” روعة “الكلاب” وقبح بعض ذوي “الأنساب”
نزلت من الطائرة في الدوحة وشرعت في الدخول لصالة رجال الأعمال. أمامي من الساعات ما يتطلب صبرا وإبداعا في تزجية الوقت. بينما أنتظر دوري أمام موظفي الإستقبال خرجت من الصالة إمرأة خليجية الملمح والملبس بادية الصلف والكبرياء. كانت ترعد وتزمجر ومعها موظف هندي يحاول إمتصاص غضبها دون جدوى.
الكلمات تتطاير كشرار من فوهة بركان: “هندي كلب.. هندي كلب”. بعد أن فشل في تهدئتها لاذ بصمت غريب وهو يستقبل ببرود تجاوز صقيع القطب الشمالي رشاش الكلمات الجارحة. أكثر ما شدني ليس بروده وإنما تلك “شبه الإبتسامة” الغامضة التي تشرع في الخروج من بين شفتيه ثم تعود أدراجها كطفل يمد رأسه فوق حائط ثم يختبئ قبل أن يراه أحد.
واصلت تلك “المتوحشة” الصراخ فعرفت من كلماتها سبب تلك الغضبة المضرية وإذا عرف السبب “زاد” العجب. كان من المفترض حسب تذكرة الطائرة أن يتم تحويلها لصالة ركاب الدرجة الأولى وليس صالة “الدهماء” من رجال الأعمال!!! كم أنت غبي أيها الكلب الهندي.
قبل مغادرة المكان إلتفت لجميع من يقف في منصة الإستقبال، رجلان وإمرأة وكلهم من الهنود فألقت على مسامعهم قنبلتها الأخيرة: “كل الهنود كلاب.. كلكم كلاب”. ذكرتها بالإنجليزية وأنا أستحي من كتابتها كما هي وفي خاطري عدد من الأصدقاء الهنود في صفحتي. المدهش حقاً أن وجوههم جميعاً شهدت ذات الإبتسامة الخافتة الغامضة مع ذات الهدوء والبرود. إمتلأت إستغراباً وفضولاً. عجزت عن تفكيك شفرة تلك الإبتسامات حتى انكشف لي سرها بعد حين.
دخلت إلى الصالة وأنا أحمل تعب سبع ساعات من السفر وغضب يغلي دمي من سخف تلك المرأة. توجهت صوب الحمامات. عامل النظافة “كلب” هندي أيضا. يستقبل الناس بإبتسامة لطيفة يحتاج إليها مسافر هده الإرهاق.
– سيدي. شكلك مرهق. لماذا لا تأخذ حماماُ يزيل التعب؟
خاطبني بذات الإبتسامة.
– فكرة رائعة يا صديقي.
بعد الحمام خرجت ووجدت نفسي مدينا له بالشكر وكأنني أعتذر له ولبقية “الكلاب” عن فعلة تلك “العقور”. ربت على كتفه وتبادلنا الضحكات ثم مضيت لحال سبيلي. صنعت لنفسي من “ماكينة القهوة” خليطاً عشوائياً ظننت أنه أكثر نجاعة في دحض التعب ثم جلست ولا زالت تلك الكلمات تصم أذني: “كل الهنود كلاب”.
أطل في ثنايا خيالي مليار ونيف من الكلاب نجحوا في استدامة ديمقرطية جمعت شتات أعراق وأديان وطوائف كم احتار من فرط نجاحها الآخرون من بني البشر. الناتج القومي الإجمالي لهولاء “الكلاب” بلغ في العام الماضي 5 تريليون دولار بما يعادل خمسة أضعاف ما لدى السعودية وخمسة وعشرين ضعف ما أنتجه أصحاب هذا المطار. ثم وجدت نفسي أقترب من هولاء الكلاب على طريقة ال “zoom out” تبينت من بين الوجوه “المهاتما غاندي” ذلك الكلب العظيم وبجواره بقية من قومه: نهرو وأنديرا غاندي وشاعر الهند العظيم “الكلب طاغور” الذي تغنى بأسمه الكابلي: “صوت طاغور المغني بجناحين من الشعر على روضة فن”.
ما زلت في سيري أتفرس في وجوه الكلاب فأجد من بينهم ستة كلاب أسسوا شركة قوامها 250 دولار لتصبح قيمتة Infosysالسوقية في هذا العام قرابة ال 40 بليون دولار ووتربح في العام من بلايين الدولارات ثمانية تعادل بها ضعفي صادراتنا من بترول وحيوانات وصمغ عربي وكثير من كلام ووعود وفخر. ومن بين الكلاب يقف “ساتيا ناديلا” مدير عام مايكروسوفت التي أقصى ما تعرفه تلك المتوحشة عنها أن تكتب رسائلها ببرنامج يدير شركته هذا الكلب وعندما تتصفح الانترنت لتبحث عن مكياج جديد وساعة تتباهى بها تلجأ لقوقل التي يديرطاقمها ذلك الكلب “ساندر بيتشاي” وعندما تقف أمام محل لتشتري مجوهرات لحفلة قادمة تخرج من محفظتها بطاقة ماستر كارد في زهو وتجهل أن هذه الموسسة يديرها كلب آخر يدعى “اجاي بانجا”.
ثم عادت بي ذاكرتي فأطل عليّ من منحنا من علمه ال “differential equations” بكلية الهندسة ذلك الكلب دكتور ياداف وصديقه الآخر دكتور قوش أستاذ ال “numerical analysis” ثم دكتور كريشنا الذي لم نلتقيه لكني عرفت إبنه العبقري “بهارات كريشنا” الذي تشرفت بتدريسه في معمل القدرة الكهربية. ترى أين أنت الآن يا بهارات؟.
وفي صفحتي هذه من الأصدقاء المبرمج الموهوب ومدير المشاريع الآن “كيزافا مورثي” والصيدلي الذي عشق السودان وعمل له “باشكار شاكرافورتي” ثم أطل صديقي عامل النظافة ودود الإبتسامة وهو يقول أنني الآن أكثر نشاطاً. وكم من الكلاب رائعون: شامي كابور- أميتاب باتشان – ايشواريا – وصاحب الصوت البهي محمد رافي والفيلسوف أبو الكلام آزاد والشيخ ابو الحسن الندوي وذاكر نايك وشيخ المناظرات احمد ديدات والعالم النووي عبد الكلام خان وذلك المنتمي لطائفة المنبوذين “رام ناث كوفيند” الذي حملته اجنحة الديمقراطية متجاوزة قبح الماضي وثقله البغيض ليصبح رئيساً للكلاب بينما لا زلنا نتغنى “ونشرب إن وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدرا وطيناً” و”نحن الفوق رقاب الناس مجرب سيفنا” ناهيك عن عنصرية تقضم من بلادنا أجزاءاَ وتقذف بنا نحو المجهول. عندما رأيت هؤلاء الكلاب وتمعنت في وجه تلك المرأة إنكشف لي سر تلك الإبتسامات الغامضة.
ثم ارتد البصر خاسئاً وحسيراً وكسيراً. لازلنا نصب جام غضبنا في “بتاع الركشة” ونظن أننا قد خلقنا من طينة اكثر نظافة من تلك التي خلق منها عامل النظافة وخفير المستشفى مثلما ننظر بكبرياء غبي لصبي ورنيش ينظف أحذيتنا المتسخة كعقولنا و نقسم الناس ل”أولاد بلد” و”أولاد كلب”.
طارق أحمد خالد
الخرطوم 17 دجمبر 2017