخيرا اقرؤوا هذا الحديث بتمعن وتدبر وتأملوا قوله : ” فإذا أراد أن يفْتح شيئا من تلك الأبواب قال : وَيْحك لا تفْتَحْه فإنَّك إن تفتحْه تَلِجْه .”
عن النواس بن سمعان الأنصاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ضرب الله مثلا صراطا مستقيما
وعلى جنَبَتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة
وعلى الأبواب ستور مُرْخاة
وعلى باب الصراط داع يقول : أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تَعَوَّجُوا
وداعٍ يدعو من فوق الصراط فإذا أراد أن يفْتح شيئا من تلك الأبواب قال : وَيْحك لا تفْتَحْه فإنَّك إن تفتحْه تَلِجْه.
والصراط :الإسلام ، والسوران :حدود الله تعالى .والأبواب المُفتَّحة: محارمُ الله تعالى . وذلك الداعي على رأس الصراط :كتابُ الله عز وجل .والداعي فوق الصراط : واعظ الله في قلب كل مسلم . رواه الإمام أحمد والترمذي في السنن والحاكم في المستدرك وقال :
“هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لا أعرف له علة و لم يخرجاه “ووافقه الذهبي
قال ابن تيمية في الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان إن من عرف هذا الحديث ” انتفع به انتفاعا بالغا إن ساعده التوفيق ؛ واستغنى به عن علوم كثيرة .”
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك